الإسلام كما تريده واشنطن (1-2)

السبت 18/أبريل/2015 - 09:26 م
طباعة
 
في شهر أبريل من عام 2004، أسست مجموعة من الباحثين المهتمين بدراسة الفكر الإسلامى على المستويين النظرى والحركي، مركزًا يحمل اسم "المركز العربى لدراسة الحركات الإسلامية"، بهدف دعم أفكار التسامح والتعايش السلمى بين أتباع كل الديانات، وتأكيد مفاهيم المواطنة والحوار وقبول الآخر، وتفنيد مزاعم تيار الإسلام السياسي، حول الديمقراطية وقبول الآخر واستخدام العنف في السياسة.. إلخ.
وضع المركز خطة طموحة لتحقيق رسالته، فأصدر موسوعة عن الحركات الإسلامية في ستة أجزاء، وبدأ في إعداد عدد من المشروعات البحثية المهمة.. ولأن المركز يؤمن بضرورة التفاعل مع كل المراكز البحثية، فإنه لم يجد حرجًا في قبول عرض تقدم به أحد المراكز التي تمول بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، لإصدار مجموعة من الكتيبات لتعريف أمريكا والغرب بالإسلام، على أن يكون أولها عن "الإسلام وحرية الرأى والتعبير" يصدر باللغة العربية، وتتم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية ويوزع في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، جاء قبول العرض من منطلق أن المستهدف من سلسلة الكتيبات هو الطرح العلمى الموضوعى للخطاب الإسلامى الحقيقي، والرد على الصورة النمطية السلبية السائدة، حيث يقترن الإسلام والمسلمون بالتطرف والعنف والإرهاب، وحيث يشيع الخلط والجهل بالقيم الإسلامية الصحيحة، تم إعداد الكتاب متضمنًا ثلاثة فصول: الأول يتحدث عن القرآن وحرية الرأى والتعبير، والثانى حول ممارسات الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وحرية الرأى والتعبير، والثالث حول حرية الرأى والتعبير في الفكر الإسلامي.
كانت الفكرة الجوهرية للدراسة الموجزة، تسليط الضوء على حقيقة الدين الإسلامى الذي يؤمن بالتعددية الفكرية، ويدعو إلى حرية الآخر في الاحتفاظ بعقيدته المخالفة، ويعلى من شأن الصراع الفكرى البعيد عن الإسفاف والتهوين، فلا إكراه في الدين ولا اعتداء على الآخر المسالم، ولا قهر أو إرغام على اعتناق الإسلام، أو أداء مناسكه بالنسبة للمؤمنين به، وإذا كان سلوك المسلمين يبدو مغايرًا في بعض الفترات التاريخية فإن مثل هذا السلوك لا يلزم الإسلام نفسه بما ليس فيه.
المفاجأة المحزنة تمثلت في الملاحظات التي سجلها المركز المعنىّ على أصول الكتاب، عندما أعيد إلىّ بعد مراجعته من قبل المشرفين على هذا الحقل من الدراسات، وهى ملاحظات تكشف عن حقيقة الرؤية الأمريكية التي لا تستهدف شرح حقيقة الإسلام، بل تسعى إلى تكريس الوجه السلبى المنفر المغلوط، لقد أعاد المركز مخطوطة الكتاب وأرفق بها ملاحظات يرى ضرورة "الاهتداء" بها حتى "يمكن" نشر الكتاب!
كتب المشرف على مراجعة الدراسة أو السلسلة ما يلي بخط يده: "إن حرية الرأى والتعبير تتضمن حق النصارى واليهود في التمسك بدينهم دون أن ينتقص هذا من مقامهم، وعليه يجب تفسير الآيات التي تتعارض مع هذا المبدأ ولا يجوز إغفالها كأنها غير موجودة، تلك الآيات التي تنبه على المسلمين عدم أخذ النصارى واليهود كأصدقاء، والآيات التي تمنع (ولية)- هكذا كتبت في نص الملاحظات- غير المسلم على المسلم".
غلب على الملاحظات اللغة الركيكة المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، فما معنى «عدم أخذ» النصارى واليهود كأصدقاء؟ وكيف لمفكر يشرف على هذا النوع من الدراسات يكتب كلمة «ولاية» بمثل تلك الصورة المضحكة: "ولية"؟! وفضلاً عن هذا الخلل الشكلى الفاضح الفادح فإن الملاحظة المكتوبة "سابقة التجهيز"، فالكتيب يحلل ظاهرة الفهم المغلوط ويبرهن على الحقوق الدينية لغير المسلم، ويؤكد على أن الإسلام يدعو إلى التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة، لكن كاتب الملاحظات يرى وجود آيات - لا يذكرها - تنفى ذلك كله، وتطالب المسلم بـ«عدم أخذ» النصارى واليهود كأصدقاء! لقد قدم الكتيب رؤية موضوعية موثقة لعلاقة الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع يهود المدينة، وبرهن على أنه- عليه السلام- كان عادلا منصفا في تعامله معهم، فقد كان العقاب الذي حل بهم نتيجة منطقية لخيانتهم الوطنية، أثناء غزوة الخندق الشهيرة، واتفاقهم مع أعداء المسلمين على صنع ثغرة ينفذون منها إليهم، وليس لعقيدتهم الدينية، ولولا أمر من الله سبق وعاد المعتدون دون قتال، لكان للخديعة دور كبير في خسارة المسلمين للمعركة، بما يترتب على ذلك من قتل للرجال وسبى للنساء وفق ما جرى عليه العرف عند العرب. لكن السيد كاتب الملاحظات، وعينه بالضرورة على النفوذ الصهيونى القوى في الولايات المتحدة، يطالب بحذف المعالجة الموضوعية، ويكتب بخط يده: «كتابة التاريخ من هذا المنظور الإسلامى يقابله دون شك منظور يهودى مخالف تماما»، ثم يطالب بـ«التركيز فقط» على ما يخدم «هدف الكتاب» خدمة مباشرة!.
يذكر "الكتيب" أن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يعاقب اليهود لأسباب دينية وأنه أتاح لهم حرية التعبير عن معتقداتهم وممارسة شعائرهم، لكنه توقف عند خيانتهم الوطنية للوطن الذي يعيشون في كنفه، لكن من الواضح أن هذا كله، عند واضع الملاحظات، وهو أمريكى الجنسية بالمناسبة، لا يخدم «الأهداف» التي يريدها المركز لأنه يريد التوجه إلى الغرب بما يريدونه وليس بما يجب معرفته، ويسعى إلى تجنب إغضاب الصهيونية ذات النفوذ القوى المؤثر، ولا يتورع في سبيل ذلك عن التشكيك في التاريخ الإسلامى والتعاطف مع التاريخ الذي يكتبه المستشرقون الغربيون!.
السيد كاتب الملاحظات محكوم بفكرة مسيطرة تقول بأن الإسلام ضد حرية الرأى والتعبير، ويقوم على القهر والإكراه، وفى القرآن الكريم والسنة النبوية وأفعال الصحابة ما يثبت وجهة نظره غير المنصفة وغير العلمية. ما الذي يقوله عن القرآن والسنة والصحابة؟!. يستشهد الكتيب بآيات القرآن الكريم التي تحدى فيها الله سبحانه وتعالى الملائكة بمخلوقه الجديد "آدم"، الأمر الذي يدلل على عمق فكرة تكريم الإنسان في القرآن الكريم، تمهيدًا لمنحه كامل الحرية في الاختيار، ويرد على الملائكة عندما يتساءلون عن سر خلافة آدم: «إنى أعلم ما لا تعلمون»، ويعلق كاتب الملاحظات خفيف الظل عميق الثقافة بالقول: «هل هذا رد شاف لسؤال الملائكة؟!». لأنه يجهل كيفية قراءة القرآن وإدراك معانيه ومراميه فإن ملاحظاته تصل إلى هذا القدر الهائل من الاستخفاف والسطحية!.

شارك