مالي: كيف تجمع نصرة الإسلام والمسلمين الأموال عبر خطف الأجانب؟

الأحد 09/نوفمبر/2025 - 05:52 م
طباعة مالي: كيف تجمع نصرة علي رجب
 
تواصل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، تصعيد عملياتها في غرب أفريقيا، لا سيما في مالي، في مسعى منها إلى تقويض سلطة الحكومة المالية والمجلس العسكري الحاكم. 

وقد شهدت الآونة الأخيرة سلسلة من عمليات اختطاف الأجانب العاملين في القطاعات الاقتصادية الحيوية بالعاصمة باماكو وضواحيها. هذه الهجمات، التي تهدف إلى جمع الفدية، أصبحت مصدرا رئيسيا للتمويل بالنسبة للجماعة، التي تشهد توسعا مستمرا في أنشطتها مع تزايد الضغوط الأمنية بعد انسحاب القوات الدولية.

الاختطاف الأخير
في الخميس الماضي، تعرض خمسة مواطنين هنود للاختطاف في مالي على يد مسلحين يعتقد أنهم من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، حسبما أفادت مصادر أمنية وصاحب العمل.

 جاء الحادث في وقت حساس، حيث كانت مالي تعاني من تصاعد العنف والإرهاب الجهادي في المنطقة.
 وذكرت التقارير أن الضحايا كانوا يعملون في مشاريع تنموية في مناطق نائية، وتعرضوا للاختطاف على طريق سيغو–باماكو، في المنطقة الشرقية من العاصمة.

وتعليقا على الحادثة، أفاد مسؤول في السفارة المصرية بباماكو أن عمليات متابعة مستمرة تجرى من قبل السلطات المصرية، التي حثت مواطنيها على الالتزام بالقوانين المحلية وضرورة تجنب التنقلات في المناطق المزدحمة بالخطر.

مشاركة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في عمليات الاختطاف
جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" هي واحدة من الجماعات الجهادية الأبرز في منطقة الساحل الإفريقي، وقد أصبحت تعرف بتوسيع عملياتها العسكرية والجهادية، وخصوصا من خلال اختطاف الأجانب بغرض المطالبة بالفدية. 

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن اختطاف ثلاثة مصريين في غرب مالي، بينهم رجل أعمال يشتبه في تعاونه مع حكومة باماكو. وقد طالبت الجماعة بفدية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي للإفراج عن الرهائن.

الاختطاف مقابل الفدية: مصدر تمويل رئيسي للجماعة
تعد عمليات الاختطاف وسيلة أساسية لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لتمويل أنشطتها. وعلى الرغم من أن الجماعة تستخدم موارد أخرى مثل تهريب الذهب وعمليات السطو على الماشية، فإن مدفوعات الفدية أصبحت المصدر الأساسي للإيرادات. 


وقد وثقت تقارير عدة ارتفاعا كبيرا في عمليات الاختطاف في منطقة الساحل، لاسيما في بوركينا فاسو ومالي. في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة زيادة هائلة في حوادث الخطف، حيث ارتفعت عمليات الاختطاف في بوركينا فاسو بمقدار 30 ضعفا بين عامي 2017 و2022، وفقا لتقارير مشروع بيانات أحداث الصراع المسلح.

تعتبر عمليات الإفراج عن الرهائن بمقابل مادي قضية مثيرة للجدل على مستوى دولي، حيث تتنوع استراتيجيات الدول تجاه هذه القضية. 
وبعض الدول، مثل مصر، ترفض الدفع مباشرة للجماعات الإرهابية وتفضل التدخلات العسكرية أو الوساطات. 

وفي حين أن دولا أخرى قد اضطرت لدفع فدية ضخمة، كما حدث مع الإفراج عن رهائن إماراتيين وإيرانيين في أكتوبر 2025، الذين تم إطلاق سراحهم بعد دفع فدية تقدر بـ 50 مليون دولار.

خلفية الوضع الأمني في مالي
منذ عام 2012، تعاني مالي من تدهور أمني مستمر بسبب التمردات المسلحة والجماعات الجهادية. في البداية، تدخلت القوات الفرنسية والمجموعة الدولية لحفظ السلام (MINUSMA) لتقديم الدعم العسكري، لكن مع انسحاب القوات الأجنبية في السنوات الأخيرة، تصاعد العنف بشكل ملحوظ. أصبحت الجماعات المسلحة تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، خصوصا في الشمال والشرق، مما دفع الحكومة إلى التعاون مع قوات مرتزقة روسية لمواجهة هذا التحدي.

وبعد انسحاب القوات الدولية، باتت عمليات الخطف الأجنبي جزءا من التكتيكات الممنهجة التي تستخدمها هذه الجماعات لاستهداف المدنيين العاملين في قطاعات اقتصادية استراتيجية في البلاد. ويظهر هذا التحول تزايد تبعية هذه الجماعات لمصادر غير مشروعة للتمويل، معتمدين على اقتصاد الجريمة في سبيل تمويل عملياتهم.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
عملية الاختطاف الأخيرة تسلط الضوء على انعكاسات الوضع الأمني على الاقتصاد المالي. ففي الوقت الذي كان ينبغي أن تشهد فيه مالي انتعاشا اقتصاديا، تشهد البلاد تراجعا ملموسا في الاستثمار الأجنبي بسبب تزايد مخاطر العمليات المسلحة. يظهر الوضع الحالي في مالي كيف يمكن للجماعات المسلحة أن تعرقل تقدم المشاريع الاقتصادية والتنموية، خصوصا في المناطق النائية التي تكون فيها القوات العسكرية ضعيفة الانتشار.

إلى جانب ذلك، تؤثر هذه العمليات بشكل سلبي على حياة المدنيين في المناطق التي تعاني من سيطرة الجماعات المسلحة، الذين يعيشون في خوف دائم من الهجمات وعمليات الخطف التي قد تطالهم أو تطال أقاربهم.

الاستجابة الدولية
في الوقت الذي تواجه فيه مالي تهديدات أمنية متزايدة، استجابت بعض الدول والمجتمع الدولي من خلال فرض عقوبات ضد المسؤولين عن هذه الأنشطة. في أبريل 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سبعة أفراد مرتبطين بجماعتي "نصرة الإسلام والمسلمين" و"المرابطون" اللتين تنشطان في منطقة الساحل. في السياق نفسه، تواصل الأمم المتحدة متابعة التطورات الأمنية في المنطقة، وتعتبر جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" أكبر تهديد في منطقة الساحل الإفريقي.

تعد الحوادث الأخيرة في مالي جزءا من مشهد أوسع وأعمق من التوترات الأمنية التي تواجهها المنطقة. مع استمرار عمليات الخطف من قبل الجماعات المسلحة، يصبح من الضروري على الحكومات والشركاء الدوليين أن يعيدوا تقييم استراتيجياتهم في محاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
 يتطلب هذا أيضا اتخاذ تدابير لضمان تقديم الدعم اللازم للأسر المتضررة من هذه الهجمات، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع وتوفير بدائل اقتصادية وطرق أمنية فعالة لمواجهة تصاعد الأنشطة الجهادية في المنطقة.

شارك