نيجيريا في مواجهة نارين.. تصاعد الإرهاب وتحديات الدولة في معركة البقاء
الإثنين 10/نوفمبر/2025 - 10:12 ص
طباعة
نيجيريا
محمود البتاكوشي
تبدو نيجيريا اليوم غارقة في واحدة من أعقد أزماتها الأمنية منذ استقلالها، إذ يتواصل النزيف في شمال شرق البلاد رغم مرور أكثر من 16 عامًا على اندلاع تمرد "بوكو حرام"، التنظيم الذي تحول لاحقًا إلى مظلة لتشعب الجماعات الجهادية وعلى رأسها "داعش – ولاية غرب إفريقيا". زيارة قائد الجيش النيجيري اللفتنانت جنرال وايدي شعيبو مؤخرًا إلى ولاية بورنو، معقل التطرف المسلح، جاءت في لحظة مفصلية تعكس إدراك المؤسسة العسكرية لعمق المأزق وضرورة إعادة بناء الثقة المنهارة بين الجيش والمجتمعات المحلية التي دفعت ثمنًا فادحًا من الأرواح والنزوح.
منذ عام 2009، تحولت ولاية بورنو إلى مركز الصراع بين الدولة والجماعات المتطرفة، البداية كانت مع حركة "بوكو حرام"، التي رفعت شعارات دينية ضد "الفساد الغربي"، قبل أن تتحول إلى تنظيم دموي نفذ هجمات انتحارية، وعمليات خطف جماعي، أبرزها اختطاف أكثر من 200 طالبة من مدرسة "تشيبوك" عام 2014، وهي الحادثة التي صدمت العالم وأظهرت هشاشة الدولة النيجيرية أمام التمرد.
لكن الانقسام الداخلي داخل "بوكو حرام" عام 2016 أدى إلى بروز جناح أكثر تشددًا عرف باسم "ولاية غرب إفريقيا"، الموالي لتنظيم "داعش"، ما أعاد الصراع إلى مرحلة أكثر عنفًا وتعقيدًا.
على الرغم من الحملات العسكرية الواسعة التي أطلقتها أبوجا، إلا أن الجغرافيا الوعرة والفساد داخل المؤسسات الأمنية، إضافة إلى ضعف التنسيق الإقليمي، جعلت من الحرب ضد الإرهاب معركة استنزاف مفتوحة، آلاف القرى دمرت، وأكثر من مليوني شخص شردوا نحو تشاد والنيجر والكاميرون، ما خلق أزمة إنسانية متفاقمة في حوض بحيرة تشاد، حيث تمتد رقعة نفوذ المسلحين عبر الحدود، مستفيدين من هشاشة الدولة المركزية في تلك المناطق.
زيارة شعيبو إلى بورنو لم تكن مجرد إجراء رمزي، بل محاولة لإعادة صياغة استراتيجية المواجهة. فقد شدد القائد العسكري على "القتال بطاقة متجددة وتركيز واضح لإنهاء هذا الخطر مرة واحدة وإلى الأبد"، متعهدًا بتحسين الإمدادات والدعم اللوجستي والرعاية الميدانية للجنود الذين يقاتلون في ظروف قاسية، ومع ذلك، فإن التحديات تتجاوز البعد العسكري إلى أزمة ثقة أعمق بين المواطنين والدولة، إذ يتهم السكان الجيش بارتكاب انتهاكات أثناء العمليات، ما يضعف الدعم الشعبي الضروري لأي حملة ناجحة.
الأزمة اكتسبت أيضًا بعدًا دوليًا متزايدًا، خصوصًا بعد تحذيرات الولايات المتحدة من تفاقم "العنف ضد المسيحيين" في شمال نيجيريا، وإدراجها البلاد على قائمة "الدول المثيرة للقلق بشأن الحريات الدينية".
تهديد السيادة النيجيرية
تصريحات الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب عن احتمال "عمل عسكري سريع" أثارت جدلًا واسعًا حول السيادة النيجيرية، لكنها كشفت في الوقت نفسه عن حجم الاهتمام الدولي بالمشهد المتدهور في البلاد.
في المقابل، يحاول الرئيس بولا تينوبو إعادة ضبط المشهد الأمني، مدفوعًا بضغط داخلي متزايد لإنهاء دوامة العنف التي تهدد وحدة الدولة الفيدرالية، غير أن سياسات التنمية المتعثرة، وتفاقم البطالة، وغياب التنمية في الشمال الشرقي، تظل بيئة خصبة لتجنيد الشباب من قبل الجماعات الإرهابية؛ ما يجعل أي إنجاز عسكري مهددًا بالانهيار إن لم يترافق مع إصلاحات اجتماعية واقتصادية جذرية.
بهذا المعنى، لا يمكن قراءة تصعيد "داعش" في نيجيريا بمعزل عن فشل الدولة في معالجة جذور الأزمة، إذ يظل الإرهاب في المنطقة نتاجًا لتقاطع ثلاثية معقدة: هشاشة الحكم، وفقر مزمن، وأيديولوجيا متطرفة تجد في الفوضى مرتعًا مثاليًا للتمدد.
وبينما يعد الجيش بمواصلة القتال "حتى النهاية"، تبدو نيجيريا أمام معركة أطول وأعمق من مجرد مواجهة عسكرية، معركة على استعادة الدولة نفسها من أنياب العنف والانقسام.
