تراجع الملاذات الآمنة.. دلالات تصنيف الإكوادور للإخوان تنظيمًا إرهابيًا وتحوّلات المشهد الدولي
الثلاثاء 09/ديسمبر/2025 - 12:30 م
طباعة
الإخوان
محمود البتاكوشي
يشكّل قرار الإكوادور بتصنيف جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا لحظة مفصلية في المشهد الدولي، ليس بسبب وزن الإكوادور السياسي بقدر ما يرتبط هذا القرار بتحوّل عالمي متصاعد نحو تضييق الخناق على التنظيم في مناطق ظلّت تُعد تقليديًا خارج دائرة الضوء فالخطوة الإكوادورية تكشف انتقال المعركة ضد الإخوان من الشرق الأوسط وأوروبا إلى فضاءات أبعد جغرافيًا وأعمق تأثيرًا على شبكات الجماعة، خصوصًا في أمريكا اللاتينية التي شكلت لسنوات محطة خلفية لعمليات التمويل وإعادة التنظيم.
خلفيات القرار ودلالاته السياسية
جاء مرسوم الرئيس الإكوادوري كجزء من توجه أوسع لتعزيز الأمن الداخلي في مواجهة الجماعات العابرة للحدود وقد تضمن القرار توجيهات مباشرة لأجهزة الاستخبارات بفحص امتدادات الإخوان داخل البلاد وربطها بمنظومات أخرى من الجماعات المسلحة هذا الربط، وإن كان غير معلن بشكل صريح، يكشف حساسية الدولة من إمكانية تداخل نشاط الجماعة مع شبكات الجريمة المنظمة المنتشرة في الإقليم، والتي تُعد أحد أخطر تحديات الأمن القومي في دول أمريكا الجنوبية
من ناحية أخرى، يعكس القرار رغبة الإكوادور في مواءمة سياستها الأمنية مع التحولات الجارية في دوائر واشنطن، التي دفع فيها عدد من المشرعين باتجاه إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب ورغم أن تلك الإجراءات الأمريكية ما تزال في طور التشريع والمراجعة، إلا أن صداها بدا واضحًا في مواقف دول أخرى، ومنها الإكوادور، التي التقطت الإشارات مبكرًا.
موجة غربية أوسع
لا يمكن قراءة الخطوة الإكوادورية بمعزل عن سياق أوروبي متنامٍ يستهدف الحد من نفوذ الإخوان فقد شهدت السنوات الأخيرة تراكمات متلاحقة في النمسا وألمانيا وفرنسا وإيرلندا وبلجيكا وسويسرا، أسهمت في تضييق الخناق على المؤسسات المرتبطة بالتنظيم، ولا سيما تلك المتعلقة بالتمويل والدعاية والسيطرة على المراكز الإسلامية.
ومع تصاعد هذه التحركات، بدأت مناطق مثل أمريكا اللاتينية تتحول إلى بدائل استراتيجية للجماعة، وهو ما يفسر حساسية القرارات الأخيرة وتأثيرها المباشر على شبكات التنظيم التي حاولت لسنوات الحفاظ على وجود خفي بعيد عن الرقابة الأوروبية.
أمريكا اللاتينية «الملاذ الخفي» الذي يتعرض للانكشاف
لعبت أمريكا اللاتينية دورًا محوريًا في السنوات الماضية كملاذ بعيد عن أعين أجهزة الأمن الأوروبية وكانت الإكوادور تحديدًا إحدى الدول التي استفادت الجماعة من انشغالها الداخلي وهشاشتها الأمنية خلال فترات متعددة.
يتجلى ذلك في نشاط اقتصادي واسع اتخذ طابعًا دينيًا أو خيريًا ظاهريًا، مثل تجارة «الذبح الحلال»، وإدارة المدارس والحضانات، وصولًا إلى تجارة الأخشاب هذه النشاطات المكثفة وفّرت للتنظيم شبكة مالية ضخمة كانت ترفد الأذرع الأخرى في العالم، معتمدة على أن المنطقة بعيدة نسبيًا عن الاهتمام الدولي بملف التطرف الإسلامي.
تصنيف الإكوادور للإخوان يضع هذه الأنشطة لأول مرة تحت مجهر متقدم، ويقطع جزءًا من خطوط التمويل التي لم تكن محكومة برقابة صارمة مقارنة بأوروبا أو الشرق الأوسط.
التداعيات الإقليمية والدولية للقرار
من المتوقع أن يشجع القرار دولًا أخرى في أمريكا اللاتينية على اتخاذ إجراءات مشابهة، خصوصًا في ظل التغيرات في المزاج السياسي الغربي تجاه الجماعة فبمجرد أن تتحرك الدول ذات النفوذ الأكبر مثل الولايات المتحدة، يصبح الضغط السياسي والاقتصادي على دول الجوار أكثر فعالية.
كما أن انهيار الملاذات الآمنة يعني أن الإخوان يفقدون القدرة على العمل من خلال شبكات مترابطة عابرة للقارات، وهو ما يقود إلى تفتت التنظيم إلى مجموعات صغيرة معزولة، تخسر بمرور الزمن قدرتها على التأثير أو التواصل أو التمويل.
نحو استراتيجية دولية شاملة؟
يعتقد خبراء الحركات المتطرفة أن مواجهة التنظيم لن تحقق نتائج حاسمة ما لم تُعتمد استراتيجية دولية منسقة، تشارك فيها الدول العربية والغربية ودول أمريكا اللاتينية، تقوم على:
تجفيف مصادر التمويل العابرة للحدود
مراقبة الواجهات الاقتصادية والتجارية المرتبطة بالتنظيم
تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الأقاليم المختلفة
ويرى الخبراء أن الخطوات العربية السابقة ضد التنظيم كانت ناجحة في نطاقها المحلي، لكن تأثيرها ظل محدودًا بسبب استمرار وجود ملاذات آمنة في الخارج ومع بداية التضييق على تلك الملاذات، يمكن أن تدخل الجماعة مرحلة تراجع استراتيجي طويل الأمد
تفكيك الشبكات وتحول التنظيم إلى خلايا متناثرة
مع تقليص الملاذات الآمنة وتجفيف منابع التمويل البعيدة، تشير التقديرات إلى أن التنظيم مقبل على مسار تفتت تدريجي، يتحول فيه إلى مجموعات صغيرة غير مترابطة هذا التفكك يؤدي بمرور الوقت إلى تلاشي الأفكار والمنظومات التنظيمية التقليدية التي ظلت متماسكة لعقود، وتحوّل الجماعة من كيان عابر للقارات إلى مجموعات هامشية بلا تأثير يذكر.
