" واللائي لم يحضن".. ونقد التفاسير القديمة
السبت 11/أبريل/2015 - 04:12 م
طباعة
كثر الجدل والحديث بين المهتمين بالشئون الإسلامية وغيرهم حول تفسير آية "واللائي لم يحضن" ومن بين هذا الجدل ما طرحته رولا خرسا في مقالة لها بصحيفة "المصري اليوم": أن هناك آية قرآنية استغلها الغرب في إظهارنا كـ paedophile، وهو نوع من الشذوذ الذي يصف علاقة مع الأطفال وهي: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}، [الطلاق:4]. وتتابع: أن تلك الآية تشهد جدلاً بشأن تفسيرها وكان آخرها فتوى ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية؛ لذلك فإنه لكي نفهم موقع «واللائي لم يحضن» علينا أن ننظر إلى المرأة عموماً وموقفها من العدة المفروضة بعد سؤال الأطباء والمختصين.
ولنا هنا محاولة في فهم النص القرآني نعرضها عليكم بعد سؤال أكثر من طبيب "أمراض نساء" على نصل لفهم عقلاني وعلمي لكتاب الله عز وجدل بعيدا عن التفسيرات القديمة والتي نحترمها ونقدر الجهد المبذول فيها، ولكن لم يتوفر لهم من مناهج البحث العلمي المتوفرة لنا ما يؤهلهم للوصول إلى الحقيقة كاملة، ولا نعي على أنفسنا الوصول إليها، ولكننا نحاول.
إن هذه الآية وتفسيراتها في كتب التفاسير تفتح علينا وابلا من الهجوم غير المبرر فيتخذها أعداء الإسلام حجة لضرب الإسلام؛ حيث التفسيرات المتداولة بأن المقصود من الآية هن الفتيات اللائي لم يبلغن سن المحيض؛ مما يضع القرآن في مواجهة حقيقية حسب هذه التفسيرات مع حقوق الطفولة، وكذلك حقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام. فتضعنا تفسيرات هذه الآية أيضا في مواجهة مع أنفسنا كيف نسمح راضين مسرورين باغتصاب فتياتنا تحت مسمى الشرع الذي تحمله لنا تفسيرات قديمة لم تحط علما بكل شيء. فغير المسلمين يستندون إلى هذه الآية في الهجوم على الإسلام باعتباره دينا يسمح بالاستغلال الجنسي للأطفال، وهو ما يعرف فباللغة الإنجيزية بـ" بيدوفيليا" paedophilia .، ورد هؤلاء حال دفاعنا عن الإسلام هو أن كل كتب تفاسير القرآن تقول بما يقولون، وأننا معشر المسلمين لا نقرأ كتبنا، وندافع عن الإسلام بجهالة. ولديهم الحق تماما فلم يعلم هؤلاء المفسرون أنه من الممكن أن يكون هناك نساء لم يحضن وهن في أعمار متقدمة، فمن الممكن أن يكون لديها عشرون أو ثلاثون عاما ولم تحض، ومن الممكن أن يكون عمرها ثمانين عاما ولم تحض، وتعيش عمرها كله ولم تحض.
فنسبة اللائي يتأخرن في الحيض حوالي 6-7%. نصفهم يأتيه الحيض بعد ذلك والبعض يستمر حاله هكذا، حسب الآراء العلمية الحديثة، ومن الممكن أن تتجوز ولا ينقصها شيء من الناحية الجسدية وبالتحديد الجنسية والعاطفية كامرأة سوى أن فرصتها في الحمل نادرة وتقترب من العدم. غير هذا فهي امرأة مكتملة الأنوثة.
وحسب هذه المعلومة العلمية والتي نستعين بها هنا، ينقلب السحر على الساحر، وإذا بالآية التي يرونها نقطة للهجوم على كتاب الله وعلى الدين الذي جاء به الرسول الكريم، تصبح ذاتها صورة من صور الإعجاز المعرفي الذي يزخر بها القرآن العظيم، وتصبح دليلًا على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، و{إن هو إلا وحى يوحى}.
ولكي نفهم موقع {واللائي لم يحضن} علينا أن ننظر إلى المرأة عمومًا وموقفها من العدة المفروضة؛ فالمرأة بهذا الخصوص هي واحدة من ست حالات:
1- امرأة تحيض حيضًا طبيعيًّا وطلقت من زوجها. وهذه عدتها ثلاث حيضات.
2- امرأة تحيض حيضًا طبيعيًّا ومات عنها زوجها. وهذه عدتها أربعة أشهر وعشر.
3- امرأة كانت تحيض حيضًا طبيعيًّا ولكن انقطع عنها الحيض فترة طويلة لتقدمها في السن؛ مما يجعلها تيأس من أن تحيض مرة أخرى. وهذه عدتها ثلاثة أشهر.
4- امرأة لم تحض من قبل رغم تعديها السن المعتادة أن تحيض عندها المرأة، وطلقت أو مات عنها زوجها قبل أن تحيض. وهذه عدتها ثلاثة أشهر كالتي يئست من المحيض.
5- امرأة حبلى تحمل جنينًا في رحمها، وهذه عدتها أن تضع حملها.
6- امرأة تحيض طبيعيًّا وتزوجت ولكن لم يدخل بها زوجها قبل أن يطلقها أو توفي عنها. وهذه لا عدة لها.
لو أن القرآن الكريم لم يذكر الحالة الرابعة وهي {واللائي لم يحضن} لكانت لدينا مشكلة في تحديد عدتها. وهي حالة نسبة وجودها إلى المجموع العام من النساء لا يزيد عن 6-7% في الوقت الحاضر، وهو ما يعني أنها كانت في مجتمع الصحراء الخالي من أي تلوث بيئي هي أقل من ذلك بكثير. وإذا وضعنا في الاعتبار أن نصفهن يحيض في وقت لاحق لعلمنا ضآلة النسبة النهائية لهذه الحالة. فمن غير ممكن لرجل أميٍّ يعيش في الصحراء أن يعلمه ويضعه في الاعتبار وهو يشرع لأتباعه دينهم الذي يدعوهم إليه، ومما يؤكد هذا الطرح أن كبار المفسرين لم يدر بخلدهم إمكانية وجود مثل هذه الحالة، وإلا ما كانوا أخذوا النص على أنه يعني الصغار.
الله وحده- الذى أحصى كل شيء عددًا- يعلم هذه الحقيقة منذ الأزل، وأنزلها في كتابه الذي لا يأتيه الباطل. وكانت الدقة في استخدام حرف النفي "لم" الدال على الزمن الماضي. وليس حرف النفي "لا" الدال على الزمن الحاضر والمستمر. وأيضًا ليس حرف النفي "لن" الدال على المستقبل؛ ذلك لأن التي لم تحض في الماضي قد تحيض في الزمن الحاضر، أو في المستقبل.
والواضح أن العدة فرضت على النساء اللائي تم الدخول بهن فقط، وليس هناك من عدة على من لم يدخل بها. أي أن العدة ترتبط بحالة تمام حدوث الاتصال الجنسي بين الزوجة وزوجها.
نتيجة بسيطة لما سبق ألا وهي أن كل التفسيرات القديمة جاءت في سياقات اجتماعية وتاريخية وثقافية ومعرفية معينة، وكانت هذه التفسيرات ملزمة في السياق التاريخي الذي أنتجها، ولكنها ليست ملزمة لنا بالمرة حيث التوسع المعرفي والتطور الحادث في آليات ومناهج البحث العلمي؛ مما يعطينا القدرة على إنتاج تفسيرات خاصة بنا تتفق وظرفنا التاريخي من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون هذه التفسيرات التي من الممكن أن ننتجها غير ملزمة للأجيال القادمة، وبهذا تتحقق مقولة صلاحية "القرآن" لكل زمان ومكان.