استهداف ممنهج وصمت رسمي.. العلويات في سوريا بين الخطف والابتزاز والإرهاب الطائفي

الأربعاء 16/يوليو/2025 - 12:11 م
طباعة استهداف ممنهج وصمت أميرة الشريف
 
في ظل التدهور الأمني والاجتماعي الذي تشهده سوريا منذ سنوات، تظهر على السطح ظاهرة مفزعة تزداد تفشياً يوماً بعد يوم، وتتعلق باستهداف نساء ينتمين إلى طائفة دينية بعينها، في وقائع اختطاف وابتزاز واعتداءات جسدية ونفسية تحمل طابعاً طائفياً واضحاً.
و تشير تقارير صحفية إلى أن نساء سوريات من خلفية دينية محددة يتعرضن لاختفاءات قسرية واحتجازات عنيفة، في سياق يبدو أقرب إلى حملة منظمة ذات دوافع عقائدية وانتقامية. 
هذا النمط المتصاعد من العنف يعيد إلى الأذهان تجارب مأساوية شهدتها المنطقة، حيث لعبت الهوية الدينية دوراً رئيسياً في عمليات خطف واستعباد، ما يطرح تساؤلات عميقة حول أهداف هذه الجرائم والجهات التي تقف خلفها.
إحدى النساء اللواتي تعرضن لهذا المصير القاسي ظهرت مؤخراً في صورة انتشرت على منصات التواصل، وقد بدت فيها هزيلة وخائفة، تحتضن طفلها الرضيع الذي عاد إليها بعد أن انتزع منها بالقوة.
ووفق إفادتها، بحسب شبكة دويتشه فيله الألمانية، خُطفت على يد رجال ملثمين أثناء توجهها للحصول على مساعدات إنسانية قرب الساحل السوري، بعد أن تبين لهم أنها تنتمي إلى طائفة دينية محددة. طيلة فترة احتجازها، تعرضت للتعذيب والإهانة، وجُردت من طفلها، وأُجبرت على التوقيع على أوراق اكتشفت لاحقاً أنها عقد زواج قسري بشخص مجهول. 
لم يكن العنف الجسدي وحده هو الوسيلة المستخدمة، بل كانت الشتائم الطائفية والتهديدات النفسية حاضرة في كل لحظة من لحظات الأسر.
الغاية من هذه العمليات لم تكن فقط الترويع أو الإخضاع، بل شملت الابتزاز المالي. العائلة التي تلقت صور الضحية تحت التعذيب اضطرت في النهاية لدفع فدية ضخمة مقابل الإفراج عنها.
 وبالرغم من استعادتها لحريتها، فإن الآثار الجسدية والنفسية ما زالت عالقة، لتكون هذه السيدة مجرد واحدة من عشرات الحالات المشابهة التي تشهدها البلاد، وسط صمت رسمي وتجاهل قضائي.
القصص المروعة التي تخرج من داخل سوريا تفيد بأن هذه الحالات ليست فردية أو عشوائية. بل تتحدث تقارير موثوقة عن وجود نمط متكرر في الاستهداف، حيث يتعرض النساء المنتميات إلى نفس الطائفة للخطف من مناطق مختلفة، وغالباً ما يتم احتجازهن في أماكن سرية قبل أن تبدأ عمليات التفاوض مع ذويهن لدفع فدية. هذه الجرائم تنفذها جماعات مسلحة بعضها مرتبط بفصائل ذات خلفيات عقائدية متشددة، ما يمنح هذه الأفعال بعداً إرهابياً واضحاً، خصوصاً عندما تقترن بالإهانات الطائفية ومحاولات الإذلال الرمزي.
في واحدة من الحالات، اختفت فتاة شابة أثناء خروجها من منزلها لقضاء مهمة اعتيادية. بعد ساعات، تلقت عائلتها اتصالاً من رقم أجنبي يخبرهم أن ابنتهم لن تعود أبداً. 
وعندما لجأت العائلة إلى السلطات، جاء الرد الرسمي بأن “مثل هذه الحوادث غالباً ما تكون بسبب هروب الفتيات مع عشاقهن”، في تبرير يحمل استخفافاً بالحدث، غير أن الحقيقة تكشفت لاحقاً حين طالب الخاطفون بفدية، وطُلب من العائلة تحويل المبلغ إلى جهة في الخارج، وهو ما تم توثيقه لاحقاً من خلال مستندات مالية وأدلة شخصية تظهر أن المستفيدين يقيمون في دول الجوار.
كما طُرحت مقارنات بين هذه الظاهرة وما حدث مع الإيزيديات في العراق قبل سنوات، عندما تعرضت مئات النساء من هذه الطائفة للخطف والاستعباد الجنسي على يد تنظيمات متطرفة.
 ومع أن التقارير الحالية لم تثبت وجود نمط مشابه في سوريا فيما يخص النساء المختطفات، إلا أن التخوف من تكرار هذا السيناريو يبقى قائماً، خاصة مع ورود شهادات لضحايا تحدثن عن محاولات لإجبارهن على الزواج القسري، أو تعنيفهن على خلفيتهن الدينية.
الخشية المتزايدة بين الأهالي تنبع من وجود صلة واضحة بين الخاطفين وبعض الجهات التي تحظى بدور في السلطة الجديدة، بحسب ما أوردته تقارير صحفية. 
هذه العلاقة، وإن لم يتم إثباتها بشكل نهائي، تعزز الإحساس بالعجز لدى الأهالي، وتجعل فكرة الإنصاف أو المحاسبة بعيدة المنال. 
وفي ظل هذا الواقع، يلجأ كثيرون إلى الصمت، خشية الانتقام أو حفاظاً على ما تبقى من شرف العائلة، ما يزيد من صعوبة التوثيق ويحول دون تحرك دولي فعال.
تبدو دوافع هذه الحملة متعددة، فإلى جانب الطمع المادي والابتزاز، تظهر أيضاً نوايا سياسية واضحة تسعى إلى إذلال جماعي لمجتمع كامل، من خلال استهداف النساء تحديداً، لما لهن من رمزية في البنية الاجتماعية. 
وعند النظر إلى خلفيات بعض الأفراد الذين تم تعيينهم في مناصب أمنية وعسكرية في سوريا الجديدة، تبرز مؤشرات خطيرة، فقد تبين أن بعضهم خاضع لعقوبات دولية بسبب تورطه في قضايا تتعلق بالاتجار بالبشر أو دعم جماعات متطرفة، وهو ما يضيف تعقيداً على المشهد ويعزز الشكوك في وجود تواطؤ رسمي.
الملفت أن السلطات السورية لم تصدر أي تعليق رسمي رغم توالي التقارير والتحقيقات حول هذه الظاهرة، وحتى عند التوجه بأسئلة محددة حول حالات اختفاء نساء بعينهن، يأتي الرد إما بالنفي أو بالإحالة إلى تفسيرات لا تتناسب مع فداحة الواقع.
 وفي المقابل، تؤكد منظمات حقوقية أن هذه الانتهاكات تُمارس بشكل ممنهج، وغالباً ما تُرتكب تحت غطاء من الإفلات من العقاب، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لحماية النساء، خاصة عندما يكنّ من طائفة مستهدفة.
المعاناة لا تتوقف عند الضحية، بل تمتد إلى العائلات التي تعيش بين الخوف والانتظار، عاجزة عن التحرك أو حتى التحدث إلى الإعلام.
 عدد كبير من الأسر المتضررة يرفض الكشف عن هويته، ويفضل الصمت على الدخول في مواجهة غير متكافئة مع الواقع الأمني المعقد.
 ومع كل حالة اختطاف جديدة، يتعمق الجرح، ويتجدد السؤال حول حدود العنف الذي يُمارس باسم الدين والسياسة، في غياب ضمير دولي قادر على التدخل بشكل حاسم.
ويري مراقبون أنه وسط هذه الصورة القاتمة، لا يبدو أن هناك نهاية قريبة لهذا النمط من الجرائم، خاصة في ظل استمرار التوترات الطائفية وتعدد الجهات المسلحة التي تعمل خارج نطاق القانون، بينما يتحدث العالم عن إعادة إعمار سوريا، تبدو نساء كثيرات في الداخل وكأنهن يُعاقبن على هويتهن، ويُحولن إلى أدوات ضغط في صراعات لا ناقة لهن فيها ولا جمل، ليظل مصيرهن معلقاً بين التعتيم والصمت، في ظل صراع تتزايد فيه ملامح الإرهاب المقنع تحت عناوين دينية أو سياسية.

شارك