اعتراف حزب الله بدوره في اليمن.. سقوط رواية الحوثي وانكشاف المشروع الإيراني
الإثنين 01/ديسمبر/2025 - 01:04 م
طباعة
الأمين العام للحزب نعيم قاسم
فاطمة عبدالغني
تكشف التطورات الأخيرة عن مستوى غير مسبوق من الوضوح بشأن الدور العسكري الذي لعبه "حزب الله" داخل اليمن، بعد الاعتراف العلني الذي أدلى به الأمين العام للحزب نعيم قاسم حول وجود القيادي هيثم علي طبطبائي في الأراضي اليمنية طوال تسع سنوات متصلة بين 2015 و2024.
ويأتي هذا الاعتراف في سياق إقليمي مضطرب، وتوقيت دقيق يعيد تشكيل النقاش حول جذور الحرب اليمنية وطبيعة التدخل الإيراني عبر الحوثيين.
ويظهر هذا التصريح لأول مرة ارتباطاً مباشراً بين قيادة الحزب وعمليات الجماعة الحوثية، ويقلب الكثير من الخطابات التي روّجتها الجماعة خلال سنوات الحرب، خصوصاً تلك المتعلقة بـ"السيادة" و"القرار الوطني"، في وقت تتكشف فيه معالم مشروع إقليمي أوسع لعب فيه طبطبائي دور "القائد الفعلي" لبناء القدرات العسكرية للحوثيين.
كشف نعيم قاسم أن طبطبائي كان مسؤولاً عن التدريب والإعداد وبناء القدرات، وأنه ترك "بصمة مهمة" لدى الجماعة، وهو توصيف لا يعبّر فقط عن أهمية الرجل داخل منظومة الحوثيين، بل يفضح حجم الارتباط البنيوي بين الجماعة والحرس الثوري الإيراني عبر قناة حزب الله، باعتبارهما الذراعين الأكثر نشاطاً في "محور المقاومة".
ويأتي ذلك في وقت تتطابق فيه هذه الشهادات مع وثائق وصور سابقة أظهرت مدربين من الحزب داخل معسكرات الحوثيين بزي الجيش اليمني، ما يعكس دوراً عملياتياً مباشراً في تطوير منظومات الصواريخ والطيران المسيّر، وفي قيادة العمليات الميدانية منذ اندلاع الحرب.
هذا الاعتراف، الذي جاء عقب مقتل طبطبائي في غارة إسرائيلية، لم يبقَ محصوراً في الإطار العسكري، بل انفجر سياسياً داخل الساحة اليمنية عبر تصريحات صريحة من الحكومة الشرعية، على رأسها تصريح وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، الذي اعتبر أن ما قاله قاسم لا يكشف فقط حجم التورط الإيراني في اليمن، بل يفضح – كما قال – "أكبر عملية تضليل سياسي وإعلامي مارستها مليشيا الحوثي على اليمنيين والمجتمع الدولي منذ انقلابها".
ويرى الإرياني أن ما جرى في 2015 لم يكن "حراكاً داخلياً" ولا "قراراً وطنياً مستقلاً"، بل "مشروعاً إيرانياً مكتمل الأركان" تولى قيادته ضباط الحرس الثوري وحزب الله، فيما تحولت الجماعة الحوثية إلى "مجرد واجهة متهالكة" تُستخدم للانقلاب على الدولة وشرعنة تدخل خارجي يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وتتسق رواية الإرياني مع مضمون الاعتراف الصادر عن حزب الله، إذ إن المدة التي قضاها طبطبائي في اليمن – وهي تسع سنوات – تكفي لإثبات أنه كان "القائد الفعلي" للحوثيين، كما وصفه الوزير، مشيراً إلى دوره في بناء منظومات الصواريخ والمسيرات، وفي التخطيط للهجمات على السفن التجارية، وفي إدارة العمليات التي "أحرقت اليمن ومزقت نسيجه الاجتماعي".
وتأتي رسائل العزاء التي بعثتها قيادات الحوثيين بعد مقتله لتعزز هذا التصور، إذ قرأها محللون على أنها دعوة مفتوحة لحزب الله لاستئناف المواجهة مع إسرائيل لإبقاء الجبهة اللبنانية مشتعلة، بما يمنح الحوثيين غطاءً سياسياً وإعلامياً في البحر الأحمر ويساهم في تشتيت تركيز إسرائيل عنهم.
ويؤكد الإرياني أن أسطوانة الحوثي حول "السيادة" و"الاستقلال" سقطت بالكامل أمام هذا الاعتراف، وأن ما بات واضحاً للعالم هو أن الجماعة ليست سوى "أداة قذرة في مشروع ولاية الفقيه" تُدار من طهران وبيروت، وتُستخدم لابتزاز دول الجوار وتهديد خطوط التجارة الدولية وتقويض الأمن الإقليمي.
ويرى أن الوقت قد حان للتعامل مع الحوثيين كما هم في الحقيقة: "تنظيم إرهابي خارجي الولاء يشكّل استمراره خطراً متصاعداً على اليمن والمنطقة والعالم"، محذراً من أن بقاء الجماعة يعني مزيداً من توظيفها في مشروع إيران وحزب الله، مع إمكانية توسع عملياتها نحو مستويات أخطر مما شهده العالم خلال السنوات الماضية.
ويتقاطع هذا التحليل السياسي مع الحقائق الأمنية التي أبرزها الاعتراف، إذ إن طبطبائي كان ضمن المطلوبين لدى الولايات المتحدة منذ سنوات، مع مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه، ما يبرز حجم الدور الذي لعبه في زعزعة استقرار المنطقة.
كما تتفق البيانات الأمريكية مع التقارير العسكرية التي تُظهر أن اليمن كان إحدى أهم ساحات التمدد الإيراني عبر حزب الله، وأن بناء القدرات الحوثية لم يكن نتيجة تطور داخلي، بل مشروعاً إقليمياً ممنهجاً قادته قيادات متخصصة من "قوة الرضوان" ضمن هيكلية مرتبطة بالحرس الثوري.
ويرى المراقبون أن الاعتراف العلني من حزب الله، مقروناً بتصريحات الحكومة اليمنية، يشكل تحولاً جوهرياً في فهم طبيعة الصراع في اليمن، ويُسقط الرواية الحوثية حول "استقلال القرار"، مؤكداً أن الحرب كانت – ولا تزال – امتداداً لمشروع خارجي يقوده الحرس الثوري عبر وكلائه.
ويعتبر هؤلاء أن تصريحات الإرياني جاءت لتُعيد تأطير النقاش الدولي حول الحوثيين، عبر وضع الاعتراف في سياقه السياسي والأمني، وتحديد هوية الجماعة باعتبارها تنظيماً عابراً للحدود لا يمثل اليمن ولا مصالحه.
كما يشير المراقبون إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة تقييم دولية أوسع للحوثيين في ضوء هذا الاعتراف، خصوصاً مع اتساع نطاق تهديداتهم للممرات البحرية، وتزايد احتمال اندماجهم الأعمق في عمليات "محور المقاومة" الإقليمية.
وبحسب هذه القراءة، فإن الاعتراف لم يكشف الماضي فقط، بل يحمل مؤشرات مقلقة حول مستقبل المنطقة ما لم تُتخذ خطوات جدية لوضع حد للمشروع الذي تديره طهران عبر الحوثيين وحزب الله.
