مالي تعلن تصفية "أبو الدحداح": العقل المدبر لهجمات داعش في الساحل
الأحد 29/يونيو/2025 - 11:00 م
طباعة

في خطوة نوعية تعكس تصاعد كفاءة الجيش المالي في مكافحة الإرهاب، أعلنت السلطات في باماكو الأحد 29 يونيو 2025، تصفية القيادي البارز في تنظيم داعش بمنطقة الساحل، "أبو الدحداح الحرب"، خلال عملية عسكرية محكمة شمال مدينة ميناكا، قرب الحدود مع النيجر. يُعد هذا القيادي، المغربي الجنسية، أحد أبرز العقول المدبرة للهجمات الإرهابية في المنطقة، ويمثل مقتله ضربة مؤلمة للقدرات التخطيطية والعملياتية للتنظيم في ما يعرف بـ"المثلث الحدودي".
من هو أبو الدحداح الحرب؟
يُعرف "أبو الدحداح الحرب" باعتباره أحد أبرز القادة الميدانيين لتنظيم داعش في منطقة الساحل الإفريقي، وُصف بأنه "العقل التكتيكي" للتنظيم في الصحراء الكبرى. وفقًا لمنشورات أمنية وتحليلات منشورة على منصة "إكس"، فإن هذا القيادي الإرهابي يحمل الجنسية المغربية، وكان يتمتع بخبرة عسكرية وتنظيمية جعلته شخصية محورية في تنسيق وتنفيذ الهجمات الإرهابية الأكثر دموية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. دوره لم يكن محصورًا في القيادة العسكرية فقط، بل امتد إلى التوجيه العقائدي وتجنيد العناصر، مما جعله من الأعمدة الأساسية لهيكل التنظيم في منطقة ميناكا والمثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
برز "أبو الدحداح" في العمليات الكبرى التي نُسبت إلى تنظيم داعش، وعلى رأسها هجوم "بانيبانغو" في النيجر عام 2022، والذي خلّف عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات النيجرية والمدنيين، واعتُبر حينها من أكثر الهجمات تعقيدًا وجرأة في تلك المرحلة. كما وُجّهت إليه مسؤولية مباشرة عن تنظيم وتنفيذ مجازر بشعة ضد المدنيين في منطقتي "غاو" و"ميناكا" في مالي، حيث استُهدفت قرى بأكملها بحملات قتل جماعي، في إطار استراتيجية نشر الرعب وفرض السيطرة على المجتمعات المحلية. هذه الهجمات لم تكن عشوائية، بل اعتمدت على تنسيق لوجستي دقيق واستخدام كثيف للعبوات الناسفة، وهي الأساليب التي يُعرف أنه أشرف شخصيًا على تطويرها وتدريب المقاتلين عليها.
من ناحية فنية، كان "أبو الدحداح الحرب" يُعد خبيرًا في تصنيع المتفجرات وتكتيكات الكمائن، وكان يقود ورش عمل سرية داخل معسكرات التنظيم المنتشرة في المناطق الصحراوية النائية. تشير تقديرات استخباراتية إلى أنه كان يشرف على إعداد خلايا مسلحة مستقلة، وتدريبها على تنفيذ عمليات نوعية، بما في ذلك الهجمات الانتحارية وتفجير القوافل العسكرية. كما لعب دورًا في دعم شبكات التهريب التي يعتمد عليها التنظيم في تأمين الموارد والسلاح، وهو ما أكسبه احترامًا واسعًا داخل صفوف داعش، وفي الوقت نفسه جعله هدفًا رئيسيًا للأجهزة الأمنية في المنطقة.
تفاصيل العملية العسكرية
في 29 يونيو 2025، نفّذ الجيش المالي عملية عسكرية دقيقة شمال منطقة ميناكا، تحديدًا في منطقة "شيمان" الواقعة على بُعد نحو 40 كيلومترًا من المدينة، وهي منطقة تُعرف بتضاريسها الصعبة وتواجد عدد من معسكرات تنظيم داعش في الصحراء الكبرى. العملية جاءت بعد أسابيع من الرصد الاستخباراتي والتحقيقات الميدانية التي مكّنت القوات الأمنية من تحديد موقع "أبو الدحداح الحرب"، الذي كان يتحرك ضمن مجموعة صغيرة من الحراس والمقاتلين في محاولة لتفادي الاستهداف.
العملية تم تنفيذها بتنسيق متعدد الأطراف، حيث شاركت وحدات من الجيش المالي إلى جانب عناصر من فيلق إفريقيا—وهو تحالف عسكري إفريقي يضم وحدات قتالية متعددة الجنسيات تشارك في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل—بالإضافة إلى مقاتلي حركة إنقاذ أزواد، وهي حركة مسلحة محلية انخرطت في شراكة أمنية مع الدولة المالية مؤخرًا في إطار مواجهة الخطر المتزايد للجماعات المتطرفة. ووفقًا للمصادر، تم تطويق الموقع المستهدف ومحاصرته من عدة محاور، ما أدى إلى اشتباكات محدودة أسفرت عن مقتل "أبو الدحداح" وستة من مرافقيه، ومصادرة أسلحة رشاشة وذخائر ومواد متفجرة، إلى جانب إصابة عناصر من تنظيم داعش خلال العملية.
وأُعلن عن نجاح العملية عبر حساب موسى أغ أشراتومان، أمين عام حركة إنقاذ أزواد وعضو المجلس الوطني الانتقالي في مالي، الذي نشر تفاصيل الحدث على منصة "إكس"، مؤكدًا تصفية القيادي البارز. وقد أكد عدة محللين ومهتمين بالشأن الأمني المعلومات، ومن بينهم المستخدمان @TifaritiB و@IntelAnalyst54، اللذان نشرا تحديثات ميدانية تفصيلية عن هوية القتيل وتوقيت العملية، مما يعزز مصداقية الرواية الرسمية. وتُظهر هذه العملية مدى تطور التنسيق بين الجهات المحلية والدولية في ملاحقة قيادات التنظيم، مما يمثل تحوّلًا نوعيًا في التكتيك العسكري المالي في مواجهة الجماعات المتطرفة.
أهمية العملية ومآلاتها
يُعد مقتل "أبو الدحداح الحرب" ضربة استراتيجية موجهة إلى البنية القيادية الصلبة لتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، لا سيما في لحظة حرجة تشهد فيها منطقة الساحل الإفريقي تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الهجمات المسلحة والتوسع الجغرافي للتنظيم. فقد كان "أبو الدحداح" أحد العقول المدبرة التي أسهمت في نقل داعش من مجرد جماعة تنشط في خلايا متفرقة إلى تنظيم أكثر تنظيمًا واحترافية في التخطيط والتنفيذ، خاصة في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. اغتياله بهذا الشكل النوعي يُحدث فراغًا تكتيكيًا من شأنه أن يربك هيكل القيادة العسكرية للتنظيم مؤقتًا.
وقد عُرف "أبو الدحداح" بأنه من القادة الميدانيين القلائل الذين يجمعون بين المهارة القتالية والتخطيط الاستراتيجي والعمل اللوجستي، حيث كان يضطلع بمهام تشمل تنسيق الهجمات العابرة للحدود، وتحديد أهداف استراتيجية ضد القوات الحكومية والقرى المتحالفة معها، إلى جانب الإشراف على برامج تجنيد المقاتلين وتلقينهم خطاب الكراهية والتكفير. لهذا السبب، يُتوقع أن يؤدي مقتله إلى اضطراب نسبي في فعالية العمليات الهجومية للتنظيم، خاصة تلك التي تتطلب تنسيقًا عالي المستوى أو تصنيعًا معقدًا للمتفجرات.
من جهة أخرى، يمثل نجاح العملية مؤشرًا بالغ الأهمية على التطور الملحوظ في أداء الأجهزة العسكرية والاستخباراتية المالية، التي عُرفت سابقًا بتحديات في هذا المجال، سواء على مستوى الموارد أو الكفاءة. لكن هذه العملية تؤكد تحسّن قدرات جمع المعلومات، ودقة التتبع الميداني، والقدرة على تنفيذ عمليات مشتركة ناجحة. ويُرجّح أن يكون ذلك ناتجًا عن دعم وتدريب من شركاء إقليميين ودوليين، أو على الأقل نتيجة التعاون العملياتي مع قوى محلية كحركة إنقاذ أزواد التي قدمت دعمًا لوجستيًا وبشريًا مهمًا.
ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في ترجمة هذا النجاح العسكري إلى مكاسب أمنية طويلة الأمد. فتجربة الحرب على الإرهاب في الساحل تُظهر أن الضربات الموجهة لقيادات التنظيمات، على أهميتها، لا تكفي وحدها لإضعاف الجماعات الإرهابية ما لم تترافق مع استراتيجية شاملة لتجفيف منابع التطرف، سواء عبر محاربة الخطاب التحريضي، أو تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المهمشة، أو من خلال دعم جهود المصالحة المحلية بين القبائل المتناحرة التي تستغلها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الأتباع وبسط النفوذ.
تحديات ما بعد العملية
رغم الأهمية البالغة لنجاح العملية التي أسفرت عن تصفية "أبو الدحداح الحرب"، إلا أن الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي ما تزال في بداياتها. فتنظيم داعش في الصحراء الكبرى يتمتع بهيكلية مرنة وشبكات دعم لوجستي قوية تتيح له امتصاص الضربات وإعادة ترتيب صفوفه بسرعة نسبية. وقد أظهرت التجربة الميدانية أن التنظيمات المتطرفة قادرة على إنتاج قيادات بديلة خلال فترة وجيزة، مستفيدة من مخزون بشري مستعد للتصعيد، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بعوامل اقتصادية أو انتقامية.
أضف إلى ذلك أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة—بما فيها الصحارى الشاسعة والمساحات غير الخاضعة لسلطة مركزية—توفر ملاذًا آمنًا للجماعات المتطرفة، كما تسهّل عمليات التنقل والاختباء والتهريب. ويزيد من تعقيد الوضع هشاشة الدولة في المناطق الحدودية، وضعف البنية الأمنية، وانتشار الجماعات المسلحة غير المنضبطة، مما يُسهّل على التنظيم إعادة التمركز وتجنيد مقاتلين جدد، مستفيدًا من مشاعر التهميش وفقدان الثقة في الحكومة المركزية.
كما أن الأبعاد الاجتماعية والعرقية للنزاع تلعب دورًا خطيرًا في تأجيج الصراع، إذ يستغل تنظيم داعش الصراعات القبلية—خصوصًا بين الطوارق والفولاني وغيرهم—لتوسيع نفوذه. ويتعمّد التنظيم تأجيج العداوات المحلية وتقديم نفسه كحامٍ أو منتقم، مما يكسبه شرعية مزعومة في أعين بعض السكان. في غياب مصالحة وطنية حقيقية تعالج هذه الانقسامات، سيظل خطر الانزلاق نحو مزيد من العنف قائمًا، حتى بعد مقتل كبار القادة في التنظيم.
لذلك، فإن استثمار النجاحات العسكرية لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار مقاربة شاملة تدمج بين الحلول الأمنية والتنموية والاجتماعية. من الضروري تعزيز الحضور المدني للدولة في المناطق النائية من خلال توفير التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، وكذلك دعم برامج المصالحة المحلية والمساءلة، وبناء جسور الثقة بين السلطات والسكان. كما ينبغي إشراك منظمات المجتمع المدني، والزعامات القبلية والدينية المعتدلة، في جهود مكافحة التطرف، لضمان تحصين المجتمعات ضد سرديات العنف والتجنيد.