ثورة اليوم الواحد ومحاولة اختزال التاريخ

الخميس 21/يناير/2016 - 09:43 م
طباعة
 
الثورة هي الفعل المقترن بحياة البشرية منذ فجر التاريخ وتعتبر عملية تغيير من حقبة تاريخية بكل اسسها ومظاهرها الحضارية ( السياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية..... الخ ) الى حقبة تاريخية جديدة تدشن على انقاد العهد السابق , ولقد تطورت حياة الانسان على الارض بدأ من المجتمع المشاعي الذي لم يشهد ظاهرة الحاكم والمحكوم بحكم تدني الامكانيات البشرية لإقامة حياة مشتركة وعاش الانسان على الارض الالف السنين لا يعرف السلطة الحاكمة. ومع تطور الحياة البشرية وتطور العمل الجماعي بين البشر والذي صاحبه تقسيم نوعي للعمل , ظهرت السلطة لأول مرة في التاريخ على انها كانت سلطة ارشادية تتحلى بحكمة كبار السن من القبيلة حتى جاءت مرحلة القرى والمدن والدويلات الصغيرة والتي صاحبها تقسيم عمل اكثر رقيا وتعقيدا , فتطورت اجهزة الحماية والامن للدفاع عن الدويلات ثم الدفاع عن الطبقات الحاكمة وفي مواجهة المحكومين واصبح العصر العبودي هو اكثر اشكال الاستغلال لطبقة العبيد وشهد التاريخ فيما بعد ثورات العبيد في العالم بأسره حتى سقطت دولة العبودية لصالح كبار القياصرة والملوك والكنيسة وتم تدشين المجتمع الاقطاعي بكل عوراته ومساوئه وتزاوجت الكنيسة مع السلطة في العصور الوسطى لتشهد البشرية اشد مراحل القهر والظلام في التاريخ . ومع ظهور الصناعة وهي الاساس المادي للمرحلة الرأسمالية قادت الطبقة الرأسمالية الامة  لتحطيم نظام الحك الاقطاعي الرجعي ورفعت شعارات الحرية والعدالة والمساواة واسقاط السلطة الدينية . ومع تمكن الرأسمالية من احكام القبضة ظهر وجهها البشع في القهر والظلم خاصة ضد العمال الذين خاضوا بدورهم حروب شرسة ضد جموع الرأسمالية وطغيانها وشهد العصر الحديث اصطفاف للبشر او للعمال في النقابات والجمعيات والاحزاب وعرفت البشرية النضال الجماعي في مواجهة احتكار السلطة والثروة . هذه نبذه بسيطة عن تاريخ الشعوب في الثورات , اما عن منطقتنا العربية فقد تحولت المجتمعات العربية الى مجتمعات رأسمالية دون ان تخوض الرأسمالية حربا شرسا مع الطبقات القديمة وظلت عاجزة عن انتاج فكر مستنير ينتصر لقيم الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة وهي الاسس الاخلاقية للمجتمعات الحديثة وظل جزء كبير من انظمة الحكم في المنطقة ملكيا , اما انظمة الحكم المدنية فأجاء معظمها عن طريق الجيش لصالح الشعوب المضطهدة وفي اطار مرحلة التحرر من الاستعمار , ولقد شاخت بعض الانظمة واحتكرت السلطة والثروة في معظم بلدا المنطقة وفي الوجه المقابل لم تستطع شعوب المنطقة من انتزاع حقوقها الديمقراطية خاصة في انشاء النقابات والاحزاب والجمعيات او اي اشكال الدفاع عن حقوقهم . كانت دعوة الشباب الثوري لثورات الربيع العربي نتيجة طبيعية لما وصلت اليه الانظمة الحاكمة من قهر وتعفن واضطهاد. وفيما عدا تجربتي الربيع العربي في تونس ومصر فقد انحدرت باقي ثورات الشعوب الى مسارات ادخلت المنطقة في حروب من الصعب التكهن بنتائجها ( سوريا , السمن , العراق , ليبيا ) .
نجح النموذج التونسي وهو شرارة الربيع العربي وذلك نتيجة لان الشعب التونسي تاريخيا خاض حرب ضد الرجعية واستطاع ان ينتزع ادوات للتعبير عن مصالحه مثل ( منظمة الشغل ) وهي بمثابة النقابة العامة للعمال التونسيين ولها حضور قوي في الحياة السياسية كذلك جمعيات المرأة وحقوق الانسان والتي لها تاريخ مشرف في الكفاح الوطني . ولقد ساهمت هذه الاشكال مع تعاطف الشعب السوري الى انتصار الطيار المدني على كل القوى الرجعية وبأدوات الدولة الحديثة ( صندوق الانتخابات ). وفي مصر حيث منذ بداية القرن الواحد وعشرين وارهاصات الحركة الوطنية كانت موجودة على الساحة وشارك الالف من عمال مصر بتاريخ مشرف من الاعتصامات والاضرابات كذلك النضال في النقابات المهنية , مما دفع الشباب المصري الى حلم التغيير وقد استجاب الشعب المصري لدعوة الشباب الثوري فى 25 يناير 2011 وحتى نصل الى يوم تنحي مبارك عن السلطة لصالح المجلس العسكري وقام الشباب بنظافة ميدان التحرير وعادوا الى بيوتهم بينما التيار الديني السياسي قرر الاستفادة من نتائج الثورة والكل يعرف كيف تعاونوا مع المجلس العسكري والتفوا حلو الثورة بكل كان يدفعون شباب الثورة والزج بهم في معارك وهمية مثل ( محمد محمود الاولى والثانية وجلس الوزراء وحصار موقع المجلس العسكري وحرق مبنى مباحث امن الدولة وحرق المجمع العلمي .... الخ ) . وقد خسر شباب الثورة الكثير من رفاقهم في كثير من هذه المعارك الوهمية. وبعد مرحلة حكم الاخوان اكتشف الشباب بل الشعب المصري كله حقيقة المؤامرة , فكانت الدعوة لأسقاط مرسي وظهرت جبهة الانقاذ ثم حركة تمرد التي اثرت في حراك الشعب المصري ضد الاخوان . وكانت الدعوة لأسقاط نظام الاخوان والتي ايدها الجيش والشرطة حتى نصل الى 30 يونيو وهو الاعلان الرسمي لوحدة هذا الشعب ورفضه لنظام حكم ديكتاتوري متامر ضد الوطن . اذن كان هناك حراكا شعبيا شديدا قبل 30 يونيو وكان الشعب المصري متحفزا لأنهاء حكم المؤامرة , وجاءت المرحلة الانتقالية بكل استحقاقاتها والتي انتهت بمجلس النواب الجديد. وعلى الرغم من التحفظات على القانون المنظم للعملية الانتخابية وتقسيم اللجان وان حجم الانفاق في هذه الانتخابات فاق الحد . الا ان هنا بعض الشخصيات الوطنية الشريفة وصلت لمجلس النواب وستمارس حقها في الدفاع عن حقوق الشعب وعن شعارات الثورة وفي هذه الايام لازال الشباب مصرا على كتالوج واحد للثورة وهو الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن موعد الثورة والهدف مازال مقررا هو اسقاط النظام . لقد اصاب خيال الثورة شباب الثورة بالشيخوخة , فلم تعد الدعوة لثورة اليوم الواحد دعوة يستجيب لها الشعب المصري , وقد تكررت هذه الدعوة عشرات المرات منذ 30 يونيو . ولكن الشعب المصري  قاطعها جميعا. وعلى الرغم ان الشعب المصري لم يحصد حتى الان ثمار الثورة الا انه ليس في حالة صراع مع النظام في الوقت الحالي ومع التأكيد انه في كل الدعوات السابقة لم تكن هناك الاليات حقيقية ( احزاب , منظمات , نقابات ... الخ ) يتبنى الدعوة . واخيرا ان شباب الثورة لا يدركون ماذا بعد اسقاط النظام وان نظام الحكم ليس بهذه الهشاشة يسقط اما دعاوي خيالية . ايها الشباب اقول لكم ( الثورة مستمرة ) ولكن تحتاج الى بناء وجهد وكفاح ضد الفكر الظلامي السائد ثم الانخراط في العمل الجماهيري اليومي من خلال ما سبق ان ذكرته ولن يكون الشعب المصري خلفكم الا اذا تواجدتم بين صفوفه او على الاقل حاولوا ان توحدا صفوفكم من هذا التشرذم الرهيب وان تخوضوا معركتكم عبر اليات الدولة المدنية , فدعكم من كتالوج ( ثورة اليوم الواحد ) والصدام بأجهزة الدولة وامامكم معركة الانتخابات المحلية كاختبار حقيقي لتأثيركم وتواجدكم و ( الثورة مستمرة ). 


شارك