لردع الملالي ومحاربة داعش امريكا باقية في العراق

الإثنين 10/نوفمبر/2025 - 12:07 م
طباعة لردع الملالي ومحاربة روبير الفارس
 
في الوقت الذى مازال القوات الامنية العراقية تطارد فلول تنظيم داعش وتحاكم السلطات القضائية اعضاء التنظيم الارهابي تؤكد امريكا علي البقاء في العراق .ففي الوقت الذى أصدرت فيه المحكمة الجنائية المركزية، اليوم الاثنين حكماً بالإعدام بحق إرهابيين اثنين، لارتكابهما جريمة تفجير سيارات مفخخة في محافظتي بغداد وكربلاء.
وذكر اعلام القضاء في بيان  ان " الإرهابي الأول أقدم على تفجير سيارة مفخخة في منطقة الشرطة الرابعة سنة 2015، راح ضحيته عدد من الشهداء وإصابة آخرين من المواطنين".
واضاف "فيما قام الإرهابي الثاني بتفجير سيارتين مفخختين عند منطقة باب بغداد في محافظة كربلاء المقدسة سنة 2012، حيث أسفر الانفجار عن استشهاد وإصابة عدد من المواطنين ومنتسبي القوات الأمنية وكذلك منتسبي العتبة الحسينية المقدسة، تحقيقاً لغايات إرهابية".
وتابع "وقد صدر الحكمان بحقهما استناداً لأحكام المادة الرابعة/1 وبدلالة المواد الثانية/1 و3 و5 و7 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لعام 2005".
جاء الموقف الأمريكي الأخير بشأن عدم الانسحاب من العراق ليؤكد تمسك واشنطن بدورها الأمني في البلاد، بالتزامن مع مساعٍ لإعادة صياغة العلاقة مع بغداد بما ينسجم مع المتغيرات الإقليمية والسياسية في المنطقة.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أكدت، أن "الولايات المتحدة لن تنسحب عسكريًا من العراق"، مشيرة إلى نيتها "الانتقال إلى علاقة ثنائية أكثر تقليدية في مجالي الأمن والدبلوماسية مع بغداد". ويرى محللون أن هذا التصريح يمثل تحولًا في المقاربة الأمريكية من مفهوم “التحالف الدولي ضد داعش” إلى نموذج الشراكة الأمنية طويلة الأمد، ضمن استراتيجية أوسع تشمل الشرق الأوسط.
الخبير في الشؤون الاستراتيجية عباس الجبوري  صرح قائلا بان "الموقف الأمريكي الأخير يؤكد رغبة واشنطن في الحفاظ على وجودها الاستراتيجي في العراق والمنطقة، مع إعادة تعريف العلاقة الأمنية والدبلوماسية بما يتناسب مع المتغيرات الراهنة".
وأضاف أن "إعلان واشنطن نيتها الانتقال إلى علاقة ثنائية تقليدية يشير إلى رغبتها في تحويل وجودها من صيغة التحالف الدولي ضد داعش إلى اتفاقات تعاون ثنائية طويلة الأمد، مشابهة لما هو قائم مع دول أخرى في الشرق الأوسط"، موضحًا أن "هذا الموقف يشكّل ردًا غير مباشر على تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التي ربط فيها سحب سلاح الفصائل بانسحاب التحالف الدولي من العراق".
يشير مختصون في الشأن الأمني إلى أن تصريحات الخارجية الأمريكية تغلق باب الجدل حول الانسحاب الكامل، وهو مطلب تطرحه فصائل مسلحة وقوى سياسية منذ سنوات. ويؤكدون أن "الولايات المتحدة تنظر إلى العراق كمحور رئيسي في استراتيجيتها الإقليمية، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات بالشرق الأوسط"، مبينين أن "الوجود الأمريكي في قواعد محددة يهدف إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية ومراقبة النفوذ الإيراني المتزايد في البلاد".
ويضيف الجبوري أن "إعادة تعريف العلاقة لا تعني تقليص الدور الأمريكي، بل إعادة تموضع محسوبة تهدف إلى الإبقاء على النفوذ الأمريكي بأدوات مختلفة وأقل تكلفة سياسية، من خلال اتفاقات تعاون ثنائية تمنح واشنطن حرية حركة دبلوماسية وعسكرية أوسع داخل العراق".
ويقول الجبوري إن "التحركات السياسية والإعلامية الأخيرة تعكس محاولات من الطرفين – بغداد وواشنطن – للوصول إلى تفاهم جديد ينظم العلاقة المستقبلية بعيداً عن الضغوط الداخلية والفصائلية"، موضحاً أن "ملف الوجود الأجنبي في العراق سيبقى من أكثر الملفات حساسية في المرحلة المقبلة، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات السياسية والانتخابية".
ويرى باحثون أن الحكومة العراقية تحاول تحقيق توازن بين مطالب الفصائل المنادية بالانسحاب الكامل، وبين حاجتها إلى استمرار الدعم الأمني والاستخباري الأمريكي في مكافحة الإرهاب، فيما يتحرك الطرفان ضمن مساحة سياسية دقيقة تحكمها المصالح المتبادلة أكثر من الشعارات العلنية.
تصريحات المبعوث الأمريكي إلى العراق مارك سافايا، التي قال فيها إن "المستقبل في العراق يجب أن يكون لعراق بلا ميليشيات"، جاءت لتؤكد الاتجاه الأمريكي الداعم لحصر السلاح بيد الدولة، في مقابل تقليص نفوذ الفصائل المسلحة.
في المقابل، كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد قال في حديث لوكالة "رويترز" إن "سحب سلاح الفصائل مرتبط بانسحاب التحالف الدولي"، وهو ما اعتبره مراقبون "رسالة سياسية مزدوجة" موجهة إلى واشنطن والفصائل في الوقت نفسه.
ويشير خبراء إلى أن واشنطن لم تعد تنظر إلى العراق كملف منفصل، بل كجزء من منظومة الردع الإقليمي ضد إيران، وأن وجودها العسكري لم يعد مؤقتاً بل مرتبطاً بإدارة التوازن الأمني في المنطقة.
يقول محللون إن الموقف الأمريكي الحالي لا يعني انسحاباً فعلياً بل "تحولاً في الشكل والمضمون"، إذ تسعى واشنطن إلى وجود أقل عدداً وأكثر نوعية وتأثيرًا. وتشير تقديرات إلى أن الولايات المتحدة تتجه نحو توقيع اتفاقات ثنائية طويلة الأمد تشرعن الوجود العسكري وتمنحه طابعًا قانونياً واضحًا، على غرار ما هو معمول به في الكويت والبحرين والأردن.
الحديث عن انسحاب أمريكي من العراق أصبح، وفق مراقبين، عبارة سياسية أكثر من كونه احتمالاً واقعياً. فالميدان يشير إلى أن الوجود الأمريكي يُعاد إنتاجه بصيغ جديدة، بينما الواقع السياسي العراقي يجعل من الانسحاب الكامل خطوة محفوفة بالمخاطر قد تفتح فراغًا أمنيًا لا يمكن ملؤه محليًا.
وبينما يحاول السوداني الموازنة بين الخطاب السيادي ومتطلبات الأمن، تؤكد واشنطن عبر تصريحات مسؤوليها أن “البقاء” هو الخيار الواقعي، وأن العلاقة مع بغداد لن تُبنى على الانسحاب بل على تنظيم الوجود واستدامة النفوذ.

شارك