مقديشو مهددة بالسقوط: نكسات عسكرية متتالية تهدد استقرار الصومال
الإثنين 18/أغسطس/2025 - 12:50 م
طباعة

حذر الرئيس الصومالي السابق الشيخ شريف شيخ أحمد من خطر محدق يهدد العاصمة الصومالية مقديشو، مؤكدا أن مسلحي حركة الشباب باتوا يحاصرون المدينة بسبب ما وصفه بـإساءة استخدام الحكومة للقوات الوطنية. هذا التحذير الجدي يأتي في أعقاب سلسلة من النكسات العسكرية التي شهدتها القوات الحكومية، بما في ذلك سقوط مدينة ماكساس الاستراتيجية في إقليم هيران في يوليو 2025، والتي وصفها الرئيس السابق بأنها "فشل جدي في القيادة يهدد الأمن القومي".
نكسات عسكرية متتالية
شهد عام 2025 تدهورا خطيرا في الوضع الأمني الصومالي، حيث فقدت الحكومة السيطرة على عدة مناطق استراتيجية كانت قد حررتها من حركة الشباب منذ أكثر من 12 عاما. من أبرز هذه المناطق أدان يابال وموقوكوري ومؤخرا ماكساس، والتي سقطت جميعها في يد الحركة رغم إعلان الحكومة سابقا تحريرها من السيطرة المسلحة.
انتقد الشيخ شريف بشدة عدم قدرة الحكومة على الاحتفاظ بالمناطق التي استعادتها من حركة الشباب، محذرا من أن هذا الفشل "يظهر نقصا في التوجه الاستراتيجي والتنسيق". وأضاف الرئيس السابق: "بدون جهود عاجلة، قد تستعيد حركة الشباب زخمها وتزعزع استقرار البلاد أكثر"، وفقا لموقع المنشر الاخباري
المثلث الاستراتيجي ومحاصرة العاصمة
تسيطر حركة الشباب حاليا على ما يعرف بـالمثلث الاستراتيجي المكون من موقوكوري وتاردو وبوق أقابلي في وسط الصومال.
هذه السيطرة تمكن الحركة من تطويق المواقع الحكومية الرئيسية وقطع خطوط الإمداد، كما تتيح لها تحدي السلطة الفيدرالية بشكل مباشر والتحكم في الوصول إلى مدن مهمة.
في يوليو 2025، نجحت الحركة في استعادة السيطرة على مدينتي سبعيد وأنولي في إقليم شبيلي السفلى، على بعد حوالي 40 كيلومترا جنوب غرب مقديشو. هذا التطور جاء بعد انسحاب مفاجئ للقوات الحكومية الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقي، وتحديدا القوات الأوغندية، وسط موجة من الهجمات المميتة.
انتقادات الشيخ شريف للاستراتيجية الحكومية
وصف الشيخ شريف فشل الحكومة في الاحتفاظ بالمناطق المحررة بأنه "فشل جدي في القيادة" يهدد الأمن القومي. وحث القادة الصوماليين على اتخاذ إجراءات فورية لتأمين هذه المناطق ومنع مزيد من التقدم للمسلحين.
الرئيس السابق أكد أن "فشل السيطرة على المدن المستعادة من حركة الشباب يظهر نقصا في التوجه الاستراتيجي والتنسيق". ودعا إلى إعادة تقييم شاملة للاستراتيجية العسكرية وإعطاء الأولوية للقتال ضد حركة الشباب لضمان سلامة سكان مقديشو واستقرار البلاد.
تجاهل التحذيرات الأمنية
انتقد الشيخ شريف الحكومة لتجاهلها النصائح الأمنية من الشركاء الدوليين، محذرا من أن هذا التجاهل قد يقوض استقرار الصومال. وحث السلطات على أخذ التحذيرات الأمنية على محمل الجد والتصرف بسرعة ضد جهود إعادة تجميع حركة الشباب.
هجوم الشابيلي 2025 والعمليات العسكرية الجارية
بدأ ما يعرف بـ"هجوم الشابيلي 2025" أو "عملية رمضان" في 20 فبراير 2025، حيث شنت حركة الشباب هجمات منسقة على مواقع عسكرية متعددة في أقاليم شبيلي الوسطى وشبيلي السفلى وهيران.
الهدف المعلن للحركة هو تطويق العاصمة مقديشو واستعادة الأراضي التي فقدتها في الهجوم الحكومي/الأفريقي عام 2022.
استخدمت الحركة في هجماتها سيارات مفخخة ومدافع هاون وهجمات من جميع الاتجاهات. وشملت العمليات استهداف جوهار وأدان يابال وأدالي في شبيلي الوسطى وأفجويي في شبيلي السفلى، بالإضافة إلى بولو بوردي ومناطق رئيسية شرق نهر شابيلي في هيران.
الإنجازات العسكرية الحديثة للحكومة
رغم النكسات المتتالية، حققت القوات الحكومية بعض الإنجازات في أغسطس 2025. في 8 أغسطس 2025، نجح الجيش الوطني الصومالي بالتنسيق مع القوات الأوغندية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي AUSSOM في استعادة السيطرة على مدينة باريري الاستراتيجية في شبيلي السفلى بعد هجوم استمر أسبوعا كاملا.
أكد وزير الدفاع أن العملية أسفرت عن مقتل أكثر من 120 مقاتلا من حركة الشباب، بما في ذلك عدة قادة ميدانيين، بينما أصيب أو أسر العشرات.
كما استولت القوات المشتركة على كمية كبيرة من البنادق والمدافع الرشاشة والمتفجرات والمعدات العسكرية الأخرى التي تركها المقاتلون المنسحبون.
الانقسامات العشائرية والضعف المؤسسي
يواجه الجيش الوطني الصومالي تحديات هيكلية عميقة تشمل الانقسامات القائمة على العشائر وضعف التماسك المؤسسي. تركز استراتيجية التجنيد بشكل غير متناسب على عشيرة واحدة، مما يقوض شرعيتها كمؤسسة وطنية ويغذي التصورات بأن الجيش كيان حزبي وليس حارسا للأمة.
هذا النقص في الشمولية يضعف الروح المعنوية ويثبط التعاون بين العشائر المختلفة، كما يغذي المظالم التي تستغلها حركة الشباب لتجنيد الشباب المحبطين. الجيش الذي يعكس انقسامات الصومال العشائرية لا يمكنه توحيد البلاد أو كسب دعم شعبي واسع.
نقص التمويل والدعم اللوجستي
تعاني القدرة العملياتية للجيش من ضعف شديد بسبب الإهمال المالي. يتحمل الجنود شهورا من الرواتب غير المدفوعة والمعدات المتداعية واللوجستيات غير الكافية، مما يتركهم عرضة للخطر في القتال.
بينما تستفيد حركة الشباب من التمويل غير المشروع لدعم عملياتها، يكافح الجيش الوطني لشراء الإمدادات الأساسية مثل الذخيرة والمعدات الطبية والمركبات. هذا التفاوت له عواقب وخيمة: تراجع الروح المعنوية، وانخفاض الفعالية القتالية، وارتفاع معدلات الفرار.
أزمة البعثات الدولية وتحديات AUSSOM
في يناير 2025، حلت بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM) محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS). لكن هذا التغيير كان مجرد تغيير في الاسم، حيث ورثت البعثة الجديدة جميع مشاكل سابقتها وتواجه تحديات أكثر خطورة.
تواجه AUSSOM نقصا ماليا كبيرا يقدر بأكثر من 100 مليون دولار، كما أن تمويل البعثة يبقى غير مستقر. البعثة الجديدة مخولة بنشر 12,626 فردا نظاميا بما في ذلك 1,040 من أفراد الشرطة.
شروط نجاح الانتقال الأمني
يعتمد نجاح استراتيجية الخروج للبعثة الأفريقية على تحقيق ثلاثة شروط رئيسية وصول القوات الأمنية الصومالية إلى مستوى من القدرات يكفي لتولي المسؤولية الأمنية، وتآكل قدرة حركة الشباب إلى نقطة لا تعود تشكل فيها تهديدات جدية، وترسيخ التماسك السياسي الوطني وتوسيع سلطة الدولة.
لكن كل هذه الاعتبارات تعتمد أساسا على قدرة الحكومة الفيدرالية الصومالية والمشهد السياسي الصومالي الأوسع. الواقع الحالي يظهر أن هذه الشروط بعيدة عن التحقق، مما يثير شكوكا حول جدوى الانتقال الأمني المخطط.
الأزمة السياسية وردود فعل المعارضة
في يونيو 2025، وجه تحالف من قادة المعارضة الصومالية البارزين انتقادات حادة للرئيس حسن شيخ محمود، متهمين إياه بدفع أجندة انتخابية أحادية الجانب وتقويض المكاسب الأمنية الحديثة. جاءت هذه الانتقادات في ختام مؤتمر معارضة استمر ثلاثة أيام في مقديشو.
حذر منتدى المعارضة من أن المسار الحالي لصنع القرار السياسي تحت قيادة الرئيس حسن شيخ "يخاطر بزعزعة استقرار المكاسب الأمنية الحديثة في الصومال". وأضاف البيان: "هذا تحول خطير قد يلغي سنوات من التقدم المكتسب بصعوبة".
اتهامات الفساد والتهميش
اتهم المنتدى الرئيس بتهميش الولايات الفيدرالية الرئيسية - وخاصة بونتلاند وجوبالاند - بينما يروج للإدارات الموالية في الجنوب الغربي وغالمودوغ وهيرشابيلي. وأشار البيان إلى أن هؤلاء القادة الإقليميين انضموا مؤخرا إلى حزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية (JSP) التابع للرئيس.
كما أدانت المجموعة الفساد والاستيلاء على الأراضي والاستخدام المزعوم لسوء الموارد العامة، وأثارت المخاوف حول صفقات سرية موقعة مع شركات وحكومات أجنبية تشمل الموارد الطبيعية للصومال.
دعوات إعادة التفكير في الاستراتيجية
يرى خبراء أن الحل طويل المدى يتطلب انخراطا سياسيا أوسع بدلا من الاعتماد فقط على الحلول العسكرية. بعض المحللين يقترحون أنه "بدلا من الاستمرار في السعي لانتصار عسكري بعيد المنال، حان الوقت للحكومة الصومالية لاستكشاف الحوار مع حركة الشباب".
منذ عام 2007، ركز النهج الحكومي الصومالي تجاه حركة الشباب على الحملات العسكرية المدعومة بتكتيكات مكافحة التمرد. لكن هذا النهج فشل في تحقيق انتصار حاسم، بل أضاف سنوات إلى صراع مدمر في واحد من أفقر بلدان العالم.
وفي مارس 2025، أعرب قادة المعارضة بما في ذلك الشيخ شريف وحسن علي خيري وعبدالرحمن عبدي شكور ورسامي عن دعمهم الكامل للحملة العسكرية المستمرة ضد حركة الشباب وداعش، لكنهم حذروا من أن الانقسامات السياسية في الصومال والسياسات الأمنية غير المتسقة قد أضعفت جهود مكافحة الإرهاب.
وأكدوا في بيان مشترك أن "منع واستئصال الإرهاب أولوية وطنية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الوحدة والتماسك الوطني والاستراتيجية السياسية الشاملة". ودعوا الرئيس إلى وضع خطة تعبئة وطنية واضحة وشاملة للقضاء على التهديدات الإرهابية من الصومال نهائيا.
التوقعات المستقبلية والحلول المطلوبة
تحذيرات الشيخ شريف من تطويق حركة الشباب لمقديشو تسلط الضوء على الحاجة الماسة لـإعادة تقييم شاملة للاستراتيجية العسكرية الصومالية. هذا يتطلب تحسين نشر القوات والدعم اللوجستي وضمان دفع الرواتب بانتظام لتحسين الروح المعنوية.
كما يستدعي الوضع إصلاحا جذريا في هيكل الجيش ليصبح أكثر شمولية وأقل اعتمادا على الولاءات العشائرية، مع التركيز على بناء مؤسسة عسكرية وطنية حقيقية قادرة على كسب ثقة جميع فئات المجتمع الصومالي.
يحتاج الصومال إلى تسوية سياسية أكثر واقعية تشمل إعادة فتح المحادثات مع جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك شخصيات المعارضة والولايات الفيدرالية المتشككة. هذا يتطلب الشفافية في الشؤون الخارجية والخطاب المتوازن والاستثمار في الحوكمة ما بعد التحرير.
الوضع الحالي يظهر أن الاستراتيجية العسكرية الصومالية تواجه فشلا هيكليا يتطلب إعادة نظر جذرية. بدون إصلاحات عاجلة في القوات المسلحة وتحسين التنسيق السياسي، قد تواصل حركة الشباب تقدمها نحو العاصمة، مما يهدد بعودة الصومال إلى حالة عدم الاستقرار الشامل.
التحدي الأكبر يكمن في ضرورة تحقيق توازن بين الحلول العسكرية والسياسية، مع التركيز على بناء مؤسسات قوية وشاملة قادرة على ضمان الاستقرار طويل المدى في مواجهة التهديدات الأمنية المتنامية.