الأراضي الأفغانية ملاذ للإرهابيين.. باكستان تجدد تحذيراتها لطالبان

الثلاثاء 14/أكتوبر/2025 - 02:35 ص
طباعة الأراضي الأفغانية محمد شعت
 

تصاعدت التوترات بين باكستان وأفغانستان خلال الأيام الماضية، في ظل سلسلة من الحوادث الأمنية على طول الحدود المشتركة، والتي تعكس تعقيد المشهد الإقليمي وحساسية الوضع الحدودي. وجاءت هذه التوترات في أعقاب تصريحات وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، الذي انتقد النهج المختلط للحكومة الأفغانية المؤقتة بقيادة طالبان، والتي تجمع بين إصدار التهديدات من جهة والدعوة إلى إجراء محادثات من جهة أخرى. وقال آصف إن مثل هذا السلوك يثير القلق ويضعف مصداقية كابول على المستوى الدولي، مشدداً على أن باكستان تحتفظ بحقها الكامل في حماية حدودها والتصدي لأي تهديد يطال أراضيها.

 

وأكد وزير الدفاع الباكستاني أن العملية العسكرية الأخيرة التي نفذتها القوات الباكستانية جاءت دفاعاً عن النفس، بعد هجوم غير مبرر شنته عناصر طالبان والإرهابيون المدعومون من الهند، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 مسلح. وأوضح آصف أن العمليات العسكرية لم تستهدف المدنيين بأي شكل، بل ركزت على تدمير مخابئ المسلحين وملاذاتهم الآمنة على طول الحدود، في خطوة تهدف إلى منع استغلال الأراضي الأفغانية كقاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد باكستان.

 

وحذر الوزير من أن الأراضي الأفغانية أصبحت ملاذاً لمختلف التنظيمات الإرهابية، مؤكداً على ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة من قبل الحكومة الأفغانية لمنع استخدام أراضيها ضد الجيران. وأوضح آصف أن حماية الحدود مسؤولية اتحادية وليست إقليمية، رغم ترحيبه بالتعاون المحتمل من حكومة خيبر باختونخوا إذا رغبت في تقديم الدعم، مشدداً في الوقت نفسه على أن قضايا إعادة اللاجئين الأفغان تقع على عاتق الحكومة الفيدرالية، والتي ستضع السياسات اللازمة للتعامل مع الأفراد غير المسجلين وإعادتهم عند الحاجة.

 

تصعيد أمني مستمر

 

شهدت الأيام الماضية سلسلة من الغارات والاشتباكات على الحدود الباكستانية–الأفغانية، والتي تعتبر الأكثر حدة منذ بداية العام الحالي. وأكدت المصادر العسكرية أن العمليات استهدفت مواقع طالبان والميليشيات المتحالفة معها، رداً على هجمات ليلية شنها المسلحون من الأراضي الأفغانية على مواقع باكستانية. ويعكس هذا التصعيد استمرار حالة عدم الاستقرار في المناطق الحدودية، وهو ما يفاقم المخاوف الباكستانية من استخدام الأراضي الأفغانية منصة لإطلاق هجمات إرهابية تستهدف الأمن الداخلي للبلاد.

 

وفي سياق متصل، طالبت وزارة الخارجية الباكستانية نظام طالبان بالامتناع عن إصدار بيانات تتعلق بالشؤون الداخلية لباكستان، بعد تصريحات المتحدث باسم الجماعة الإسلامية الباكستانية، ذبيح الله مجاهد، بشأن احتجاجات حركة "لبّيك باكستان" التي تحولت إلى أعمال عنف. وأكدت الوزارة على ضرورة التزام طالبان بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وفق المعايير الدبلوماسية الدولية، وحثت النظام على التركيز على تشكيل حكومة شاملة تمثل كافة الفئات في أفغانستان، بدلاً من الانخراط في دعايات إعلامية لا أساس لها، وهو ما يعكس موقف باكستان الرسمي الحازم في حماية سيادتها ومنع أي استغلال أراضي الجار في أنشطة تهدد الأمن الوطني.

 

ويبرز من تصريحات وزير الدفاع الباكستاني أن باكستان تتبنى استراتيجية مزدوجة: أولاً، تعزيز إجراءاتها الأمنية على الأرض من خلال العمليات العسكرية الدقيقة التي تستهدف المسلحين فقط، وثانياً، ممارسة الضغط الدبلوماسي على طالبان لضمان التزامها بالمعايير الدولية وعدم السماح باستخدام أراضيها للتهديد الأمني ضد باكستان. وهذا النهج يعكس حرص باكستان على حماية أمنها دون التصعيد بشكل كامل قد يؤدي إلى مواجهة واسعة مع الجار الأفغاني.

 

مسارات محتملة

 

تحليل مسارات الأزمة بين باكستان وأفغانستان يشير إلى عدة احتمالات مستقبلية. من المرجح أن يستمر التصعيد العسكري المحدود على طول الحدود، حيث تسعى باكستان إلى تعزيز أمنها ومنع أي تحركات إرهابية، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على إدارة أزمة يمكن التحكم فيها دون اندلاع مواجهة شاملة. كما يمكن أن يكون الحوار الدبلوماسي قائماً، مع فرض ضغوط على طالبان للالتزام بتعهداتها خلال عملية الدوحة ووقف أي أنشطة مسلحة من الأراضي الأفغانية ضد باكستان.

 

وتظل قضية اللاجئين الأفغان عاملاً محورياً في العلاقات الثنائية، حيث ستشكل سياسات إعادة الأفراد غير المسجلين اختباراً لقدرة الحكومة الباكستانية على إدارة الأزمة دون توترات إضافية. كما أن استمرار الاشتباكات والغارات يعكس الحاجة إلى نهج متكامل يجمع بين السياسة الدفاعية الصارمة والمبادرات الدبلوماسية، لضمان استقرار الحدود وتقليل فرص التصعيد العسكري الكبير.

 

ومن زاوية أوسع، تعكس الأزمة الباكستانية–الأفغانية هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، خاصة مع استمرار نشاط الجماعات الإرهابية المدعومة من جهات خارجية، والتي تستغل الفراغ السياسي والأمني في أفغانستان. وبهذا المعنى، يشكل موقف وزير الدفاع الباكستاني نقطة محورية في رسم سياسات الردع والتحذير، والتي تهدف إلى منع تحول الحدود المشتركة إلى بؤرة تهديد متصاعد، والحفاظ على استقرار الدولة الباكستانية في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية.

 

كما أن استمرار الأزمة يعكس حساسية العلاقات بين باكستان وطالبان الأفغانية على خلفية ملفات استراتيجية متعددة، بما في ذلك المساعدات الأمنية، التعاون الاستخباراتي، ومراقبة الحدود، وهو ما يجعل أي تراجع أو تقاعس من الجانبين بمثابة عامل خطر لتدهور الوضع الأمني. ويبدو أن باكستان ستواصل نهجها الحازم الذي يجمع بين القوة العسكرية والضغط الدبلوماسي، في محاولة للسيطرة على الملف الحدودي ومنع استخدام الأراضي الأفغانية ضدها، وهو ما يشير إلى استمرار حالة التوتر لفترة مقبلة، حتى يتضح موقف طالبان داخلياً وإقليمياً.

 

وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن العلاقة بين باكستان وأفغانستان ستظل متوترة، مع تزايد المخاوف الأمنية والضغوط الدبلوماسية، ما يجعل المستقبل القريب خاضعاً لتطورات على الأرض مرتبطة بشكل وثيق بالتحركات الإرهابية والسياسات الداخلية لطالبان، بالإضافة إلى قدرة باكستان على إدارة الأزمة بكفاءة عبر الجمع بين الإجراءات العسكرية والضغط السياسي.

شارك