باكستان.. هجوم "وزيرستان الشمالية" يعيد فتح ملف العنف الحدودي

الثلاثاء 02/ديسمبر/2025 - 10:24 ص
طباعة محمد شعت
 

في أحدث سلسلة من الهجمات التي تستهدف قوات الأمن والمسؤولين الحكوميين في المناطق الحدودية، قُتل مساعد مفوض شمال وزيرستان شاه ولي الله وشرطيان على الأقل بعد أن تعرّض موكبهم لإطلاق نار كثيف على طريق ميران شاه في منطقة بانو. وأفاد مسؤولون محليون بأن مجموعة مسلحة أوقفت سيارة المسؤول الحكومي وفتحت النار مباشرة، قبل أن تستولي على أسلحة عناصر الشرطة وتنسحب من الموقع بسرعة. ويأتي هذا الهجوم ليعمّق المخاوف من اتساع دائرة العنف من جديد في إقليم خيبر بختونخوا والمناطق القبلية المحاذية لأفغانستان، في وقت تتصاعد فيه المؤشرات حول عودة نشاط جماعات مسلحة تتبنى تكتيكات تستهدف رجال الأمن عبر عمليات خاطفة ومدروسة.

 

تصف السلطات الهجوم بأنه “نوعي” من حيث الأسلوب والتنفيذ، إذ يندرج ضمن سلسلة عمليات اتسمت خلال العامين الماضيين بتركيزها على استهداف الشخصيات الحكومية أثناء تنقلاتها، بدلاً من الهجمات العشوائية الواسعة أو تفجيرات الطرق التقليدية. ويرى مراقبون أن قدرة المهاجمين على اختيار نقطة الاستهداف ومعرفة مسار الموكب الرسمي تشير إلى مستوى من الرصد المسبق وتبادل المعلومات بين عناصر مسلحة منتشرة في المنطقة، ما يرفع من خطورة الهجوم مقارنة بحوادث مشابهة وقعت في السابق.

 

موجة عنف متصاعدة

 

على مدى السنوات الماضية، ظلّت باكستان تعيش حالة من التقلّبات الأمنية، لكن المؤشرات الأخيرة الصادرة عن مراكز بحثية مثل "مؤسسة الدراسات السلمية الباكستانية" (PIPS) و"المرصد الأمني لجنوب آسيا" (SATP) تؤكد أن معدّل الهجمات المسلحة شهد ارتفاعاً لافتاً منذ عام 2023، مع تسارع أكبر خلال 2024. وتشير هذه التقارير إلى أن شمال وزيرستان ومناطق أخرى تمتد من ميران شاه إلى ديرا إسماعيل خان تشهد نمطاً متكرراً من الهجمات يستهدف نقاط التفتيش، والدوريات المتنقلة، والقيادات الإدارية المحلية.

 

وتوضح بيانات PIPS أنّ جزءاً كبيراً من الهجمات المسجّلة خلال العامين الأخيرين يتركز ضد قوات الأمن، في مقابل تراجع نسبي في العمليات الموجهة ضد المدنيين. ويُعزى هذا التحوّل إلى رغبة الجماعات المسلحة في توجيه ضربات مباشرة إلى هيبة الدولة، وإضعاف قدرة الأجهزة الأمنية على الانتشار الميداني، وخلق مناطق فراغ تستطيع هذه الجماعات أن تتحرك فيها بحرية. إضافة إلى ذلك، فإن تفكّك بعض الفصائل المسلحة واندماجها في تشكيلات أكبر وأكثر تنظيمًا أدى إلى ظهور أساليب قتالية جديدة تعتمد على الهجوم الخاطف والكمائن المتنقلة بدل الهجمات الانتحارية التقليدية التي كانت أكثر شيوعاً قبل خمسة أعوام.

أما قاعدة البيانات الأمنية التابعة لـ SATP فترصد زيادة ملحوظة في عدد الهجمات الموجهة ضد الشرطة في شمال وزيرستان، إضافة إلى عمليات تستهدف موظفين حكوميين ومسؤولين محليين، وهو ما حدث في الهجوم الأخير الذي قُتل فيه مساعد المفوض. وتشير تحليلات أمنية مستقلة إلى أنّ المناطق الحدودية ما تزال تعاني من تحديات تتعلق بضعف البنية الأمنية في بعض القرى البعيدة، وصعوبة فرض رقابة صارمة على الطرق الفرعية التي يستخدمها المسلحون.

 

وتذهب قراءات إلى أن طبيعة الهجوم الأخير—سواء من حيث توقيته أو الهدف المختار—تعكس تطوراً في استراتيجية الجماعات المسلحة، التي باتت تركّز على إضعاف العمل الإداري المحلي. إذ أن استهداف مسؤولين حكوميين يعني ضرب حلقة التواصل بين الدولة والسكان المحليين، وإحداث ارتباك في إدارة الخدمات، ما يؤدي بدوره إلى خلق بيئة اجتماعية تسمح بنفوذ أكبر للجماعات المسلحة التي غالباً ما تستغل حالة الفراغ لتوسيع مستوى حضورها في القرى النائية.

 

تحديات المرحلة المقبلة

 

يمثل استهداف مساعد مفوض شمال وزيرستان تطوراً خطيراً في المشهد الأمني، لأن هذه الفئة من المسؤولين تمتلك دوراً محورياً في الإدارة اليومية للمناطق القبلية، وتضطلع بمهام تتعلق بفض النزاعات المحلية، وتقديم الخدمات، والتنسيق الأمني مع الشرطة. ومن ثمّ فإن اغتيال أحدهم يوجّه رسالة قوية مفادها أن الجماعات المسلحة قادرة على ضرب المفاصل المدنية للدولة وليس الأجهزة الأمنية وحدها.

كذلك فإن استيلاء المهاجمين على أسلحة الشرطة بعد العملية يضيف بُعداً آخر للتهديد، إذ يشير إلى رغبة المسلحين في تعزيز مخزونهم من العتاد الخفيف، الذي يعتمدون عليه بشكل أساسي في العمليات الخاطفة. وقد سبق لعدة تقارير أمنية أن حذرت من أن هذه الجماعات تعتمد بشكل كبير على الحصول على الأسلحة من خلال هجمات صغيرة تستهدف الدوريات أو الحراسات، بدلاً من الاعتماد على تهريب السلاح عبر الحدود، وهو ما يعقّد مهمة تعقب مصادر التمويل والتسليح.

 

وتذهب قراءات إلى أن هذا النوع من الهجمات سيولد ضغطاً كبيراً على قوات الشرطة المحلية التي تعمل في بيئة جغرافية صعبة تتسم بتضاريس جبلية وعرة، وقرى صغيرة متباعدة، ما يجعل تأمين الطرق الفرعية تحدياً دائماً. كما أن استمرار هذه الهجمات سيُضعف بدوره التعاون المجتمعي، إذ يخشى السكان الوقوع بين المطرقة والسندان: بين الجماعات المسلحة التي تحاول فرض نفوذها بالقوة، والدولة التي تواجه صعوبات في فرض السيطرة الكاملة على المنطقة.

 

في المقابل، تحاول الحكومة الباكستانية تعزيز العمل الاستخباراتي وتكثيف الدوريات المشتركة بين الجيش والشرطة في المناطق الأكثر عرضة للهجمات، إضافة إلى تنفيذ عمليات استباقية محدودة لتعقب الخلايا النشطة. إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن الحل الأمني وحده لا يكفي، وأن معالجة المشكلة تحتاج في الوقت ذاته إلى مبادرات تنموية تحسّن الظروف الاقتصادية للسكان، وتمنح الشباب فرصاً بديلة عن الانخراط في الشبكات المسلحة.

 

من ناحية أخرى، تؤكد تقارير بحثية أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في منظومة تأمين تحركات المسؤولين المحليين، عبر توفير وحدات حراسة مدربة، وتغيير مسارات التنقل المعتادة، واستخدام تقنيات مراقبة جديدة تساعد على اكتشاف التحركات المريبة قبل وقوع الهجوم. ويقترح بعض المراقبين إنشاء آليات مستدامة للتنسيق بين الإدارات الإقليمية، بما يساعد على منع تسرّب المعلومات المتعلقة بتوقيتات انتقال المسؤولين.

 

ومع أن الهجوم الأخير قد يبدو حادثاً منفرداً للوهلة الأولى، إلا أنه يتوافق مع نمط تصاعدي تشير إليه بيانات السنوات الأخيرة، حيث تتزايد العمليات النوعية ضد رموز الدولة. وفي حال لم تُتخذ إجراءات عملية عاجلة لرفع مستوى التأمين وتحسين جمع المعلومات، قد تتكرر مثل هذه الهجمات بوتيرة أعلى، ما يفتح الباب أمام مزيد من الاضطراب في منطقة تعد إحدى أكثر المناطق حساسية أمنياً في البلاد.

 

شارك