بعد تفجيرات "ديالي" المتاخمة لإيران.. من يُشعل العراق؟

الجمعة 22/أغسطس/2014 - 10:03 م
طباعة تفجير مسجد في ديالي تفجير مسجد في ديالي
 
مع تراجع ما يسمى بـ" تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)" الإرهابي، علي الأرض في العراق ومع وجود إصرار دولي علي مهاجمة التنظيم وإنهاء وجوده، يبدو أن هناك قوى سياسية وإقليمية ترفض ذلك وتريد إشعال الأرض وحرق العراق، عبر حرب مذهبية طويلة تقضي علي الأخضر واليابس في بلاد الرافدين، أو تفتته إلى دويلات ويصبح العراق دولا لطوائف لا تستطيع التعايش معا.

مليشيات شيعية تفجر مسجدًا سُنيًا

هجوم داخل مسجد مصعب
هجوم داخل مسجد مصعب
فقد وردت أنباء من العراق عن مقتل 73 شخصًا على الأقل، وإصابة العشرات في هجوم داخل مسجد مصعب بن عمير في قرية إمام ويس، في محافظة ديالى العراقية، بحسب آخر حصيلة قدمها مصدر في مستشفى المقدادية العام، وكانت الحصيلة الأولية تشير إلى مقتل 32 شخصًا.
وفتح المسلحون الذين يعتقد أنهم ينتمون لميلشيا العصائب الشيعية النار على المصلين أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجد ببلدة إمام ويس، الواقعة على بعد (65 كم شرق بعقوبة) ذات الغالبية السنية في محافظة ديالى، ووقع الهجوم في منطقة كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية حتى وقت قريب.
وقال مراسل البي بي سي، حداد صالح، في العاصمة العراقية، إن دورية يعتقد أنها تابعة للعصائب قد تعرضت في وقت سابق الجمعة لهجوم شنه مسلحون، يُعتقد أنهم من تنظيم الدولة الإسلامية قتل فيه ثلاثة من أفراد الدورية.
وقال مصدر أمني في مدينة بعقوبة إن "حالة من التوتر تسود بلدة امام ويس الآن بعد انتشار العديد من الأهالي حاملين السلاح في الشوارع"، وكان  تنظيم الدولة الإسلامية كان قد انسحب من امام ويس قبل يومين وحلت محله قوات من الجيش والشرطة ومليشيات أخرى.

تبادل الاتهامات

العميد سعد معن
العميد سعد معن
حتي الآن لم يتأكد بشكل حقيقي من وراء مجزرة مسجد ديالي، فهناك اتهامات بأنها مليشيات شيعة، فيما يرى آخرون أن تنظيم "داعش" وراء المجزرة التي وقعت عقب صلاة الجمعة.
وقالت النائبة العراقية، ناهدة الدايني، إن ميليشيات شيعية شنت الهجوم على المسجد، انتقاما لتعرض عدد من قيادييها لهجوم.
غير أن ضباطا في الجيش اتهموا تنظيم "داعش" بمهاجمة المسجد، انتقاما من أهالي القرية الذين رفضوا مبايعة التنظيم.
وتضاربت الأنباء حول وسيلة الهجوم، حيث قال العميد سعد، المتحدث باسم وزارة الداخلية، لوكالة "فرانس برس"، إن "عبوة ناسفة انفجرت بمتطوعي الحشد الشعبي قرب مسجد مصعب بن عمير في ناحية حمرين، ووقع إطلاق نار عشوائي بعد التفجير"، بينما أكدت مصادر أمنية محلية لوكالة "فرانس برس" أن "مسلحين اقتحموا مسجد مصعب بن عمير في قرية أمام ويس، وأطلقوا النار على المصلين".
ومن جهته، أكد ضابط في الجيش أن "أربعة مسلحين ينتمون إلى داعش، بينهم انتحاري، هاجموا المسجد انتقامًا من سكان القرية الذين رفضوا مبايعتهم"، وقال ضابط في استخبارات الجيش، إن "الانتحاري فجر نفسه وسط المسجد، فيما قام المسلحون الثلاثة بإطلاق النار على الفارين من الانفجار"، مضيفا أن "عناصر الشرطة والعشائر حاولوا مطاردتهم، لكن عبوات ناسفة انفجرت بهم

لماذا ديالي؟

محافظة ديالي
محافظة ديالي
تعتبر محافظة ديالى نموذجًا مصغرًا من العراق، كونها تضم خليطا من القوميات والأديان والمذاهب التي تعيش في أرض الرافدين، فالمحافظة تقع بالجهة الشرقية من العراق وتبعد عن العاصمة بغداد 57 كم من ناحية الشمال، ويمر بها نهر ديالى الذي يصب بنهر دجلة.
لذلك تعد المحافظة واحدة من أهم المحافظات العراقية من حيث موقعها الاستراتيجي القريب جداً من العاصمة بغداد، وهي إحدى محافظات الحراك العراقي السني في المحافظات المنتفضة الست، وكذلك تمتاز ديالى بخط حدودي كبير مع إيران، حيث لديها حدود مشتركة معها طولها (240) كيلومتراً، وتشكل المسافة بين ديالى وبغداد أقصر المسافات بين حدود إيران والعاصمة بغداد .
من توابعها قضاء بلدة روز وقضاء المقدادية الذي يشتهر بزراعة الرمان وقضاء خانقين ومن النواحي التابعة لها ناحية مندلى الحدودية وناحية قزانية وتشتهر كذلك المحافظة بسلسلة جبال حمرين ويوجد فيها أيضا سد ديالى بالإضافة إلى بحيرة حمرين ونهر ديالى الذي ينبع من داخل أراضيها .
ويشكل العرب أغلب سكان المحافظة، كما يسكنها الكرد والتركمان أيضاً، خاصة في بعض المناطق الشمالية من المحافظة في مندلي ومدينة خانقين، ويتجاوز عدد سكان ديالى المليون و200 الف نسمة، ويعتقد باحثون أن المحافظة ذات أغلبية سنية بسيطة، حيث يشكل المسلمون السنة (عرب على الأغلب) أغلبية سكان ديالى، بينما يوجد بها شيعة كثر ويتكون الشيعة من عدة مجموعات إثنية (تركمان وكرد وعرب)،  ويتواجد أكثر من ثلاث أرباع سكان ديالى في ثلاث مدن رئيسية، في بعقوبة، والمقدادية، وخانقين.
ويهدد العنف المتزايد في محافظة ديالى التي تضم خليطاً من السنة والشيعة العرب والتركمان والأكراد، بوجود صراع بقاء بين هذه المكونات مع استمرار حملات التهجير.

أهمية ديالى في الاستراتيجية الإيرانية

اهمية ديالي لإيران
اهمية ديالي لإيران
تمثل محافظة ديالى أهمية لإيران من الناحية الجيوبوليتيكية، لأن موقعها المحاذي لإيران التي تعاني من (تَقَعُرْ)، سببه انبعاج ضاغط لأرض العراق من لدن الدولة الإيرانية، الأمر الذي سبب خللاً جغرافياً خطيراً في غرب هذه المنطقة .
وتشكل ديالي الخط الأقرب إلى بغداد فمن قصر شيرين في إيران إلى بغداد لا تحتاج سوى إلى ساعة واحدة بالسيارة العادية، تعد جزءا حيويا من حدود العراق المشتركة مع إيران، كونها الجسر الذي يربط بين أقرب منفذ إيراني والعاصمة العراقية بغداد، حتى أنها وصفت استراتيجيا خلال الأعوام الثمانية على أنها "أقصر الطرق من إيران إلى بغداد " وتبعد مدينة بعقوبة (مركز المحافظة عن بغداد بمسافة لا تتجاوز الستين كيلومترا). 
وهذا الجانب هو ما جعلها الطريق الأمثل لكثير من قوافل الزائرين الإيرانيين الذين يتوجهون إلى المراقد الشيعية في العراق، لكنها أيضا شهدت أكثر حوادث العنف التي استهدفت أولئك الزائرين، ووقع آخرها في  يونيه 2013 مخلفًا عشرات القتلى والجرحى.
محافظة ديالى بتركيبتها السكانية محصنة ضد المد الإيراني فعشائرها عربية أصيلة وتعد درعًا قويًا، لذلك فإن خطورة الموقع الجغرافي لديالى والذي يخدم ايران بقوة تقل خطورته بفضل وجود داعمين للمشروع الايراني في ديالى..
محافظة ديالى هي خاصرة الشيعة وطريقهم الأقصر إلى ايران وهذا ما قاله قائد  الثورة في ايران علي خامنئي، لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، خلال إحدى زياراته لطهران، وهذا ما أعلنه ممثل المالكي في المؤتمر الذي عقد في محافظة ديالى في يوليه  2013، والذي كشف الكثير من الأمور وفضح الكثير من الأعمال الإجرامية وأساليب الدهم والاعتقالات العشوائية والتهجير بصيغة التطهير الطائفي، في ضوء مخطط تهجير المكون السني وإفراغ المحافظة من هذا المكون ذي الكثافة العالية، ومنح (10) عشرة ألاف إيراني الجنسية العراقية وإسكانهم في محافظة ديالى على وجه الخصوص.

عمليات التهجير

عمليات التهجير
عمليات التهجير
تشهد محافظة ديالي تغيرًا في التركيبة الديموغرافيا لمحافظة من خلال تهجير السكان  قائم علي المذهب واحلال مكانه سكان  من مذهب اخر، فقد أدت عمليات التهجير الواسعة في ديالى الى اختلال التركيبة السكانية في المحافظة التي شهدت الموجات الأكبر من عمليات التهجير بين عامي 2006-2007.
فبعد تصويت مجلس محافظة ديالى المنتخب في 22 يونيه 2013 على منح مرشح عراقية ديالى عمر الحميري منصب المحافظ؛ حيث أدى المحافظ اليمين الدستورية في 2 يوليو 2013، بدأت الأخبار تترى عن وجود عمليات تهجير ممنهجة في بعض مناطق ديالى.
وأكدت رئيسة لجنة المهجّرين والمرحّلين النيابية لقاء وردي (نائبة عن القائمة العراقية) يوم 14 يوليو 2013 إلى قيام ميليشيات مسلحة بعمليات تهجير منظمة وممنهجة في بعض مناطق ديالى.  
وفي يوم 1 أغسطس 2013،  أعلن المتحدث باسم محافظة ديالى أن بعض المجاميع المسلحة بدأت بتهديد بعض العوائل السنية في ناحية أبي صيدا (ذات الغالبية الشيعية) لغرض ترك منازلها، كما أعلنت لجنة المهجّرين في مجلس محافظة ديالى في 5 سبتمبر 2013 عن نزوح أكثر من 100 أسرة من مناطق متعددة  من قضاء بعقوبة، ونقلت وكالة أنباء نينا عن صحيفة المستقبل بتاريخ 16 يوليو 2013 إحصائية لوزارة الهجرة والمهجّرين عن عمليات تهجير قسري في محافظة ديالى شملت قضاء المقدادية وبعض القرى التابعة له (235) عائلة.
و أشارت النائب عن القائمة العراقية عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، إلى "أن الأهالي النازحين من المقدادية أبلغوا وفد اللجنة الوزارية المشكلة لمتابعة موضوع التهجير القسري أن الأجهزة الأمنية وقوات الجيش الحكومي هي من تعمل على تنفيذ عمليات التهجير الطائفي هناك لأهل السنة"، مؤكدة أن عدد العوائل المهجرة من المقدادية وصل لأكثر من 400 عائلة من خمس قرى متجاورة.
ويعتبر التهجير القسري الذي تعرض له المكون الأكبر في ديالى، أحد أهم أسباب مشاركة سنة ديالى بالحراك الشعبي والاحتجاجات والتي وصلت ذروتها في مجزرة الحويجة في 23 ابريل 2013 وما تبعها من زيادة مضطردة في أعمال العنف، خاصة مع حدة التصعيد الطائفي الذي استخدمته الأطراف المتصارعة بغرض التحشيد.

تحذيرات من اشتعال الحرب الأهلية

مقتدي الصدر
مقتدي الصدر
في أوائل يونيه 2013 قالت طهران إن "جريمة استهداف الزوار الإيرانيين ( السابع من يونيه) إما نفذت عبر أعداء الأمة الإسلامية بشكل مباشر أو نفذت عبر عملائه"، وأدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس عراقجي ـ وقتها ـ العمل الإرهابي الذي طال الزائرين (للمراقد الشيعية) الإيرانيين أثناء مرورهم بمحافظة ديالى ".
وأشار عباس عراقجي، كما نقلت عنه وكالة أنباء مهر الإيرانية،  إلى أن " الجمهورية الإسلامية تحتفظ بحق الملاحقة القضائية لداعمي الإرهاب وأنها ستتحرك في هذا المنحنى في الوقت المناسب"، وشدد عراقجي على "مسئولية الحكومة العراقية في الحفاظ على سلامة الزوار الإيرانيين" مؤكدًا أن طهران ستتابع الموضوع مع بغداد.
في اليوم التالي قتل عشرة أشخاص وأصيب أكثر من 30 بجروح، في انفجارين وسط سوق شعبي لبيع الخضار والفواكه جنوب غرب بعقوبة مركز محافظة ديالى.
من جانبه اعتبر زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، أن "المعتدلين السنة" وقعوا بين "مطرقة وسندان متطرفي الشيعة والسنة"، فيما دعا السعودية إلى "الانفتاح أكثر" على الشيعة لتخفيف الاحتقان الطائفي.
وقال مقتدى الصدر، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية"، إن "المعتدلين السنة وقعوا بين مطرقة المتطرفين الشيعة وسندان المتطرفين السنة"، معتبرا أن السبب وراء ذلك هو عدم وجود "أب يجمع العراقيين"، مضيفًا: "التطرف الشيعي دفع بالمعتدلين السنة للانضمام إلى المتطرفين السنة، وأصبح من الصعب تلبية مطالبهم التي ارتفع سقفها، وهو الأمر الذي حذرت منه مرارا".
وكان تيار الصدر من التيارت التي انشقت عن تحالف ديالى الوطني الذي ضم القوائم الشيعية الرئيسية، والتحالف مع ائتلاف عراقية ديالى التي ضمت القوائم السنية الرئيسية، ومن ثم تم منح منصب المحافظ إلى قائمة "عراقية" ديالى بخلاف إرادة بقية أعضاء تحالف ديالى الوطني، بل وبخلاف إرادة المرجعية الشيعية، فقد أصر مقتدى الصدر على ضرورة منح منصب المحافظ لسني وعدم منحها لشيعي استشعارًا منه للطبيعة الديمغرافية للمحافظة وقناعة من التيار الصدري بأن الأغلبية في هذه المحافظة هي أغلبية سنية .
وقدم جمال الكربولي، رئيس كتلة الحل باسم اتحاد القوى الوطنية، ورقة مطالب إلى رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي والتي أطلق عليها اسم ورقة الحقوق، والمتضمنة المطالب المتعلقة بإصدار قانون العفو والغاء الاجتثاث ووقف قصف المدن وتوزيه الوظائف بشكل عادل ومتوازن وإعادة الأوقاف السنية التي تقول الورقة إنه جرى تسليمها للوقف الشيعي، وإخراج المليشيات من بغداد والمحافظات الست حسب وصف الورقة.

المشهد الآن..

تفجيرات العراق
تفجيرات العراق
بات واضحًا أن عملية الهجوم علي مسجد بمدينة ديالي ليس من قبيل المصادفة أو مجرد تخطيط من قبل مليشيات ليس لها قائد، بل هي نتاج عملية مخطط  لها سلفًا، من طرف مستفيد، على الأرجح هو إيران، وذلك لاستراتيجية موقع ديالي بالنسبة لها، لتبحث عن إشعال البلاد بحرب مذهبية، في ظل تحرك دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودعم فرنسي بريطاني ومجلس الأمن، لمواجهة والقضاء علي تنظيم "داعش" الإرهابي، واشتراط إيران المساعدة مقابل التقدم خطوة في اتجاه برنامجها النووي.

شارك