أرباح بالملايين وتهديدات عابرة للحدود.. الحوثي يحول اليمن إلى ماكينة لتصدير المخدرات
الإثنين 04/أغسطس/2025 - 10:17 ص
طباعة

في تطور ينذر بتداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والدولي، كشفت مجلة Foreign Affairs الأمريكية في تقرير صادم أن مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن باتت تتحول تدريجيًا إلى مركز ناشئ لإنتاج وتصدير مخدر الكبتاجون، في مشهد يعيد إلى الأذهان التجربة السورية، ولكن في نسخة أكثر تعقيدًا وخطورة، نظرًا للتشابكات الجيوسياسية المحيطة باليمن وموقعه الحساس.
وبحسب المجلة، فإن جماعة الحوثي – المعروفة بتوظيفها لكل نشاط غير قانوني لتمويل حربها – لم تكتف بلعب دور الوسيط في تهريب المخدرات، بل دخلت فعليًا مرحلة التصنيع المحلي للكبتاجون، ما يجعل من اليمن ساحة جديدة لتوسّع هذه التجارة التي باتت تُعرف إعلاميًا بـ"مخدرات الحرب"، ويبدو أن هذا التحوّل يأتي في وقت يشهد فيه النفوذ السوري في هذا القطاع تراجعًا ملحوظًا، بعد سقوط نظام بشار الأسد كحاضنة إقليمية رئيسية لهذه التجارة.
أحد أبرز المؤشرات التي رصدها التقرير، يتمثل في ضبط السلطات اليمنية الشرعية نحو 1.5 مليون حبة كبتاجون خلال شهر يوليو فقط، كانت في طريقها إلى الأراضي السعودية عبر طرق تهريب من مناطق سيطرة الحوثيين، وتشير هذه الأرقام إلى حجم تجارة آخذة في التوسّع، وتوفر للجماعة المسلحة مصدرًا ماليًا ضخمًا، إذ يُقدّر العائد من هذه الشحنة وحدها بما يتراوح بين 9 و40 مليون دولار، استنادًا إلى أسعار السوق السوداء في المملكة، والتي تتراوح بين 6 و27 دولارًا للحبة الواحدة.
التقرير لم يكتف بعرض الأرقام، بل سلّط الضوء على طبيعة البنية التحتية المتنامية لهذه التجارة داخل اليمن، حيث أكد اللواء مطهر الشعيبي، مدير أمن عدن، أن الحوثيين أنشأوا منشأة لإنتاج الكبتاجون بالتعاون مع خبراء إيرانيين، ما يعكس وجود دعم تقني خارجي يتجاوز حدود التهريب التقليدي، ويدل على تحوّل منظم وممنهج تقوده الجماعة لفرض سيطرتها على هذه السوق المربحة.
هذا التطور يأتي في ظل تباطؤ الجهود الدولية، وخاصة الأمريكية، في مكافحة انتشار الكبتاجون، رغم أن إدارة الرئيس جو بايدن كانت قد فرضت في عام 2023 عقوبات على مهربين مرتبطين بسوريا ولبنان، وأطلقت استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن اندلاع الحرب في غزة أواخر 2023 صرف الانتباه عن هذه القضية، وأتاح للجماعات المتورطة – وعلى رأسها الحوثيون – فرصة للاستفادة من غياب الرقابة وتخفف الضغوط الدولية.
ما يثير القلق أكثر، بحسب التقرير، هو أن اليمن بات يشكّل بيئة مثالية لتوسّع شبكات المخدرات، نتيجة تضافر عدة عوامل: هشاشة الحدود مع السعودية، ووجود موانئ بحرية غير خاضعة للرقابة، وتوافر المواد الأولية، إلى جانب الدعم الإيراني المتواصل الذي يوفر الغطاء السياسي واللوجستي لهذه التجارة، وكل ذلك يجعل من اليمن منصة عبور مثالية نحو الأسواق الخليجية.
يرى مراقبون أن دخول الحوثيين عالم إنتاج الكبتاجون ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل توظيف الاقتصاد الأسود لخدمة أجنداتهم العسكرية والسياسية، فكما استغلت الجماعة تجارة الوقود والعملة والسوق الموازية، ها هي اليوم تدخل مجال المخدرات مستغلة الغياب التام للدولة في مناطقها، والتواطؤ بين بعض قادة التهريب وبين الأجهزة الحوثية.
ويحذّر هؤلاء من أن استمرار صمت المجتمع الدولي حيال هذه الظاهرة سيُفضي إلى تحول اليمن إلى بؤرة تهدد الأمن القومي الخليجي، وتغذّي الجماعات المتطرفة في المنطقة بمصادر تمويل متجددة، كما أن استخدام عائدات الكبتاجون في تمويل الهجمات الحوثية على السفن الدولية في البحر الأحمر، وعلى القواعد الأمريكية، يجعل من هذه التجارة خطرًا أمنيًا يعادل الإرهاب، بل ويتقاطع معه.
ويؤكد خبراء مكافحة المخدرات أن ما يحدث في اليمن اليوم هو استنساخ لتجربة حزب الله والنظام السوري في إدارة تجارة الكبتاجون، غير أن البنية القبلية الهشة، والفراغ الأمني الكبير، يعقّدان المشهد، ويجعلان من الصعب تقويض هذه الشبكات دون تدخل دولي حازم وشامل.
وإجمالاً، يبدو أن اليمن لا يواجه فقط حربًا أهلية أو أزمة إنسانية، بل يقف على حافة تحول نوعي في اقتصاده غير المشروع، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات كارثية على الداخل اليمني وعلى الإقليم بأسره، وكما قالت Foreign Affairs في تحذيرها الختامي: "سقوط الأسد لم ينهِ تهديد الكبتاجون، بل نقله إلى اليمن، حيث تملأ جماعة مسلحة هذا الفراغ وتحوله إلى سلاح فتّاك عابر للحدود".