هجوم تدمر: ضربة في شرايين التعاون الأمريكي-السوري وتحديات الإرهاب في سوريا ما بعد الأسد
الأحد 14/ديسمبر/2025 - 11:30 ص
طباعة
حسام الحداد
شهدت مدينة تدمر (بالميرا) التاريخية في وسط سوريا، يوم 13 ديسمبر 2025، حادثاً دامياً يهدد بإلقاء ظلال ثقيلة على مسار التعاون الأمني المستجد بين القوات الأمريكية والجانب السوري. ففي عملية اغتيال جريئة ومخطط لها، أطلق مسلح النار على اجتماع قيادي مشترك لمكافحة الإرهاب، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أمريكيين (جنديين ومترجم مدني) وإصابة خمسة آخرين، بينهم جنود أمريكيون وسوريون.
طبيعة الهجوم: "ذئب وحيد" أم "اختراق داخلي"؟
على الرغم من وصف القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) المهاجم بأنه "مسلح داعشي وحيد" تم قتله أثناء الاشتباك، إلا أن التضارب في الروايات يثير القلق. ففي الوقت الذي ترجح فيه التقييمات الأمريكية الأولية تورط تنظيم داعش، أشارت تقارير أخرى إلى أن المهاجم كان في الواقع عضواً في قوات الأمن السورية الداخلية، وكان قيد التحقيق بسبب اشتباه في حمله لأفكار متطرفة.
إذا ثبتت الرواية الثانية، فإن هذا الهجوم يمثل حالة خطيرة من "الهجمات الداخلية" (green-on-blue)، مما يعني اختراقاً أمنياً عميقاً في صفوف الشريك السوري. يشير هذا التباين إلى ثغرة أمنية حرجة، سواء كانت ناتجة عن خلية نائمة لداعش تمكنت من التسلل أو عن عدم كفاءة في فحص العناصر داخل القوات الشريكة.
دلالات التوقيت والتأثير على التعاون
يأتي هذا الهجوم في توقيت بالغ الحساسية، إذ يمثل أول خسائر في صفوف القوات الأمريكية في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، والأول المميت منذ عام 2019. والأهم من ذلك، أنه استهدف اجتماعاً قيادياً مشتركاً، وهو رمز للتعاون المتزايد بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة (برئاسة أحمد الشرع) في إطار استراتيجية محكمة لمكافحة فلول داعش.
تأثير مباشر على الثقة: الهجوم، سواء كان هجوماً خارجياً لداعش أو اختراقاً داخلياً، يضرب الثقة في صميم التحالف. فكيف يمكن للقوات الأمريكية أن تثق ببيئة أمنية أو شركاء، إذا كانت المنشآت المحمية معرضة لهجوم من هذا النوع؟
اختبار للقيادة السورية الجديدة: بالنسبة للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي وصفه الرئيس ترامب بأنه "غاضب جداً ومضطرب"، يمثل الحادث اختباراً حاسماً لجدية والتزام حكومته بالقضاء على الإرهاب وتأمين العمليات المشتركة.
تنامي الإرهاب في مرحلة "ما بعد الأسد": تحديات محلية وإقليمية ودولية
يبرز هجوم تدمر تحديات أمنية عميقة في مرحلة "ما بعد الأسد" في سوريا، ويقدم مؤشراً خطيراً على تنامي النشاط الإرهابي محلياً وإقليمياً.
1. التحديات المحلية في سوريا:
استراتيجية البقاء لداعش: رغم خسارة الأراضي في 2018-2019، يثبت تنظيم داعش قدرته على التحول إلى شبكة خلايا نائمة تشن هجمات متفرقة، معتمداً على الفوضى الأمنية والمناطق الشاسعة غير الخاضعة للسيطرة الكاملة (كما أشار الرئيس ترامب). الحادث يبرهن أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرة على تنفيذ عمليات نوعية تستهدف قيادات التحالف.
هشاشة الأوضاع الأمنية: يُقدر عدد مقاتلي داعش بين 5000 و7000 في سوريا والعراق. الهجوم يلقي الضوء على أن مجرد تغيير النظام لم يحل المشكلة الأمنية العميقة، وأن بقايا التنظيم تشكل تهديداً وجودياً للاستقرار المحلي.
2. الانعكاسات الإقليمية والدولية:
الرد الأمريكي: جاءت ردود الفعل الأمريكية قوية وحاسمة؛ حيث وعد الرئيس ترامب بـ"رد انتقامي شديد الخطورة"، وتوعد وزير الدفاع بيت هيغسيث بمطاردة المهاجمين وقتلهم "بلا رحمة". هذا الرد المتوقع قد يؤدي إلى تصعيد العمليات العسكرية في المنطقة الشرقية والوسطى من سوريا، مما قد يزعزع الهدوء النسبي الذي أعقب سقوط النظام.
رسالة الإرهاب: العملية تبعث برسالة واضحة مفادها أن داعش لا يزال قادراً على ضرب أهداف غربية في أي مكان. هذا النجاح التكتيكي يمكن أن يستخدمه التنظيم في التجنيد وتحفيز الأتباع على تنفيذ هجمات مماثلة في دول الجوار (إقليمياً) أو حتى في الغرب (دولياً).
مسؤولية مكافحة الإرهاب: الهجوم يُذكّر بأن عبء مكافحة الإرهاب يقع على عاتق المجتمع الدولي. وبينما أدانت الحكومة السورية الهجوم وتعهدت بالتعاون، يبقى السؤال حول قدرتها الفعلية على تطهير صفوفها وتأمين المناطق غير المستقرة.
الخلاصة: المضي قدماً في طريق محفوف بالمخاطر
إن هجوم تدمر هو جرس إنذار مدوٍّ. إنه لا يمثل فقط خسارة موجعة في الأرواح، بل يمثل نقطة تحول قد تجعل التعاون الأمريكي-السوري أكثر تعقيداً وأشد خطورة. وبينما سارع الجانبان إلى التأكيد على استمرار الشراكة، فإن الطريق أمام دحر الإرهاب في سوريا "ما بعد الأسد" يظل محفوفاً بالمخاطر والاختراقات المحتملة، ويتطلب اليقظة الأمنية القصوى والتعاون الوثيق الذي لا يمكن تحقيقه إلا بـالثقة غير المنقوصة.
