حكم بالسجن على زعيم الطائفة البهائية في قطر .. قضية حرية عقيدة أم مساس بالدين؟
الخميس 14/أغسطس/2025 - 01:35 م
طباعة

في تطور لافت أثار ردود فعل حقوقية واسعة، أصدرت محكمة في العاصمة القطرية الدوحة، حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات ضد ريمي روحاني، أحد أبرز وجوه الطائفة البهائية في قطر، وذلك على خلفية منشورات نُسبت إليه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وُصفت بأنها "تشكك في أسس الدين الإسلامي".
وقد اعتبرت منظمات بهائية وحقوقية دولية هذا الحكم انتكاسة خطيرة لحرية المعتقد في دولة قطر.
جاء الحكم عن طريق هيئة قضائية مؤلفة من ثلاثة قضاة تابعة للمجلس الأعلى للقضاء في قطر، بعد أشهر من توقيف روحاني الذي يبلغ من العمر 71 عامًا، حيث احتُجز منذ أبريل الماضي، وسط اتهامات تتعلق بـ"إثارة الشكوك حول العقيدة الإسلامية والإساءة إلى الدين"، بحسب ما ورد في الوثائق التي حصلت عليها وكالة "أسوشيتد برس" من مكتب الجماعة البهائية الدولية في جنيف.
وقد رفضت المحكمة طلب الدفاع بإطلاق سراح مشروط أو تخفيف العقوبة، رغم التماس المحامين بأن موكلهم يعاني من مرض مزمن في القلب يستدعي رعاية طبية منتظمة، ما يزيد من المخاوف الحقوقية بشأن ظروف احتجازه.
ولم تصدر الحكومة القطرية أو مكتب الاتصال الدولي التابع لها أي بيان رسمي أو تعليق مباشر على القضية، رغم الطلبات الموجهة من وسائل الإعلام الدولية لتوضيح الموقف القانوني والسياسي من هذه القضية التي بدأت تأخذ بعدًا دوليًا.
صبا حداد، ممثلة مكتب الجماعة البهائية الدولية لدى الأمم المتحدة، عبّرت عن "صدمتها" بالحكم، معتبرة إياه "تعديًا خطيرًا على حرية الدين والمعتقد، ومؤشرًا على التضييق المتزايد الذي تتعرض له الطائفة البهائية في المنطقة، وخصوصًا في دولة قطر التي تعهدت دوليًا باحترام الحريات الدينية".
وقالت حداد في بيان رسمي: "ما تعرض له ريمي روحاني ليس فقط محاكمة لشخص، بل استهداف واضح لطائفة بأكملها، تحاول ممارسة معتقداتها بشكل سلمي، دون تدخل أو صدام مع باقي مكونات المجتمع".
كما دعت منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية (أمنستي)، السلطات القطرية إلى مراجعة الحكم، والتحقيق في مدى توافقه مع التزامات الدوحة الدولية في مجال حرية التعبير والدين، مشيرة إلى أن "محاكمة الأشخاص على خلفية معتقداتهم أو آرائهم، حتى إن خالفت المعتقدات السائدة، هو أمر مرفوض قانونيًا وأخلاقيًا".
وتأسست البهائية في منتصف القرن التاسع عشر في بلاد فارس على يد بهاء الله، الذي يعتبره أتباعه نبيًا مرسلاً بعد محمد، وهو ما تسبب منذ البداية في عداء كبير لها من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية، وخصوصًا الشيعية، التي اعتبرت البهائيين خارجين عن الإسلام و"مرتدين".
ويقدّر عدد البهائيين حول العالم اليوم بنحو 8 ملايين شخص، يعيش معظمهم في الهند، بينما تنتشر جماعات صغيرة في دول الخليج، من بينها قطر.
ويُعرف أتباع الديانة بدعوتهم إلى وحدة الأديان والسلام العالمي والمساواة بين الجنسين، وعدم تدخلهم في الشؤون السياسية أو الصراعات الطائفية.
إلا أن حضورهم في المنطقة العربية والخليج، وبخاصة في دول تضع الإسلام دينًا رسميًا للدولة، يواجه تحديات كبيرة، غالبًا ما تتجلى في التقييد القانوني أو الاجتماعي، وأحيانًا في الملاحقات القضائية.
رغم تعهدات قطر بتحسين سجلها الحقوقي، وحرصها على تقديم صورة منفتحة خصوصًا خلال استضافتها لبطولة كأس العالم 2022، فإن منظمات حقوقية لا تزال تشير إلى تراجع في بعض الملفات، من بينها حرية المعتقد، والتنوع الديني، وحقوق الأقليات.
وتُعد قضية ريمي روحاني مثالًا جديدًا على التحديات التي تواجه حرية الأديان في قطر، خاصة وأنه مواطن مقيم منذ عقود، ولم يسبق اتهامه بأي نشاط عدائي أو سياسي، بحسب الجماعة البهائية.
وقد أثيرت مخاوف من أن تكون القضية جزءًا من حملة أوسع لتضييق الخناق على الأقليات الدينية غير المسلمة، أو تلك التي لا تعترف بها المؤسسات الإسلامية الرسمية، وذلك في وقت تتزايد فيه المطالب بسن قوانين تحظر "التبشير" أو "نشر الأفكار المناهضة للدين الإسلامي".
بالإضافة إلى البعد العقائدي، سلطت المنظمات الحقوقية الضوء على الوضع الصحي الحرج للمتهم، مشيرة إلى أن سجنه في هذه السن وبهذا المرض يعرضه لـ"خطر حقيقي على حياته".
ولم يتم الكشف عن مكان احتجازه أو ظروف السجن، ما دفع جهات أممية للمطالبة بزيارة تفقدية من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو ممثلي المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
حتى اللحظة، لا تزال تداعيات القضية مستمرة، ويُتوقع أن يتم تقديم طعن بالحكم خلال الأسابيع المقبلة من قبل هيئة الدفاع. وبينما تسعى الجماعة البهائية الدولية إلى حشد الدعم الدبلوماسي لإطلاق سراح روحاني، تظل فرص التخفيف أو الإفراج عنه مرهونة برد فعل السلطات القطرية، وقدرتها على الموازنة بين قوانينها الداخلية والتزاماتها الدولية.
ويشير مراقبون إلي أنه رغم صغر حجم الطائفة البهائية في قطر، فإن الحكم على روحاني قد يكون له تأثير كبير على مستقبل حرية المعتقد في البلاد، وقد يتحول إلى اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بحقوق الإنسان، خاصة في ضوء التقارير السنوية الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويري مراقبون أن هذا الحكم يضع قطر في دائرة الضوء مجددًا، ويعيد إلى الساحة النقاش حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية، وبينما تواصل المنظمات الحقوقية الضغط للإفراج عن روحاني، يترقب المجتمع الدولي كيف ستتعامل السلطات القطرية مع واحدة من أكثر القضايا حساسية في سجل الحريات الدينية في المنطقة.