رسائل طالبان في ذكرى استقلال أفغانستان: تهديدات ضمنية وتمسك بالسلطة

الثلاثاء 19/أغسطس/2025 - 04:54 م
طباعة رسائل طالبان في ذكرى علي رجب
 
احتفلت حركة طالبان بالذكرى الـ106 لاستقلال أفغانستان من الإمبراطورية البريطانية في 19 أغسطس/آب 2024، لكن الاحتفال اتخذ طابعا مختلفا ومثيرا للجدل. بدلا من تكريم أمان الله خان، الملك الذي قاد أفغانستان للحصول على الاستقلال عام 1919، وجهت الحركة انتقادات صريحة وحادة لسياساته الإصلاحية والاجتماعية.

انتقادات حادة من وزير خارجية طالبان
في خروج واضح عن التقليد التاريخي، لم تشر حركة طالبان إلى أمان الله خان في بيانها الرسمي بمناسبة عيد الاستقلال. وبدلا من ذلك، انتقد أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، الملك السابق بشدة خلال الحفل الرسمي، قائلا إن أمان الله "لم يأخذ في الاعتبار رغبات الشعب الأفغاني وأراد تنفيذ ثقافة الآخرين".

أضاف متقي أن إصلاحات أمان الله خان كانت "ضد الدين والطائفة" وأن عددا من معارضي هذه الإصلاحات، ومن بينهم شخص يدعى "القاضي عبد الرحمن بغماني"، أعدموا على يد الملك. ووصف وزير خارجية طالبان نهاية أمان الله خان بأنها كانت نتيجة طبيعية لسياساته، حيث "لم يعد يستطيع البقاء في أفغانستان واضطر إلى الذهاب إلى إيطاليا، ولم يعد يستطيع العودة إلى أفغانستان إلى الأبد".

إرث أمان الله خان التاريخي
يذكر أمان الله خان في كتب التاريخ بـ"الملك الحديث" و"الغازي" لدوره في إعلان استقلال أفغانستان وإصلاحاته الاجتماعية الجذرية. من أبرز هذه الإصلاحات إنشاء مدارس للبنات وإرسال الفتيات للدراسة في الخارج، ووضع أول دستور لأفغانستان عام 1923.

سعى أمان الله خان إلى تحديث أفغانستان على غرار النماذج الأوروبية، حيث أسس أكثر من 320 مدرسة في جميع المحافظات، بالإضافة إلى مؤسسات تعليمية متخصصة مثل مدرسة التلغراف وأكاديمية تعليم اللغة العربية وأكاديمية العلوم الطبية الأساسية.

رسائل طالبان حول الحفاظ على الاستقلال
ركزت خطابات مسؤولي طالبان خلال الاحتفال على ضرورة "الحفاظ على الاستقلال" وتحذيرات من مخاطر الانهيار الداخلي. أكد عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، أن استقلال أفغانستان لم يتحقق بسهولة، لكن "الأفغان لم يتمكنوا من الحفاظ على هذا الاستقلال بسبب الحروب الأهلية والانقسامات والمؤامرات".

وأضاف برادر: "خسرنا مواردنا الواحدة تلو الأخرى وتفككنا من الداخل حتى وقعت البلاد تحت استعمار قوى استعمارية أخرى". كما دعا جميع الأفغان إلى "التحد للحفاظ على القيم الدينية والوطنية العظيمة، والقضاء على الانقسامات التي نشأت تحت مسميات مختلفة".

تحذيرات من التدخل الأجنبي والمعارضة الخارجية
سيطرت التحذيرات من التدخل الأجنبي على خطابات مسؤولي طالبان، مع إشارات واضحة إلى الأنشطة المعارضة في الدول المجاورة. قال محمد يعقوب مجاهد، وزير دفاع طالبان وابن مؤسس الحركة ملا عمر، إن أفغانستان نالت استقلالها "ثلاث مرات" خلال القرن الماضي، لكنها فشلت في الحفاظ عليه في كل مرة.

وجه وزير خارجية طالبان رسائل تحذيرية مبطنة للدول المجاورة، قائلا: "الآن، لا ينبغي لأحد في العالم والدول المجاورة أن يحلم بحلم يساري لأفغانستان". وقرأ قصيدة تحذيرية تقول: "إذا أطلقت النار على شخص ما، يجب أن تفهم أن نفس السهم سوف يطلق عليك في المقابل".

أزمة إقليمية: اجتماع المعارضة في باكستان
تأتي تحذيرات طالبان في سياق التحضير لاجتماع معارضي الحركة المقرر عقده في إسلام آباد يومي 25 و26 أغسطس/آب تحت عنوان "نحو الوحدة والثقة". يستضيف الاجتماع معهد استقرار جنوب آسيا الاستراتيجي، ويضم شخصيات معارضة بارزة منها نصير أحمد أنديشه، ممثل أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، ومصطفى مستور، وزير الاقتصاد السابق.

انتقد زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي السابق لأفغانستان، استضافة باكستان للاجتماع، ووصفه بأنه "غير حكيم" و"استفزازي"، محذرا من أن "مثل هذه الخطوات تزيد الفجوة بين الدولتين".

الموقف الدبلوماسي لطالبان
رغم التحذيرات الحادة، حرصت طالبان على التأكيد على عدم وجود نوايا عدائية تجاه الدول المجاورة. أكد وزير الدفاع أن أفغانستان ليس لديها "نوايا سيئة" تجاه أي دولة، ودعا الدول إلى رؤية مصالحها في "أفغانستان قوية، وليس أفغانستان ضعيفة وعاجزة".

كما دعا عبد الغني برادر معارضي طالبان إلى العودة إلى أفغانستان "والوقوف إلى جانب نظامهم وأمتهم والتوقف عن التسبب في تدمير غير ضروري من خلال التحريض على الآخرين".

خلاصة: صراع الرؤى بين الماضي والحاضر
يعكس موقف طالبان من أمان الله خان صراعا أيديولوجيا بين رؤيتين مختلفتين لمستقبل أفغانستان. بينما سعى أمان الله خان للتحديث على النمط الغربي وتعليم الفتيات والانفتاح على الثقافات الأجنبية، تتبنى طالبان الحكم وفق الشريعة الإسلامية مع قيود صارمة على تعليم المرأة والحفاظ على القيم التقليدية.

إن التوترات الحالية مع باكستان بسبب استضافة اجتماعات المعارضة تذكرنا بأن الاستقلال الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد السيادة السياسية، بل يحتاج إلى استقرار داخلي وعلاقات إقليمية متوازنة. وبينما تستمر طالبان في البحث عن الاعتراف الدولي بحكومتها، تبقى رسالة التاريخ واضحة: الاستقلال الحقيقي يتطلب توازنا دقيقا بين الحفاظ على الهوية الوطنية والانفتاح على العالم

شارك