"روان ويليامز" أسقف القضايا الجدلية في كل العصور

الأحد 14/يونيو/2020 - 01:27 م
طباعة روان ويليامز أسقف
 
الفرق الكبير بين الدرجات الثقافية التي يصل لها رجال الدين خاصة في الغرب، وما بين ما يوصف به رجال الدين في الشرق من علم، ولن نجد نموذجًا يعبر بوضوح عن هذا الفرق الثقافي بكل محتوياته وأركانه ورحابة فكره غير روان ويليامز كبير أساقفة كانتربري وزعيم الكنيسة الإنجليكانية الكنيسة الرسمية لإنجلترا.
وقد وُلد روان دوجلاس ويليامز في مقاطعة سوانزي ب ويلز في 14 يونيو 1950 لأسرة ناطقه بالويلزية. تلقى تعليمه في مدرسة داينيفور الثانوية، ثم كلية المسيح وفي كمبريدج؛ حيث درس اللاهوت وكلية وادم واكسفورد.
تزوج من جاين بول، محاضرة في اللاهوت، منذ سنة 1981 وهي ممن التقاهم، بينما كان يعيش ويعمل في كامبردج. لديهما ابن وابنة.
سنة 1983 تم تعيين روان ويليامز أستاذاً في اللاهوت في جامعة كامبردج.
وقد أثار روان جدلاً كبيراً في بريطانيا حينما لم يستبعد إمكانية إدخال بعض الأجزاء من الشريعة الإسلامية لخدمة المسلمين في بريطانيا. من أهم الردود كان رد رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون الذي أصدر مكتبه بياناً بأن "الأحكام البريطانية يجب أن تكون ذات مرجعية بريطانية الثقافة".
وتواصل الجدل عندما صرح اللورد كينيث فليبس أكبر قاض في بريطانيا أنه لا يمانع أي أحكام إسلامية ما لم تحتو على عقوبات جسدية مثل الرجم والجلد. وعن روان ويليامز صديق للإسلام والمسلمين كتب الباحث المتخصص في الشئون المسيحية "إميل أمين".
إن روان ويليامز هو أول زعيم ديني في أوروبا الحديثة يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية فيما خص المسلمين المقيمين في أوروبا، وهو في الوقت ذاته الرجل الذي يرى أن الجدار العازل يعكس الخوف واليأس، والجدار ولا شك هو جدار إسرائيل العنصري.
لا يتوقف روان ويليامز أمام النصوص الدينية بوصفها ألواحًا محفوظة غير قابلة للنقاش أو الجدال، بل يرى أنها مسخرة لخدمة الإنسان؛ ولهذا فإنه كان يثير، مؤخرًا، ثائرة الحكومة البريطانية لتدخلاته السياسية، أما عن تلك التدخلات فهي تتعلق بتصريحاته المرتبطة بالأزمة المالية العالمية.
يقول روان ويليامز: «إن هؤلاء الذين يحققون فائدة كبيرة من الدولة، وعلى رأسهم المصرفيون وأعضاء البرلمان، لا ينبغي أن يتجاهلوا الفقراء، وخاصة الأطفال، الذين لم يختاروا الفقر».. ويضيف: «إن كثيرا من العاطلين عن العمل ليسوا كسالى أو فاسدين، لكنهم ضحايا الظروف التي ستجرهم لدوامة اليأس».
روان ويليامز أسقف
حيث قال: «إن المصرفيين مثل عبدة الأصنام، ولم يعلنوا توبتهم بعد»، وقد جاءت هذه التعليقات عبر برنامج «نيوز نايت» الإخباري، وبصورة واضحة لا لبس فيها، وتضمنت هجوما شديدا على النظام المصرفي البريطاني والعالمي، وعلى الجشع المنقطع النظير للمصرفيين الذين تخطوا كل الحواجز القانونية والأخلاقية في سعيهم إلى تكديس الأرباح والمنافع الشخصية، لدرجة فاقت طاقة المصارف ذاتها على التحمل، وأدت بها إلى الانهيار، جالبة معها المآسي والعذاب والتشرد والجوع لمئات الملايين من الناس العاديين الأبرياء، الذين فقدوا مدخراتهم ووظائفهم، وانضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل والمتسولين للقمة العيش.
ولعل الأمر المثير للغاية في تصريحات روان ويليامز هو تأكيده على أن الأزمة الاقتصادية الحالية، واتساع الهوة بين الغني والفقير، ستؤدي حتما إلى الاختلال الوظيفي للمجتمع بأكمله، وقد رفض اعتبار أن الأزمة الاقتصادية انتهت، وأن الاقتصاد مهم لدرجة أنه يجب أن لا يترك فقط للاقتصاديين، الأمر الذي يؤشر لتدخله شخصيا، كرجل دين، في الجدل الدائر حول الأزمة الاقتصادية ومخاطرها على الحياة العامة للناس.. هل كانت هذه التصريحات هي الأولى من نوعها المثيرة للجدل فيما خص روان ويليامز؟
قطعًا لا، ففي العام الماضي أشار الرجل، على هامش الأحاديث الكثيرة حول فشل النظام الرأسمالي بشكل أو بآخر، إلى أن كارل ماركس، الذي يعتبر الأب الروحي للحركة الشيوعية العالمية، «كان على حق في بعض جوانب نقده للنظام الرأسمالي العالمي»، خصوصًا في تشخيصه لكيفية تحول الطبقة الرأسمالية إلى عبادة المال، عوضا عن عبادة الله. هذا الحديث نشره الأسقف روان ويليامز في مجلة «ذي سبيكتاتور» الناطقة بلسان حزب المحافظين البريطاني، العدو اللدود للشيوعية، ودعا إلى توزيع عادل للثروة، وقال: إن الرأسمالي الناجح والجيد هو «الذي يرفع من مستوى معيشة الناس المحيطين به، وليس إفقارهم»، مشددًا على ضرورة وضع حد لتغول الطبقة الرأسمالية، والبنوك بشكل خاص، التي يتردد على لسان الكثيرين في بريطانيا أن أبنيتها الكلاسيكية في حي «سيتي» للمال والأعمال وسط لندن أشبه بالمعابد القديمة.
لم يكتف الرجل بترديد هذا الحديث شفاهة، بل قام بتسجيله في شرائط فيديو ووزعها على كل تابعيه، مطالبًا إياهم بالعمل على محاربة الفقر.. هل كان روان ويليامز عبر هذه الدعوة عامل إزعاج للرأسمالية الضاربة جذورها في بطن الإمبراطورية المالية الإنجليزية؟ ذلك كذلك بالفعل، فهو كرجل دين يصيح على الدوام بحتمية "إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
وفي السابع من فبراير (شباط) من عام 2008، وبدعوة من محفل للمحامين البريطانيين، كان روان ويليامز يتحدث عن دور الإسلام في المجتمع البريطاني، وقد قال الرجل ضمن ما قال: «إن تبني بعض عناصر الشريعة الإسلامية في القانون البريطاني بات أمرا لا راد له»، وإن على بريطانيا أن تواجه حقيقة أن عددًا من المواطنين لا يعتمدون كثيرا على النظام القانوني البريطاني، وأضاف قائلا: «إن تطبيقًا جزئيًّا لبعض قواعد الشريعة الإسلامية قد يساعد على بلوغ انسجام اجتماعي»، وضرب مثلًا على ذلك بأن يمكن المسلمون من فض نزاعاتهم العائلية والمالية أمام محاكم شرعية، وقال ويليامز: «لا ينبغي أن يفرض على المسلمين الخيار الصعب بين الولاء الثقافي والولاء السياسي».
اشترط الزعيم الديني الإنجليكاني لهذا الأمر تفهمًا عميقًا لقوانين الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الرأي العام في الوقت الراهن لا يزال تحت سطوة بعض التقارير الإعلامية المغرضة.
وأوضح قائلًا: «لا أحد يمتلك عقلًا سويًّا يريد أن يرى الشريعة تطبق في هذا البلد بالطريقة اللاإنسانية التي ترتبط بتطبيقها أحيانا في بعض البلدان»، على حد قوله.
كان روان ويليامز واضحًا وصادقًا مع ذاته في قوله: «لا مفر من أن تفسح بريطانيا لمسلميها البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة المجال؛ حيث إنه لا يتعين إرغام المسلمين على الاختيار بين الولاء الثقافي أو الولاء للدولة». وإنه «من غير المريح أن يرسخ في أذهاننا عن القانون شيء شبيه بعنصر السوق، أي منافسة على الولاءات، وذلك على نحو ما يرى البعض».. كيف كانت ردود الفعل في مواجهة ما ذهب إليه رئيس أساقفة كانتربري؟
حتمًا ولا بد كانت الإسلاموفوبيا الأوروبية كائنة خلف الباب رابضة لتصريحات الرجل التقدمي، الذي وصف بأنه أسقف لكل العصور.
أول تلك المواقف جاء وقتها من جانب الحكومة العمالية بزعامة جوردن براون، التي قالت في بيان لها: «إن رئيس الوزراء يعتقد أن القانون البريطاني الذي يستند إلى القيم البريطانية هو الذي يتعين أن يطبق في هذا البلد».
وبينما رأى رئيس الكنيسة الإنجليكاني أن فتح الباب أمام مناقشات مفتوحة حول تلك القضية الحساسة أمر ضروري لدعم التماسك الاجتماعي، ووقف عملية «الابتعاد» للشباب المسلم التي طال الحديث عنها، بعد هجمات عام 2005 في لندن، قال منتقدون: «إن الفوضى الاجتماعية ستكون هي النتيجة».
أما نيك كليغ، زعيم الحزب الليبرالي، فقد قال: «المساواة أمام القانون هي اللحمة التي تربط مجتمعنا بعضه ببعض».
هل تتوقف آراء روان ويليامز عند حدود القضايا ذات الأبعاد الفقهية أو اللاهوتية، أم تمتد كذلك إلى القضايا السياسية والصراعات الملتهبة حول العالم؟
قطعًا نرى للرجل مواقف سياسية واضحة وحادة وإيجابية في الوقت نفسه، وقد تبدى أحدها في أثناء زيارته لكاتدرائية سان جورج الخاصة بالكنيسة الإنجليكانية في القدس الشرقية المحتلة، إذ اعتبر أن الجدار الفاصل الذي كانت إسرائيل تشيده وقتها يعد رمزًا رهيبًا للخوف واليأس الذي يشعر به الإسرائيليون والفلسطينيون، داعيًا الشعبين بدلا من ذلك لبناء سلام مشترك، وأضاف: «إن الجدار الأمني يشكل رمزًا رهيبًا للخوف واليأس، الذي يهدد الجميع في هذه المدينة وهذا البلد، وكل من يتقاسمون الأرض المقدسة».
في عظته، كانت خلفية روان الدينية مسخرة لمصلحة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وموجها إياها لخدمة المصالحة بين البشر.. قال يومها: إن الكثيرين ينظرون إلى الجدار الذي تبنيه إسرائيل لتفصل نفسها عن الضفة الغربية على أنه تحرك من جانب مجموعة بشكل حاسم تدير ظهرها لأخرى، وتيأس من التوصل إلى أي شيء يشبه حلًّا مشتركًا أو مستقبلًا مشتركًا أو سلامًا مشتركًا.
ويحلل روان ويليامز ظاهرة الجدار بقوله: «إن الحاجز ليس هو المثال الوحيد على رفض التفكير في مستقبل مشترك، كما أن أشلاء جثث منفذي التفجيرات وضحاياهم تشكل علامة أعمق على رفض هذا المستقبل، واختيار الظلمة والاغتراب المتبادل».
وقد أجمل رأيه في هذا الجدار بأنه جدار العداوة الذي لا بد أن يزول، واستشهد في حديثه ببعض النصوص الدينية المسيحية التي أشارت إلى العداوة التاريخية القديمة بين اليهود وغيرهم من الأمم حول العالم.
وقد كانت تصريحات روان ويليامز صادمة ولا شك للحكومة الإسرائيلية، فالرجل يأتي من البلاد التي صدر عنها وعد بلفور، والتي تسببت في مأساة الشعب الفلسطيني حتى اليوم، لكنها شهادة حق عند سلطان ظالم في كل الأحوال، وتكتسب مصداقيتها بشكل أفضل؛ نظرا لأنها تأتي من رجل دين متنفذ، ويرأس طائفة كبيرة حول العالم.
روان ويليامز أسقف
ومن بين أهم ما يجده المرء في السيرة الذاتية لرئيس أساقفة كانتربري، روان ويليامز، هو أن الرجل من المؤمنين والمعتقدين بجدوى حوار الأديان وبقوة، وقد شهد كاتب هذه السطور بنفسه لقاء جمع بينه وبين شيخ الأزهر فضيلة الدكتور الراحل محمد سيد طنطاوي، رحمه الله رحمة واسعة، في مشيخة الأزهر بالقاهرة قبل رحيله، وقد كان الرجل ذا أفق واسع وروح تصالحية وثابة، وقد وصف الأزهر يومها بأنه قلعة للمؤمنين بالإسلام السمح المعتدل، وأكد أن كنيسته ترحب طولًا وعرضًا بالحوار مع العالم الإسلامي.
وروان ويليامز ليس بغريب عن عدد كبير من العوالم والعواصم العربية؛ ذلك أنه من بين سنوات خدمته الكنسية التي تناهز الربع قرن من الزمان، قضى نحو تسع سنوات في خدمة الكنيسة في السودان، معلمًا في كلية الأسقف «قوانين اللاهوتية»، كما قضى حقبة من خدمته الكنسية في القاهرة، معايشًا وقريبًا من المجتمع الإسلامي.
وفي محاضرة ألقاها في الملتقى التاسع لمجلس الكنائس العالمي في البرازيل، أوصى الدكتور روان ويليامز بالنظر إلى الهوية المسيحية في إطار عالم متعدد الثقافات والرؤى، وطالب رجال الدين المسيحي بأن يكفوا عن ادعائهم امتلاكهم المعرفة المطلقة.
ويرعى الأسقف ويليامز «منبر الحوار المسلم - المسيحي»، الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار، ويطور التفاهم بين معتنقي الديانتين في القضايا المتفق عليها بينهم، وفيما هم فيه مختلفون، فضلًا عن سعيه لترقية إسهامهم في الحياة العامة.
كما يرى أن القوة الدافعة في القرآن الكريم وعبر مجمل التاريخ الإسلامي، هي كون الدين يشتمل على قدرة على التعبير السياسي، وأن الدين يملك بالضرورة بعدًا اجتماعيًّا، وبالتالي فالإسلام معني بالسلطة. ويضيف أن الإسلام معني بصياغة وتشكيل المجتمع، ولو كان ذلك تعبيرًا عن عقيدة سياسية، فالإسلام بعد عقائدي بكل تأكيد.. هل لكل ما تقدم يعد روان ويليامز علامة في كنسية إنجلترا؟
بل أبعد من ذلك؛ إذ ربما يكون بالفعل أسقفا لكل العصور صديقا للإسلام والمسلمين.
تحدي الإلحاد 
تحدى الدكتور روان ويليامز كبير أساقفة كانتربري وزعيم الكنيسة الإنجليكانية الكنيسة الرسمية لإنجلترا السابق، البروفيسور الملحد الشهير ريتشارد داوكينز لمناظرة في جامعة كامبريدج الإنجليزية في قاعة اتحاد كامبريدج، بعنوان :"هل يوجد بعد مكان للديانة في القرن الواحد والعشرين؟". وقد هزم وليامز نظرية داوكينز بعدم وجود مكان للدين في هذا العصر في مناظرة أمام جمهور من حوالي 800 شخص- أغلبهم من الطلاب، بفارق 188 صوت، إذ حصل روان وليامز على 324 صوتًا، وبالمقابل ديكنز على 136 بحسب معطيات نشرتها جريدة الإندبندنت البريطانية. " لطالما تمحورت الديانة حول بناء المجتمع، وبناء علاقات محبة، اهتمام وصداقة." قال وليامز الذي قد تنحى عن منصبه بقيادة الطائفة الأسقفية العالمية في 31 ديسمبر، في تصريحه. "المفهوم الخاطئ ان الالتزام الديني هو مسألة خصوصية فردية بحتة، هو مفهوم يتناقض مع أصول التاريخ الديني". أشار وليامز إلى أن احترام حياة الإنسان والمساواة بين البشر متأصل في كل الديانات المنظمة. "يوجد لفكرة حقوق الإنسان جذور دينية عميقة.. ميثاق حقوق الإنسان لم يكن ليوجد بدون تاريخ من الفلسفة الدينية". أما داوكينز، وهو زميل فخري للنيو كولج في اوكسفورد، فقد حدّث الحضور بأن قلقه الأساسي هو إن كانت الديانة حقيقية أم لا، ووصف الديانة بأنها عذر للتراخ والخمول. "انها (الديانة) خيانة للذكاء والعقل، خيانة لكل ما يصنعنا بشر،" ناقش ريتشارد. "إن الديانة بديل مصطنع لتفسير واضح، وترضي الإنسان إلى حين يتفحصه. إنها تروج تفاسير خاطئة؛ حيث من المستطاع تقديم تفاسير حقيقية واقعية صحيحة." إن الاتحاد- أكبر مجتمع في جامعة كامبريدج- له تاريخ طويل ومتميز في استضافة شخصيات سياسية بارزة عالمية ودولية في مقرها: من رؤساء إلى فائزي جوائز اوسكار وأبطال أولمبيادات. وخلال مناظرة عامة بين وليامز وداوكينز في شباط الماضي في جامعة اوكسفورد – شدد وليامز على كون الإنسان فريد من نوعه بين المخلوقات الأخرى حيث يتميّز الإنسان على القدرة على التفكير والانعكاس بخصوص أعماله وتصرفاته. تناولت المناظرة أيضًا سؤال "لماذا يسمح إله محب بالعذاب"، والذي قابلها وليامز بأجوبة صعبة. 
حدث دكتور روان ويليامز، رئيس أساقفة كانتربيرى السابق، عن تاريخ المسيحية في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى "أن المسيحية لها تاريخ لا يعرف عنه الكثيرون في الغرب". 
وكتب ويليامز، على موقع هيئة الإذاعة البريطانية، هذا الأسبوع، يقول: "إنه بينما على الأرجح يعتبر الغرب أن من يقرأ النص الديني في العربية هو مسلم، فإن الحقيقة أن هناك الكثيرين من المسيحيين يقرءون الأناجيل والصلوات بالعربية، وهو تذكير على جوانب في تاريخ المسيحية يجهلها الكثيرون في بريطانيا وغيرها: وهي تلك الفترة التي كان فيها مسيحيون في أسيا والشرق الأوسط بحجم ما كانوا في أوروبا". 
وأشار إلى "أن المسيحيين كانوا نشطين فيما يعرف حاليًا بالعراق وإيران في القرن الميلادي الثاني. وكذلك في الهند وشمال شبه الجزيرة العربية في القرن الثالث. وبحلول القرن السابع كان هناك رهبان وعلماء دين من العراق يعملون في الصين ويترجمون نصوصًا وأفكارًا إلى الصينية ويبنون الكنائس والأديرة على الطراز الصيني"، مضيفًا "أن مسلة النسطورية، الحجر الذي يعود للقرن الـ 8، تسجل بالصينية والسريانية وصول المبشرين من إيران. والذين سرعان ما ألفوا القصائد والنقاشات الفلسفية باللغة الصينية". 
وأضاف "أن في منطقة الشرق الأوسط كان المسيحيون، الذين يتحدثون العربية، جزءًا مألوفًا من المشهد في المجتمع المسلم والذين غالبا ما يشار إليهم في الأدب والحكايات الشعبية في المنطقة. وبينما عانوا أيضًا بعض أشكال التمييز المجتمعي الخطير، لكن نادرًا ما جرى اضطهادهم؛ حيث غالبًا ما كانوا أطباء ودبلوماسيين ورجال أعمال". 
وأكد ويليامز "أن هذا الوضع استمر لقرون عدة، لكن تواجه المجتمعات المسيحية حاليًا انكماشًا ملحوظًا داخل المنطقة. ولأنهم لم يكونوا جزءًا من العائلات الكنسية الأوروبية الكبرى، الكاثوليكية والأرثوذكسية، نتيجة للنزاعات القديمة بشأن تفاصيل التعليم، فكان عليهم أن يعملوا بجد لصنع والبقاء على أصدقاء وداعمين خارج العالم الإسلامي". 
وقال: "إن على الرغم من تركيز داعش على الصراعات داخل الإسلام، فإن تاريخ الـ 15 عامًا الماضية عززت أسطورة أن المسيحية غريبة على المنطقة ومتحالفة مع المصالح الغربية". مضيفًا "أن المجتمعات المسيحية الشرقية هي جزء هام وضخم من التاريخ والعائلة المسيحية، وكذلك الثقافة والتنمية الفكرية داخل البلدان التي يعيشون فيها". 
وخلص ويليامز بالقول: "إن العديد من المسيحيين كانوا في طليعة الحركات القومية العربية في القرن الـ 20. فإنهم يقفون كتذكير على أن المسيحية ليست قوية أمريكية أو أوروبية، كما تشير إلى واقع أن تاريخ العالم العربي أو إيران لا يتعلق بالمسلمين فقط". 
وختم مشددًا على "أن التهديد الحالي للطوائف المسيحية في غرب آسيا هو تهديد يسعى لإنكار جزء أساسي من تاريخ الحضارة البشرية، فتلك الشعوب ذات القناعات المختلفة جدًا لا تزال قادرة على بناء ثقافة معًا؛ وهذا هو السبب في أن مصير هذه الأقليات المحاصرة التي تتعرض للأذى هو مسألة ملحة بالنسبة لنا جميعًا".

شارك