الشيخ الشربيني وبداية عهد الضعف في تاريخ الأزهر

الجمعة 29/مارس/2019 - 05:10 ص
طباعة الشيخ عبد الرحمن الشيخ عبد الرحمن الشربينى
 
يعد عهد الشيخ عبد الرحمن الشربيني هو بداية التدخل الصارخ من جانب الحكام في شئون الأزهر الشريف، فعلى حسب العديد من المؤرخين الذين يرون  أن 5 من أئمَّة الأزهر الشريف، منهم الشيخ عبدالرحمن الشربيني قد شهد الأزهر في عهدهم حالة من الضعف بعد أن كان قويًّا مهابًا عزيز الجانب، وصار ألعوبةً في أيدي الحكَّام، يُقلِّدون مَن يشاءون المشيخة، وينتزعونها ممَّن يشاءون؛ ولذلك فإنَّ مَن تولى منصب المشيخة منهم كان لا يطيقُ صبرًا على البقاء فيها، كانوا يستقيلون المرَّة تلو الأخرى، ويعتكفون في بيوتهم؛ رغبةً في التخفُّف من أعباء وهموم هذا المنصب، ووصل الأمر إلى درجة أنَّ عضوية مجلس الشورى كان لا يصل إليها العزل، وكان شيخ الأزهر عرضة للعزل، على الرغم من أنه كان أَوْلَى بهذه الحصانة وأحق.  

والشيخ عبد الرحمن الشربيني الذي ينسب إلى قرية شربين، هو الشيخ التاسع والعشرون  للجامع الأزهر على المذهب المالكي  وعلى عقيدة أهل السنة والجماعة ونشأ في قريته شربين، وحفظ القرآن الكريم ثم قدم إلى القاهرة تمهيدًا للالتحاق بالأزهر، الذي درس به علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره وظهر نبوغه ورشحه أساتذته للتدريس بالأزهر الشريف، وكان فاهمًا لمشكلات الدراسة والتدريس ويميل إلى دراسة أمهات الكتب والمتون، وكان يحمل الطلبة على التعمق في أصول أمهات الكتب، ودراسة هذه المصنفات، وكان الشيخ عازفًا عن الدنيا وزاهدا فيها، وكان مؤمنا بفكرة المحافظة على القديم، مشفقًا على الأزهر من التطور "المذموم" فيهجر علوم الدنيا إلى علوم الدين. 

فترة ولايته


 صدر قرار بتولية الشيخ الشربيني مشيخة الأزهر في 12 محرم 1323هـ- 1905م، وأقام الخديوي بهذه المناسبة حفلا كبيرًا خلع فيه كسوة التشريفة على الإمام الشربيني، وألقى خطبة محتفيًا بالشيخ، قال فيها:
"إن الجامع الأزهر قد أسس وشُيِّدَ على أن يكون مدرسة دينية إسلامية تنشر علوم الدين في مصر وجميع الأقطار الإسلامية، وأول شيءٍ أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدًا في الأزهر الشريف، فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة، البعيدة عن زيغ العقائد وتشعب الأفكار؛ لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء".
ومن هنا يتضح مدى العداء الذي أضمره الخديوي لمحاربة رجال الإصلاح والتجديد في الأزهر الشريف، وأشاع بأن العلوم الحديثة جناية على الدين، وأن الإسلام يكرهها، وعندما وجد في الشيخ الشربيني عزوفًا عن الدنيا وزهدا فيها، اعتقد أن إسناد مشيخة الأزهر إليه، سيشغله بزهده عن أمور المشيخة، وهذا يتيح لهم أن يبسطوا سلطانهم على الأزهر، ويطلقوا أيديهم في شئون الأزهر وطلابه، وأن يتخذوا من مكانتهم الشعبية قوة يحاربون بها أعداءهم، وقد مرض الشيخ الشربيني فترة أثناء توليه المشيخة وانتدب الشيخ شاكر للإشراف على الأزهر، حتى تم شفاء الشيخ وتولي مهام منصبه. 

مواقفه

باشر الشيخ عبد الرحمن الشربيني مهامه فحد من حركة الإصلاح والتجديد في الأزهر؛ وقف ضد إدخال العلوم الحديثة للأزهر؛ وذلك خوفا من الأزهر وعلمائه وطلابه من بطش الحكام، وقطع رواتب العلماء الطلاب الموقوفة عليهم، ومنع ترميم أبنية الأزهر، ومما يؤكد على ذلك أن الشيخ الشربيني كان زاهدًا في الدنيا معرضًا عن زخارفها، وإنه وقف ضد العلوم الحديثة اعتقادًا وخوفًا من أن يتهاون الطلبة في دراسة العلوم الدينية والعربية والتحقيق والبحث فيها، وكان يخشى أن تصرفهم العلوم الحديثة عن البحث في المصادر والأصول وتستنفد طاقاتهم، فلا يولون العلوم الشرعية واللغوية ما يستحقانها من اهتمامٍ وعنايةٍ ويصبح الأزهر مثل باقي المدارس التابعة لنظارة المعارف "وزارة التربية والتعليم حاليا".
وظل متمسكا بأن يبعد الأزهر عن أهواء الساسة والحكام، ومنع كل محاولات الخديوي للسيطرة على الأزهر الشريف والاستيلاء على أوقافه وأمواله وشئونه من وراء طه الشيخ الشربيني، فأبى عليه ذلك، وقدَّم استقالته في ذي الحجة عام 1324هـ.  

مؤلفاته

ليس للشيخ الشربيني مصنفات ومؤلفات كثيرة، ولكنه كان متعمقًا في الدراسات الدينية، والمراجع القديمة، ومن مؤلفاته:
1- تقرير على حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع للسبكي في أصول فقه.
2- تقرير على حاشية ابن قاسم على شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري لمتن البهجة الوردية (بهجة الحاوي)، وهي منظومة في الفقه الشافعي.
3- تقرير على حاشية "عبد الحكيم" على شرح السيالكوتي على شرح القطب على الشمسية في المنطق. 

شارك