الخبير السويدي آرون لوند: "داعش" و"القاعدة".. صراع الأجيال في السلفية الجهادية

الخميس 10/يوليو/2014 - 02:18 م
طباعة الخبير السويدي آرون
 
وسّع تنظيم "الدولة الإسلامية" (المسمى داعش) نشاطاته من العراق لتشمل سوريا، الذي بلغ عدد مقاتليه المتزايد فيها نحو 5000 رجل.. الخبير في شئون الجماعات الجهادية والكاتب السويدي آرون لوند ألّف عدة دراسات حول مشهد المجاهدين في سوريا، ويسلط الضوء على إستراتيجيات هذا التنظيم المتطرف في حواره التالي مع منى سركيس لموقع قنطرة الألماني.
تنظيم داعش
تنظيم "داعش"
السيد لوند، كيف يقوم تنظيم داعش بتمويل نفسه؟
آرون لوند: يتم تمويله جزئيًا من خلال رجال الدين ورجال الأعمال في دول الخليج. بيد أنَّ تنظيم داعش يموّل نفسه بصورة رئيسية بنفسه: من خلال الإتاوات، ومن خلال الرسوم الجمركية التي يفرضها على عبور حواجزه الحدودية، ومن خلال بيع الأسلحة التي يستولي عليها، وكذلك من خلال سيطرته على حقول نفط معيَّنة في شمال سوريا.
من المفترض أنَّ مقاتليه يحصلون بفضل هذه الموارد مثلما يُقال على رواتب سخية تبلغ 400 دولار لكلّ مقاتل في الشهر. فهل ينطبق هذا على المجاهدين الأجانب؟
آرون لوند: أعتقد أنَّ العكس هو الصحيح: فتنظيم داعش يستفيد منهم ماليًا. إذ إنَّ الكثيرين من الأجانب يسافرون في الواقع ليموتوا في سوريا، أو من أجل القيام بعمليات انتحارية؛ ولذلك فهم يجلبون معهم أمولهم الخاصة أو ما حصلوا عليه من مبالغ إضافية، ويشترون بها أسلحتهم الخاصة.
إنَّ الأجانب لا يشكّلون فقط وقوداً رخيصاً للحرب، بل يسهمون أيضاً في تأمين نفقات تنظيم داعش. فهل يضمّهم لهذا السبب عن طيب خاطر إلى صفوفه؟
آرون لوند: بكلّ تأكيد. ولكن في الواقع إنَّ المجاهدين الأجانب ليسوا شيئاً جديداً في الشرق الأوسط. فقد كانوا موجودين في شبكات تنظيم القاعدة في كلّ من أفغانستان والعراق. وتنظيم داعش يواصل ذلك، بكثير من الفخر والاعتزاز. وبحسب آرائه فإنَّ الأجانب هم مسلمون بارزون يسيرون على طريق النبي، وذلك من خلال هجرتهم وإسهاماتهم في إقامة الدولة الإسلامية.
كيف يدعم تنظيم داعش طموحاته الدينية؟ هل يقوم بتأويل القرآن؟ وهل ينشر مقالات- أو على الأقل بيانات؟
آرون لوند: توجد لديه خطب دينية لزعمائه وفقهائه أكثر من وجود البيانات السياسية التقليدية. ومعظم الجماعات الجهادية تعمل بهذا الشكل؛ وذلك لأنَّ القرآن يعتبر بحسب اعتقادهم قدوة للمجتمع البشري. وبالتالي فإنَّ الأمر لا يتعلّق بإضافة شيء عليه، بل يتعلّق فقط بتفسيره تفسيرًا صحيحًا.

القطيعة الكبيرة بين "داعش" و"القاعدة"

القطيعة الكبيرة بين
أدَّت القطيعة في العام الماضي 2013 بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة" إلى إثارة أكبر ضجة حتى الآن في تاريخ هذه الشبكة الإرهابية. فكيف حدث ذلك؟
آرون لوند: قبل شهر أبريل 2013، كانت جماعة أبو بكر البغدادي تعرف باسم "الدولة الإسلامية في العراق" وكانت تعتبر على العموم جزءاً من تنظيم القاعدة. ولكن البغدادي لم يكن يريد حصر جهاده ضمن العراق. لقد اتَّسع نطاقه في عام 2011 في الخفاء، وذلك من خلال تأسيسه جماعة جبهة النصرة في سوريا. ثم قام في شهر أبريل 2013 بتحويل اسم جماعته وبشكل ملفت للنظر إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وطالب جبهة النصرة بالانضمام إليه.
قوبل طلبه هذا بالرفض من قبل الكثيرين من زعماء جبهة النصرة الذين أعلنوا ولاءهم لأيمن الظواهري، الذي يعدّ أعلى أمير في تنظيم القاعدة وقد رفض قرار أبي بكر البغدادي. وهذا الرفض يعود إلى أسباب كثيرة، بما فيها خلافات شخصية وأيديولوجية. ولكن في الحقيقة، على الأرجح أنَّ الطرفين يتنافسان وبشكل أساسي على دخول الحرب في سوريا، وهذه الحرب مرتبطة بموارد طبيعية وبالمقاتلين الأجانب وبالأسلحة وبمكانة كبيرة في حركة الجهاد العالمية.
وفي آخر المطاف أدَّى هذا النزاع إلى قطيعة تامة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، وفي بداية عام 2014، حينما بدأ تنظيم داعش وجبهة النصرة مقاتلة بعضهما البعض في سوريا، كانت جميع محاولات الوساطة بينهما قد تحوّلت إلى جزء من الماضي.
ما هي الاختلافات بين وجهتي نظر أبي بكر البغدادي وأيمن الظواهري؟
آرون لوند: في عام 2005 أعرب أيمن الظواهري عن انتقاده لأبي مصعب الزرقاوي زعيم المتطرِّفين، الذي تم قتله في وقت لاحق- على إفراطه في استخدام العنف ضدّ الشيعة في العراق. وعلى العموم فإنَّ الظواهري يدعو إلى اعتدال تكتيكي والتعاون مع الجماعات الإسلامية الأخرى، في حين أنَّ تنظيم داعش غير مستعد لتقاسم السلطة.
ومنذ الانشقاق في عام 2013 بدأ الطرفان تعريف نفسيهما في معارضتهما لبعضهما البعض وكذلك في خلافاتهما الأيديولوجية، التي لم تكن موجودة منذ البداية. وأحيانًا كان كلّ هذا يفضي إلى سخافات. على سبيل المثال، اتَّهم أبو بكر البغدادي تنظيم القاعدة باحترام معاهدة سايكس بيكو، وبرَّر ذلك بأنَّ تنظيم القاعدة كان يريد إبعاده من العراق- أي عن الحدود التي وضعتها القوى الاستعمارية. بيد أنَّ تنظيم القاعدة لا يحترم بطبيعة الحال هذه الحدود- بل أراد فقط لجم البغدادي وإبقاءه تحت السيطرة.
ومبدئيًا من الممكن وجود نوع من صراع الأجيال في داخل الحركة السلفية الجهادية. فعلى أية حال يبلغ عمر الظواهري 64 عامًا، وعمر البغدادي 43 عامًا، ومعظم رجال الدين الكبار في السن أيّدوا الظواهري. صحيح أنَّه لا يتعيَّن إعطاء الاختلافات الحالية حجمًا كبيرًا، ولكن يبدو وعلى نحو ما أنَّ تنظيم داعش يجسِّد العقيدة الجهادية المتطرِّفة، التي انبثقت عن الحرب في العراق والدعاية الجهادية على الإنترنت، في حين أنَّ تنظيم القاعدة لديه جذوره في أفغانستان وفي تلك الشبكات الإرهابية الصغيرة والمنضبطة، التي تعمل في الخفاء وتعود إلى الثمانينيات والتسعينيات.
يَسْبَح حاليًا تنظيم داعش وخاصة في العراق فوق موجة من النجاح، وعلى الأرجح أنَّ هذا النجاح سوف يزيد من إقبال الجهاديين الأجانب على هذا التنظيم. ولكن السؤال ما مدى ترسّخه لدى أبناء الشعبين العراقي والسوري؟
آرون لوند: جماعة البغدادي تنشط في العراق منذ فترة أطول بكثير من نشاطها في سوريا. وهناك في العراق، حيث تتواجد هذه الجماعة، يميل المجتمع إلى المحافظة وإلى الهياكل القبلية، التي يعرف تنظيم داعش كيف يستغلها بصورة جيدة من خلال تحالفاته مع زعماء العشائر. والعشائرية في المجتمع السوري أقل بكثير نسبيًا عما هي عليه في العراق، ولكن مع ذلك من المعروف أنَّه حيثما توجد العشائرية، فهناك وجود أيضًا لتنظيم داعش. أي على نهر الفرات، شرقي حلب، في الرقة وفي محافظة دير الزور، التي يريد على الأرجح غزوها بشكل تام في القريب العاجل. ولكنه لا يسعى فقط إلى كسب تأييد العشائر التقليدية، بل إلى كسب تأييد جميع الأهالي السُّنة- أو على الأقل تأييد فئاتهم الدينية المحافظة. وهو ينجح في ذلك أيضًا إلى درجة معيَّنة؛ ولهذا السبب فإنَّ هذه ظاهرة مثلما كانت الحال مع حركة طالبان: إذ يتم إدخال شكل متطرّف من الإسلام إلى مجتمع لا يوجد فيه لهذا الشكل المتطرّف سوى جذور قليلة.
ولكن هذا الشكل المتطرِّف يتمتَّع بقدر معيَّن من القبول من خلال محاكمه الشرعية، التي تهتم في خضم الحرب بتطبيق القانون والنظام. صحيح أنَّ الأهالي هناك يضطرون إلى الخوف من أن تتم معاقبتهم بسبب تدخين سيجارة. ولكنهم لا يضطرون إلى الخوف من تعرّضهم للسرقة، وذلك لأنَّ تنظيم داعش يحترم الشريعة، التي تحمي الملكية الخاصة.

أولويات تنظيم "داعش"

في وسط اضطرابات الحرب يبدو من دون شكّ أنَّ كلّ عمل من أجل القضاء على الفوضى هو عامل استقرار. ولكن مع ذلك، فقد اندلعت هذه الحرب في الأصل من أجل محاربة الدكتاتورية. والآن يتساءل الكثيرون: لماذا لا يعمل تنظيم داعش ضدّ القوَّات الحكومية؟
آرون لوند: هو يفعل ذلك الآن، على الرغم من أنَّه كان مشغولاً في السابق وبصورة رئيسية مع ميليشيات المتمرِّدين الأخرى والميليشيات الكردية. وهؤلاء جميعهم يعتبرون بالنسبة له أعداء "الدولة الإسلامية"؛ ولهذا السبب فإنَّ حساباته تكمن في أنَّه سيعمل بمجرَّد استقرار "الدولة الإسلامية" على محاربة النظام السوري- مثلما يحارب الآن ضدّ النظام العراقي.

شارك