منع رجال الدين من السياسة في المغرب.. تتويجًا لعقد من "إصلاحات الحقل الديني"

الخميس 03/يوليو/2014 - 09:44 م
طباعة ملك المغرب ملك المغرب
 
ملك المغرب محمد السادس
ملك المغرب محمد السادس
واصل ملك المغرب محمد السادس، تصديه للتطرف والتشدد وإصلاح العمل الدعوي في ظل ما تعانيه الدول العربية والإسلامية من ظهور جماعات التطرف والتشدد، والتي تحول بعضها إلى جماعات إرهابية تهدد الأمن والسلم الاجتماعي والنسيج الوطني.
في أول قرار من نوعه في المغرب، منع الملك المغربي أئمة وخطباء المساجد، وجميع العاملين في الميدان الديني، من ممارسة أي نشاط سياسي، ومن اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي، ومن قيامهم بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية.
ووقع العاهل المغربي مرسوما ملكيًا، جرى بموجبه منع الإخلال بالطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء الواجب في الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، في إشارة واضحة إلى المساجد.
منع رجال الدين من
ويعتبر القانون مرحلة الثانية من إصلاح الإصلاح الذي مس الحقل الديني المغربي عقب تفجيرات 16 مايو2003 الإرهابية، من خلال صدور أربعة قوانين جديدة، خيم عليها بالأساس هاجس إبعاد القيمين الدينيين لمهام إمامة الصلاة والخطابة عن الصراعات السياسية والحزبية.
ودعا المرسوم الجديد كل العاملين في الحقل الديني المغربي إلى التحلي بصفات الوقار والاستقامة والمروءة، بالإضافة إلى منعهم من مزاولة أي نشاط مدر للمال في القطاع الحكومي أو الخاص، إلا بترخيص مكتوب من الحكومة، باستثناء الأعمال العلمية والفكرية والإبداعية، التي لا تتعارض مع طبيعة مهام رجل الدين.
ولتلقي الشكايات عند حصول أي "حيف أو ضرر"، نص القانون الجديد على استحداث لجنة للبت في شكايات وتظلمات القيمين الدينيين.
بموجب القانون التنظيمي الجديد للعاملين في الحقل الديني، يتوجب الالتزام بأصول المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، وثوابت الأمة المغربية، "مع مراعاة حرمة الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، وواجب ارتداء اللباس المغربي".
يأتي هذا المرسوم الجديد في سياق ما تسميه الرباط "إصلاحات الحقل الديني"، التي انطلقت في أعقاب أول تفجيرات إرهابية هزت مدينة الدار البيضاء في ربيع العام 2003.
ويهدف القانون الجديد للعاملين في الحقل الديني، إلى بناء مجتمع متراص متضامن، ومتمسك بمقوماته الروحية، ومتفتح على روح العصر، ومبتعد عن كل تعصب أو غلو أو تطرف، وينص قانون الانتخابات في المغرب على منع استعمال المساجد في أي حملة انتخابية.

استكمالًا للإصلاح.. الدعوة ومواجهة التطرف

ملك المغرب ومواجهة
ملك المغرب ومواجهة التطرف
تعالت في المغرب خلال السنوات العشرة الماضية أصوات عديدة، تدعو إلى ضرورة تدبير وإعادة هيكلة الشأن الديني، وصدرت تلك الأصوات من فئات مجتمعية متعددة، مثقفين وجامعيين وأحزاب ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني، خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في مايو 2003.
ففي خضم تصاعد التيار الديني الإسلامي بالمغرب عام 2004، أعلن محمد السادس إصلاحاً واسعاً في مجال صلاح الدعوة، في ما اعتبر بمثابة "ثورة صامتة"، ترافقت مع "فوضى فتاوى" ساهمت في تضخيمها بعض الفضائيات ومواقع الإنترنت.
وتناول هذا الاصلاح إعادة هيكلة وزارة الشئون الإسلامية وتعديل القوانين المتعلقة بأماكن العبادة وتحديث التعليم الديني في المملكة، كما تم إنشاء المجلس العلمي الأعلى لتوضيح المواقف الدينية من مواضيع تهم الرأي العام وضبط الفتاوى.
وكان الرأي العام الدولي قد استنكر فتوى صدرت عن الشيخ المغراوي، الذي كان يشرف على جمعية دار القرآن في مراكش (وسط)، والتي أجاز فيها زواج البنات في سن التاسعة، عام 2008، وهي فتوى دانها المجلس العلمي الأعلى، وأدت إلى حظر الجمعية.
المجلس العلمي الأعلى
المجلس العلمي الأعلى
في نفس السنة، انطلق محمد السادس في إصلاح المجلس العلمي الأعلى وأئمة المساجد. ولم تستثن الجالية المغربية في الخارج من تلك الجهود؛ حيث انشئ مجلس علماء مغاربة في اوروبا.
وتجسيداً لهذه الحملة، انطلق المغرب، في يونيه 2009 ، برنامج واسع لتأهيل أئمة المساجد في المدن والأرياف، حتى أعلن وزير الشئون الإسلامية أحمد توفيق "لدينا أكثر من 45 ألف إمام، وتبين من إحصائيات 2006 أن 82% من الأئمة ليس لديهم أي مستوى تعليمي، وإنما هم فقط حافظون للقرآن"، وفي السياق نفسه تم تأهيل عدد من الداعيات، ما يدل على رياح الانفتاح والحداثة التي تهب على الحقل الديني في المغرب.
كذلك طال الإصلاح المعهد العالي للدراسات الإسلامية "دار الحديث الحسنية" التي كانت حتى الآن تدرس العلوم الإسلامية والشريعة فقط، وباتت تدرس أيضًا مواد مثل الدراسات الدينية المقارنة واللغات القديمة منها والحية والعلوم الاجتماعية والاقتصادية.
وتجسّد الإصلاح أيضًا في إطلاق قناة تليفزيونية وأخرى إذاعية مكرستين للإسلام.
ومن الجوانب الأخرى لهذا الإصلاح، تقديم منح بحثية للأئمة والدعاة وخريجي جامعة القرويين للعلوم الدينية في مدينة فاس (وسط) للدراسة في جامعات انغلوساكسونية.

رؤي حول مشروع إصلاح الحقل الديني

مؤسسة دار الحديث
مؤسسة دار الحديث الحسنية
وعن حصيلة عشر سنوات من الإصلاح والتأهيل للحقل الديني بالمغرب، يقول عبد النبي عيدودي، مدير المركز المغربي للقيم والحداثة، إن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس استند في رؤيته الثاقبة لمشروع الإصلاح الديني إلى ثلاثة أركان: الركن الأول يتمثل في المندوبيات الجهوية والإقليمية للشئون الإسلامية، والركن الثاني في الأوقاف، فيما يهم الركن الثالث المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية.
وأضاف" عيدودي"، أن مخطط التأهيل المحلي للمساجد سيحقق مبدأ العمل التشاركي القريب من المواطن، وسيقرب العالم من المواطن بشكل سهل ودائم ومتصل، وسيجعل مسألة ضبط الخطاب الديني داخل المساجد ممكنة وسهلة ومطابقة للثوابت الدينية للمملكة: عقيدة وفقهًا وسلوكًا وإمارة المؤمنين.
وأكد أن ميثاق العلماء، من حيث هو عقد يربط بين العلماء والإمامة العظمى التي تحفظ لهذه الأمة وحدتها العقدية والمذهبية، يهدف إلى توحيد الخطاب الديني بالمغرب وتأهيل القيمين الدينيين علميا ومنهجيا لتكون لهم القدرة على مواجهة أفكار التطرف والتشويش الدخيلة على ثوابت الدين الإسلامي السمح.
وأشار إلى أن هناك أيضا الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء التي أصبحت الفتوى بفضلها منظمة ومن اختصاص هذه الهيئة العلمية المكونة من 15 عالمًا، لها من الكفاية العلمية والفقهية ما يؤهلها للاهتمام بشئون وقضايا الأمة المغربية ومراعاة مصالحها وأحوالها في كل الفتاوى التي تصدر عنها.
واعتبر محمد خالدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، أنه لتفادي فتاوى كتلك التي أصدرها الشيخ المغراوي "يجب أن يكون رجل الدين مُلمًّا بعلم النفس والطب، حيث لا تكفي حيازة شهادة في الدراسات الإسلامية ليكون المرء عالماً".
ويرى محمد حمداوي، رئيس حركة الوحدة والإصلاح، الجمعية القريبة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي أن "التحدي الحقيقي هو التمكن من الرد على طلب المغاربة في مجال الفتاوى، بدلاً من التوجه الى مفتي القنوات الفضائية الشرقية".

شارك