(البطريرك الحادي والأربعون) إسحاق.. تزوير في خطابات رسمية

الخميس 20/أكتوبر/2016 - 01:25 م
طباعة (البطريرك الحادي
 
تتناول هذه النافذة، تاريخ مشيخة الأزهر، وتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية من خلال التسلسل الزمني.. بغرض التعرف عن قرب على تاريخ الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والأدوار الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية لهؤلاء الأعلام (المشايخ والبطاركة)... باعتبار ذلك جزءًا أصيلًا وفاعلًا من تاريخ مصر
مولده ونشأته
ولد في شبرا بمنطقة الغربية، وقيل في مراجع أخرى إنه ولد في البرلس، وهو من أبوين غنيين، وأدخل المدرسة فكان فيها نابغًا في العلم والتقوى، حتى عُيِّنَ كاتبا في الديوان، فنال ثقة الجميع وأصبح معروفًا بالصفات الحسنة عند جميع الناس، وكان متقشفًا في معيشته بلبس على جسده من داخل لباس شعر ويلبس فوقه رداء فاخرًا.
وطلب والداه أن يزوجاه لأقامه نسل، ولكنه أبى، وظهرت أغراضه السامية عندما استقال من وظيفته وقصد دير أبى مقار وتتلمذا للأسقف زكريا.
وكان وجهه جميلًا وطلعته بهية وصفاته حسنه؛ إذ كان من ذات شرف، ولكن خشى الأسقف زكريا سطوة أهله، فأرسله إلى المطرانية ليقيم بها عند أحد الكهنة الأفاضل حتى يقف على حقيقية أمره.
في تلك الأثناء كان أهله يبحثون عنه في كل مكان، ولا سيما في الأديرة، حتى كلفوا البطريرك أن يساعدهم في البحث عنه، ولكن دون جدوى، فحزنوا حزنًا شديدًا.
ثم استدعاه الأسقف زكريا وألبسه ملابس الرهبان ووضعه تحت أشراف وإرشاد رجل يدعى الأنبا إبراهيم، الذي أمره أن يختفي في دير (باماهو) حتى ينتهي الانزعاج الذي سَبَّبَه غيابه عن أهله، واستمر في ذلك الجبل مدة ستة أشهر، وأراد أن يزور أهله حتى لا يتعبوا في البحث عنه.
فعرض الأمر على الشيخ الأنبا إبراهيم وأقنعه به، فسارا معًا إلى بلدته حتى صارا بالقرب منها وقت غروب الشمس، ووصلا إلى مكان يملكه واحد من أهله، فباتا فيه وسأله عن أحوال أهله ومعارفه وما يجرى لهم بعد فراقه، وعرفه بنفسه، وطلب إليه أن يستدعي له رجلًا يدعى الشماس فليوثاؤس من أقربائه، وتقابل معه وطلب منه أن يخبر أهله بمجيئه بشرط أن يضمن له حجزهم والسماح له بالعودة إلى ديره، فقبل وانطلق إلى والديّ إسحاق وأخبرهما بالأمر، فذهبا مع جمع كثيرًا إلى مكان إقامته، حيث كانوا في سرور كثير، وطلبوا أن يبقى عندهم شهرا فقبل.
ثم رجع إلى معلمه الأسقف زكريا رئيس ذلك الدير والذي ارتقى فيما بعد إلى كرسي أسقفية مدينة سياس، وقد أرسله إلية البطريرك وصار تحت عنايته، وقد كان مجتهدا في أعماله في الكتابة والنسخ فأشركه معلمة معه في خدمة البيعة.
وبعد وفاة البطريرك اجتمع الأساقفة وفي مقدمتهم الأنبا غريغوريوس أسقف القدس -الأنبا يعقوب أسقف اروط- الأنبا يوحنا أسقف نيقوس وجماعة من الشعب، وتشاوروا مع كهنة الإسكندرية ومع الأرخن كاتب الوالي على أن يقدموا الشماس جرجس من سخا بطريركًا، بدون اخذ رأي الوالي، وكان حينئذ عبد العزيز ابن مروان، وقالوا: إن سألنا الوالي نقول له أننا أقمنا جرجس بطريركًا بوصاية سلفه البابا يوحنا.
ثم أخذوا الشماس ورسموه قسًا وألبسوه إسكيم الرهبنة، وأذاعوا الخبر بأنه غدًا يُقام بطريركًا، وغاب عن ذاكرتهم قول الرب "في قلب الإنسان أفكار كثيرة ولكن مشورة الرب هي تثبت" (أمثال 19: 21).
ولما كان الغد اجتمعوا برئيس شمامسة المدينة مرقس وهو رجل فاضل، فمنعهم وقال لهم لا أرسمه إن لم تحضروا يوم الأحد كما جرت العادة.
وحينئذ وصل قوم اتباع الوالي، وطلبوا أخذ البطريرك الذي رسموه ليمضوا به إلى والي مصر. فساروا به وهناك ظهر أن الذي أوصى به البابا يوحنا هو إسحاق لا جرجس، فغضب الوالي وأمر بتقديم مَنْ سبقت الوصاية عليه، وقد حاول الشماس أن يدفع أموال لاستمالة الوالي إلى صفّه ولكنة لم يقبل، فقطعه الأساقفة من درجته ثم عادوا إلى الإسكندرية، ووضعوا الأيادي على الأب إسحاق وأجلسوه على الكرسي في 8 طوبة سنه 406 ش. الذي يوافق 3 يناير سنة 690 م. في عهد خلافة عبد الملك بن مروان.
ولما جلس البابا على الكرسي المرقسي أتم واجباته، واعتنى بالبيعة الكبيرة للقديس مرقس حيث رمَّم جدرانها، وجدد مقر البطريركية بالإسكندرية وجدد كنائس كثيرة، وبنى بيعة بحلوان. وقد حضر للبطريرك وفد إحدى ممالك السودان يشكو له من سوء الحالة في البلاد، ويقول له أنهم لم يبق عندهم من الأساقفة ما يكفي للخدمة الدينية، ويطلب منه أن يعيِّن مَنْ يلزم إليه الحاجة. وكان ذلك الوقت خلاف بين ملكي النوبة والحبشة إذ أن الأول كان مسيحيًا بالاسم واتفق مع المسلمين على محاربة الملك الثاني، وكان غرضه المحصول على العبيد المخصصين للجزية السنوية! فخشي البطريرك أن يرسل أساقفة فيصيبهم أذى من وراء ذلك الخلاف، وكتب للملكين أن يصطلحا ويكفا عن المشاحنة، وكتب لملك النوبة الذي أوضح عداوته للمسيحيين يقول له "إن عليك مسئولية عُظمى من الله إذ عملت على تعطيل الخلاص وتسببت في خراب الكنائس الجنوبية واضمحلالها، وحذَّره من التحالف مع المسلمين. وسعى الماكرون لدى عبد العزيز والي مصر وعرَّفوه أن البابا كتب إلى ملوك السودان والحبش ليتحدث معهم على خلع حكم المسلمين عن مصر.
فغضب الوالي وقبض على البطريرك وأمر بقطع رأسه، ولكن البعض توسط في الأمر ورجا الوالي أن ينتظر حتى يطّلع على الخطابات ويعرف ما فيها. فأرجأ الوالي تنفيذ الحكم وانتهز كُتّاب الأقباط الفرصة، وكتبوا خطابًا قَلَّدوا فيه خط البطريرك إسحاق وحذفوا منه ما يخص المسلمين، وعرَّفوا الوالي بأن الرسل حضروا ومعهم الخطابات فقرأها ولم يجد فيها شيئًا.
فهدأ غضبه وأعاد البطريرك للإسكندرية، ولكنه حرمه من مزايا كثيرة، وجاهد البطريرك في خدمة الكنيسة. وقضى على كرسي البطريركية (سنتين وعشرة أشهر ويومًا).
وكان مقرر رئاسته مدينة الإسكندرية وجعل جسده في بيعة القديس مار مرقس.
وعاصر من الملوك عبد الملك بن مروان.
ومات في 9 هاتور سنة 409 ش. الموافق 5 نوفمبر سنة 692م.

شارك