عودة "أم الكنائس السريانية" اعمار الموصل من خراب داعش.. امل لاعمار غزة
الثلاثاء 14/أكتوبر/2025 - 08:47 م
طباعة

في يومٍ مفعمٍ بالفرح والإيمان والرجاء، عاشَت مدينةُ الموصل لحظاتٍ تاريخية خالدة، وهي تستقبل مجدّدًا نور القيامة بعد ظلمات الدمار، خلال الاحتفال الكنسي المهيب بتقديس كاتدرائية مار توما الرسول للسريان الأرثوذكس بعد إعادة إعمارها وتأهيلها. فقد نهضت الكاتدرائية من بين أنقاض الحرب، لتعود منارةً مضيئة في قلب نينوى، شاهدةً على صمود الإيمان المسيحي وتجدد الرجاء في قلوب أبنائها.
ترأّس مراسيم الافتتاح والتكريس قداسة مار إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، بمشاركةٍ روحيةٍ أخوية من غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، وعددٍ من أصحاب النيافة المطارنة الأجلاء من الكنائس الشقيقة، وجمعٍ كبيرٍ من المؤمنين الذين توافدوا من مختلف أنحاء العراق للمشاركة في هذا الحدث التاريخي الفريد.
شارك في خدمة القداس والتكريس أصحاب النيافة المطارنة الأجلاء:
مار نيقوديموس داود متي شرف، مطران الموصل وكركوك وإقليم كوردستان وتوابعها، راعي الأبرشية وصاحب المبادرة في إعادة الإعمار،
مار يوستينوس بولس سفر، النائب البطريركي في زحلة والبقاع،
مار تيموثاوس موسى الشماني، مطران أبرشية دير مار متى،
مار أثناسيوس توما دقما، النائب البطريركي في المملكة المتحدة،
مار أنتيموس جاك يعقوب، النائب البطريركي في أورشليم والأردن وسائر الديار المقدسة،
مار يعقوب باباوي، النائب البطريركي لشؤون الرهبان ومدير إكليريكية مار أفرام السرياني اللاهوتية في معرة صيدنايا،
مار أوكين الخوري نعمت، السكرتير البطريركي،
مار يوحانون لحدو، مطران السويد والدول الاسكندنافية.
كما شارك أيضًا من الكنيسة السريانية الكاثوليكية سيادة المطران مار بندكتوس يونان حنو، رئيس أساقفة أبرشية الموصل وتوابعها، وسيادة المطران مار أفرام يوسف عبا، رئيس أساقفة بغداد، إلى جانب عددٍ من الكهنة والرهبان والشمامسة.
وحضر الاحتفال الرسمي السيد عبد القادر الدخيل محافظ نينوى، والفريق نجم الجبوري، وعدد من كبار المسؤولين وممثلي الكنائس والطوائف والهيئات الحكومية والدبلوماسية والدينية، في مشهدٍ جسّد عمق التعايش والوحدة الوطنية التي تميّز مدينة الموصل، ورغبةً جماعيةً صادقةً في ترميم ما تهدّم في الإنسان والمكان معًا.
وفي كلمته خلال الاحتفال، استذكر نيافة المطران مار نيقوديموس داود متي شرف الأحداث الأليمة التي أدّت إلى تدمير الكاتدرائية التاريخية وهجرة المسيحيين من مدينة الموصل، قائلاً إنّ «المسيحيين هم أبناء القيامة، واليوم نشهد قيامة كاتدرائية مار توما بنعمة الله وهمّة جميع الذين ساعدوا في تحقيق هذا الحلم». وأضاف نيافته أنّ «التغيير الحقيقي يبدأ حين تتعلّم الأجيال الصاعدة كيف تعيش مع الآخر، وحين تسود القيم الإنسانية التي تدعو إلى التعايش والمحبة». كما أكّد عزمه على إعادة بناء كل الكنائس التي دُمّرت في الموصل، لتعود المدينة مهدًا للإيمان والتاريخ.
ومن جانبه، عبّر قداسة البطريرك أفرام الثاني عن فرحه العميق بهذا الحدث الإيماني الكبير، قائلاً:
«إنّ الموصل اليوم لا تستعيد فقط حجارة كنيسة، بل تستعيد روحها المسيحية العريقة، وتؤكّد أن الإيمان أقوى من العنف، وأنّ نور المسيح لا يُطفأ مهما اشتدّ الظلام».
كما شكر قداسته الله على نعمه الكثيرة، مثنيًا على الهمّة العالية والعمل الدؤوب الذي قاده نيافة المطران نيقوديموس وجميع الذين عاونوه في إعادة بناء هذا الصرح التاريخي، ومضيفًا:
«لقد دمّر الإرهاب مبانيَ كثيرة، لكنه لم ولن يستطيع كسر عزيمة هذا الشعب المؤمن بالله، ربّ الحياة وواهبها، الذي يبارك أبناءه ويقيمهم من رماد الألم إلى مجد الرجاء».
بدوره، عبّر محافظ نينوى عبد القادر الدخيل عن اعتزازه العميق بهذا الافتتاح، مؤكدًا أن عودة الكنائس إلى الموصل تمثل رسالة سلامٍ وأملٍ لكل العراقيين، وتجسّد وحدة نسيج المدينة وتنوّعها الحضاري والروحي، مشيرًا إلى أن الموصل قادرة على النهوض من جديد بفضل أبنائها وإيمانهم وإصرارهم على الحياة.
وقد تمّ تنفيذ أعمال الإعمار بدعمٍ كريم من منظمة L’Oeuvre d’Orient ومنظمة ALIPH، وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق والمعهد الوطني للتراث الفرنسي (INP)، الذين بذلوا جهودًا علمية وفنية دقيقة لإعادة الكنيسة إلى مجدها التاريخي، محافظين على هويتها المعمارية السريانية الأصيلة ونقوشها الأثرية العريقة التي تعود إلى العصر الأتابكي.
وتُعدّ كاتدرائية مار توما الرسول من أقدم الكنائس في الموصل والعراق، وتُلقّب بـ"أم الكنائس السريانية". وتشير التقاليد الكنسية إلى أنّ القديس مار توما الرسول مرّ بمدينة الموصل في طريقه إلى الهند حيث بشّر بالمسيحية، فشُيّدت الكنيسة على اسمه في الموضع الذي أقام فيه، لتبقى منذ ذلك الحين رمزًا حيًّا للإيمان الرسولي في أرض نينوى. ويعود أقدم ذكرٍ تاريخيٍ موثّقٍ لها إلى القرن الثامن الميلادي، في عهد الخليفة العباسي المهدي.
وتعرّضت الكاتدرائية لأضرارٍ جسيمة خلال اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014، فتهدّمت جدرانها وتشوّهت معالمها، لكن يد الله وعزيمة المؤمنين أعادتا إليها الحياة عبر مشروع ترميمٍ شاملٍ استمرّ سنواتٍ عدّة، لتُفتتح اليوم مجدّدًا كرمزٍ للقيامة والانتصار على الموت والخراب.
وفي ختام المراسم، أقام قداسة البطريرك وأصحاب النيافة المطارنة القداس الإلهي وسط حضورٍ كبيرٍ من المؤمنين، حيث ارتفعت الصلوات والتسابيح وقرعت الأجراس بفرحٍ غامر، لتعلن من جديد قيامة المدينة وإيمانها الذي لا يُقهر.
وهكذا، وفي يومٍ سيبقى محفورًا في ذاكرة الموصل والعراق والكنيسة الجامعة، عادت كاتدرائية مار توما الرسول لتشرق من جديد بعد سنواتٍ من الصمت والخراب، حاملةً رسالةً خالدة إلى العالم أجمع:
أن الإيمان لا يُهدم، وأن الرجاء لا يموت، وأن نور المسيح يبقى منارةً تضيء الدروب مهما اشتدّت الظلمات.
وفي سياق متصل قالت صحيفة التايمز البريطانية إن إعادة إعمارالموصل التي عادت إلى الحياة بعد سنوات من الدمار، تقدم بصيص أمل لإعادة بناء قطاع غزة ، رغم أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة حذرتا من أن إعادة الإعمار قد تستغرق 15 عاما.
وذكرت الصحيفة -في تقرير لسامر الأطرش- بأن سكان الموصل عندما بدؤوا في العودة إليها بعد أن انتزعها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من تنظيم داعش وجدوا أرضا قاحلة غير صالحة للسكن، دُمّر حوالي 140 ألف منزل فيها إلى جانب مسجد النوري التاريخي ومئذنته المائلة.
وبعد 8 سنوات -كما تقول التايمز- عادت المدينة العراقية التي اتخذها تنظيم الدولة عاصمة لخلافته إلى الحياة، وقالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) هذا الأسبوع إنها قريبة من استكمال تجديد المسجد والمئذنة، كما تجري إعادة تجميع متحف يضم آثارا آشورية لا تقدر بثمن، قبل إعادة افتتاحه العام المقبل.