مخاوف و طموحات تركيا بعد الاتفاق النووي الإيراني

الخميس 13/أغسطس/2015 - 06:40 م
طباعة
 
لا شك أن ايران وتركيا لهما السطوة الجيوسياسية علي الدول العربية الشرق اوسطية ، وان علاقات كلا من القوتين تتأثر بالسلب أو بالإيجاب علي ما يحدث من تغير في  استراتيجية و مخططات أيا من الدولتين ، وتاريخيا ظل المستقيل النووي لكل من الدولتين يلقي بظلالة علي الجانب الاخر، من المعروف تاريخيا ان تركيا ارتبطت بحلف الناتو باتفاقيات عسكرية سمحت بزرع ما يقرب من أربعين  الي خمسين رأسا نوويا في القواعد العسكرية في تركيا التابعة لحلف الناتو،  وبالطبع فالجانب التركي لم يكن لدية مخاوف من اي عدوان إيراني سواء نووي او بالأسلحة التقليدية ، لأن مثل هذا العدوان سيعتبر عدونا علي الناتو والاتحاد الأوربي ، وهذا ما يفسر رفض تركيا دخول منطقة الشرق الأوسط  سباق حلبة التسلح النووي وتطالب بمشاريع دولية تحد من هذا السباق بشرط ان تشمل هذه المشاريع دولة إسرائيل ، وعندما أعلن عن( الاتفاق النووي ) ما بين إيران ودول 5+1في الشهر الماضي رحبت تركيا وباركت بتوقيع الاتفاق ، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية التركي جاويش أغلو بالاتفاق في أطاره الأولي مؤكدا علي أن عملية تخصيب اليورانيوم داخل إيران يجب أن يقتصر علي الأغراض السلمية وعلي ضرورة الرقابة الدولية الدقيقة ، وبالفعل جاءت بنود الاتفاق النهائي تدعم وجهة النظر التركية حيث تطمح تركيا دعم وزيادة قوتها الصناعية النووية لتوليد الكهرباء والطاقة لسد العجز الشديد من احتياجاته من البترول والغاز الطبيعي فتضطر للاستيراد من الخارج خاصة من إيران وروسيا مما يكلفها حوالي 60 مليار دولار فاتورة الطاقة سنويا ، لذلك تسعى تركيا للاستفادة من بنود الاتفاق النووي والذي يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بالداخل في تطوير مشاريعها النووية السلمية الخاصة بإنتاج الطاقة ، وبهذا يعترف الاتفاق ضمنيا بحق كل دولة عربية وإسلامية في المنطقة لتدشين برنامجها النووي السلمي الخاص بها  ، مما يدعم مشاريع تركيا ببناء العديد من المفاعلات النووية بالتعاون مع شركات روسية ويابانية في مجال الانتاج السلمي للطاقة ، حيث تقوم الأن بمشروع نووي سلمي بجنوب تركيا  (اكوي ) يهدف إلي بناء أربعة مفاعلات نووية بمدينة مارسين بتكلفة حوالي 20 مليار دولار وبقدرة 1200 ميغاوات للمفاعل النووي الواحد ، علما بأنه قد تم توقيع اتفاق مع الحكومة اليابانية يتضمن بندا يركز علي عملية تخصيب اليورانيوم واستخراج البلوتونيوم ، كما تم توقيع اتفاق مع روسيا ببناء مفاعلين نوويين  في جنوب شرق تركيا ، وعلي هذا نؤكد أن تركيا تبارك الاتفاق النووي لشرعنه تطوير مشاريعها النووية بالإضافة الي ما ستجنيه من نتائج إيجابية علي خلفية رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وتاريخيا فإن تركيا كانت من أشد الدول دعما لإيران في مرحلة الحصار والعقوبات الاقتصادية في محاولة أن تتجاوز إيران مشاكلها الداخلية بتأمين لوازمها الاقتصادية الضرورية عن طريق التبادل التجاري بين البلدين ، ففي عام 2006 أعلنت تركيا رفضها للعقوبات المفروضة علي إيران ، كما قامت بالتوسط بين إيران والغرب وإطلاق عملية تفاوضية بالتعاون مع البرازيل لحل الازمة الايرانية ، اما أبرز المواقف التركية فكان في 2010 عندما أعلنت تركيا تحديها للعقوبات الأمريكية الأوربية وقامت بالتصويت ضد قرار فرض عقوبات علي طهران وكانت تركيا وقتها عضوا في مجلس الأمن ، وبالنسبة لتركيا يظل الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري هو الأهم حيث ادى تشديد العقوبات علي إيران خاصة منذ عام 2012إلي تراجع حجم التبادل التجاري بين طهران وأنقرة من22 مليار دولار عام 2012 إلي 13.7ملياردولار عام 2014 ،  وتراجعت الصادرات التركية من 10مليار دولار إلي4مليار دولار بخسارة 6 مليار دولار سنويا، وتأمل تركيا بعد توقيع الاتفاق ورفع العقوبات إلي مضاعفة حجم التبادل التجاري بين البلدين من 14 مليار دولار إلي 30 مليار دولار سنويا وهذا ما نص عليه الاجتماع الثنائي للجنة الاستراتيجية العليا في طهران خلال زيارة أردوغان في شهر ابريل الماضي ، وفي مجال الطاقة لاشك بأن رفع العقوبات عن إيران سيسمح لها بتصدير المزيد من البترول والغاز الطبيعي  ،وبما أن تركيا تعتمد علي الغاز الايراني تستطع الحصول علي احتياجاتها بما يتناسب مع طموحاتها التنموية وبأسعار أرخص من السوق العالمي حسب ما تنص علية الاتفاق بين البلدين ، وقد عرض أردوغان خلال زيارته الاخيرة علي مضاعفة حصة تركيا من الغاز المستورد في حالة تخفيض السعر وقد تلجأ إيران الي تخفيض السعر بنسبة16%، كما سيسمح الانفتاح الاقتصادي للشركات التركية التي تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير(حوالي 100 شركة) والمقاولات التي نفذت استثمارات بحوالي 530 مليون دولار ،إذن تركيا ستجني الكثير من ثمار الاتفاق النووي من الناحية الاقتصادية ، اما علي جانب النفوذ السياسي في المنطقة والصراع بين طهران وأنقرة للهيمنة علي ريادة المنطقة كل علي طريقة ،مبدئيا فأن الاتفاق النووي لم تتضمن بنودة من قريب أو بعيد علي سلوك إيران بالمنطقة خاصة في مناطق الصراع (سوريا – العراق-اليمن –لبنان- وحتي إسرائيل ) وهذا ما أثار غضب معظم الدول العربية خاصة دول الخليج وهو ما يفسر زيارة وزير الخارجية الأمريكي الاخيرة في محاولة لطمأنته مع التأكيد علي أن امريكيا لن تسمح لإيران بالتلاعب بالمنطقة ومن جانبها فأن تركيا تصطف مع دول الخليج في مواجهة التمدد الإيراني، خاصة وأن العقيدة الايرانية وهو مبدأ ولاية الفقيه ستعمل علي إثارة ودفع المسلمين الشيعة في معظم بلدان الخليج إلي التحرك لصالح إيران خاصة أن الأخيرة بيضت وجهها دوليا بتوقيع الاتفاق مع الغرب وأنهت حالة الصراع سلميا ، أن أكثر المخاوف التركية من نتائج الاتفاق هو تطور القدرات العسكرية الايرانية وبسط نفوذها علي المنطقة ،ودائما ما تتهم تركيا ايران بأثارة القلائل بالمنطقة وبدعم الاكراد وحزب العمال الكردستاني في صراعه الدائم مع النظام التركي وترى تركيا ان ايران تدعمهم بمليشيات من فيالق القدس وتعمل على دفع الاكراد للمطالبة بإقامة حكم ذاتي على أراضي تركية / عراقية / سورية وأكثر ما يقلق تركيا ه و الدعم الإيراني المطلق لنظام بشار الاسد.                                                 
فترى كيف ستدير تركيا علاقتها مع ايران بين الطموحات والمخاوف المستقبلية

شارك