تركيا تاريخ الانقلابات العسكرية رقم (2)

السبت 13/أغسطس/2016 - 11:01 م
طباعة
 
في 12 سبتمبر 1980 حدث انقلاب عسكري بجمهورية تركيا، تزعمه الجنرال "كنعان ايفرين" مع مجموعة من الضباط، نشأوا على فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية كما وضعها "اتاتورك"، وكان المبدأ الرئيس فيها الفكر الكمالي، واعتقادهم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكرياً، كان لارتباطها بالأقطار العربية والإسلامية، وكان تخوفهم من الصعود الملحوظ للتيار الإسلامي في الانتخابات التركية.وجاء في البيان العسكري الاول الذي اذيع في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 12 أيلول 1980 من الاذاعة والتلفزيون من "كنعان ايفرين"، اسباب هذا الانقلاب العسكري وطبيعته واهدافه وبأن ”أسوأ ازمة في بلدنا كانت تهدد بقاء الدولة والشعب … ” ودعا الى ” التمسك بمبادئ أتاتورك وان يشنوا نضالاً ضد  الفوضى والإرهاب" وضد "الشيوعيين والفاشيين والعقائد الدينية المتزمتة”. واختتم البيان قائلا : ” ايها المواطنون الاعزاء ، لكل هذه الاسباب .. اضطرت القوات المسلحة لانــتزاع الـسلطة بهــدف حماية وحدة البلد والامة وحقوق الشعب وحرياته، وضمان امن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهم، ولضمان تطبيق القانون والنظام – وبتعبير اخر- استعادة سيادة الدولة بشكل نزيه".انقلاب عام 1980 الذي نفذه الجيش التركي كان الأكثر دموية. وفي الأسابيع والأشهر التي تلته، تمت تصفية نحو خمسين شخصاً واعتقل 600 ألف آخرون، وقضى العشرات تحت التعذيب، واعتبر عدد كبير آخر في عداد المفقودين . ورغم هذه الحصيلة، فإن العمل الذي قام به منفذو الإنقلاب لقي موافقة السكان، الذين بعد أن أنهكهم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لسنوات عدة، وافقوا بكثافة في 1982 على الدستور الجديد، ذي الطابع التسلطي الذي لا يزال معمولاً به اليوم رغم بعض التعديلات. وقد أدت العوامل الاقتصادية والسياسية الى حدوث انقلاب 1980
العوامل الاقتصادية لانقلاب :1980
عرفت تركيا خلال السبعينات، أزمة اقتصادية حادة، تعود جذورها إلى الخمسينات، تحولت إلى معضلة حقيقية امام الحكومات التركية طيلة السبعينات، فقد شهدت تركيا في ستينات القرن العشرين معدلات نمو في عدد السكان بنسبة 2.3% سنوياً، انعكس بدوره على الوضع الاجتماعي ، فنصف مليون شاب تركي يضافون إلى سوق العمل سنوياً ، مما زاد بمستوى نسبة البطالة 1-5% ، الذي ادى بدوره إلى زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة لا سيما مدينتي اسطنبول وانقرة، اللتان شهدتا ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان 6-7 % سنوياً، وكانت لهذه الهجرة القروية انعكاساتها الخطيرة على الوضع الاقتصادي، خصوصا بعد ارتفال نسبة استعمال الآلات والمكننة الحديثة في الفلاحة، فانتشرت الاحياء السكنية الفقيرة حول المدن والتي شهدت الكثير من حوادث العنف في السبعينات.ومن أسباب تضرر الاقتصاد ارتفاع التضخم ليصل سنة 1976 إلى 20% ثم 40% عام 1977 ثم 60% عام 1978. ووصلت نسبة التضخم في فبراير 1980 إلى 137% في حين اخذ مستوى المعيشة يقل تدريجياً. وارتفعت نسبة البطالة خلال السبعينات؛ إذ بلغ عدد العاطلين حتى عام 1977 أكثر من مليوني عاطل ليرتفع إلى 3 ملايين عاطل في العامين التاليين، ووصل عدد العاطلين عشية الإنقلاب 3.634.000 عاطل بالتحديد. واثقلت الديون الخارجية كاهل الاقتصاد التركي فوصلت عام 1970 إلى 2,2 بليون دولار أمريكي، وارتفعت إلى 12.5 بليون دولار أمريكي في نهاية 1977 ، وفي عام 1979 وصل إلى اكثر من 15 بليون دولار أمريكي. ومن الاسباب الخارجية ازمة النفط سنة 1973، والتي اضرت بالاقتصاد التركي، فضلا عن ايقاف استقبال العمال الاتراك في دول أوروبا الغربية.
العوامل السياسية لانقلاب 1980: 
ظهر سنة 1972م حزب "السلامة الوطني" بزعامة نجم الدين أربكان، وكان أول حزب ذو ميول إسلامية في تركيا العلمانية، منذ سقوط الخلافة العثمانية. وحقق نجاحًا كبيرًا في انتخابات سنة 1973م وحصل على ثالث أعلى نسبة أصوات في المجلس النيابي، واشترك الحزب في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري، وأصبح نجم الدين أربكان نائبًا لرئيس الوزراء، وزادت شعبية "حزب السلامة" وارتفعت مكانته خاصة بعد الغزو التركي لقبرص، وترجمت هذه الشعبية في انتخابات سنة 1975م؛ إذ حصل الحزب على ثاني أعلى نسبة أصوات في المجلس النيابي. وفي هذه الفترة برز أيضًا على الساحة التركية حزب الحركة الملية بزعامة "ألب أرسلان توكيس" وهو حزب قومي عنصري، وكان يتمتع بمليشيا عسكرية تدعمه، وحقق نجاحًا ملحوظًا في الانتخابات . كانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النفوذ الأول في تركيا تراقب هذه النشاطات الجديدة، خاصة مع التقارب الحادث بين حزب السلامة الوطني وحزب الحركة الملية، ومع زيادة شعبية الاتجاه الإسلامي بدأت المخاوف تتحول إلى هواجس وشيكة الحدوث، لذلك رأت أمريكا أن توقف هذا النشاط الإسلامي المتنامي بانقلاب عسكري يلغي -ولو مؤقتًا- شعار الحرية الذي ظهرت هذه الأحزاب من خلاله. لتجنب تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران؛ التي تجاور تركيا من جهة الشرق وتميزت السبعينات بالصراعات المسلحة بين اليمين واليسار، كحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي. ولخلق ذريعة تسمح له بالتدخل الحاسم، قام الجيش التركي بنهج سياسة النزاع، لتصعيد الصراعات وتأجيجها؛ كان الضباط الأتراك يرون أن الوقت قد حان للتدخل ، فقرروا تقديم رسالة الى الأحزاب جميعها عن طريق رئيس الجمهورية . وازدادت ظاهرة الاغتيالات السياسية لتشمل مسؤولين سياسيين كبار ، فاغتيل رئيس الوزراء السابق نهاد ايريم، على أيدى منظمة "ديف سول" اليسارية المتطرفة ، انتقاما لإقدامه على حل التنظيمات النقابية والطلابية ، و اعلان الأحكام العرفية لمواجهة التمرد الكردي شرقي البلاد.
والى اللقاء في الحلقة القادمة.....

شارك