الإيزيديون.. والانتصار للإنسان والمواطَنة والوطن!

الأحد 30/أكتوبر/2016 - 06:00 م
طباعة
 
فوز كل من نادية مراد ولمياء حجي، بجائزة سخاروف لحرية الفكر وهي أرفع جائزة في الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، يُلقي مزيدًا من الضوء على جرائم تنظيم داعش بحق الإيزيديين في العراق طول الفترة الماضية منذ إعلان دولة الخلافة في يونيو 2014، بعد سيطرته على مناطق واسعة شمالي وغربي العراق.
فمنذ سقوط الموصل في 2014 وجرائم التنظيم تتزايد؛ حيث تم قتل الرجال والاحتفاظ بالسيدات والفتيات كسبايا، ومنهن من تم إرسالهن إلى سوريا للزواج من عناصر التنظيم أو لإشباع رغباتهم وخدمة المقاتلين، وحسب رواية كثير من الفتيات اللاتي تم تحريريهن أنه تم التنكيل بهم واستعبادهن بشكل انتهك آدميتهن.
ومع سقوط الموصل واحتلال تنظيم داعش لأكثر من 40 % من مساحة العراق وسوريا، أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، وبالرغم من إنفاق مليارات الدولارات على الغارات الجوية لاستهداف معاقل التنظيم إلا أن هذه الغارات وحدها لم تقدم النتيجة المطلوبة؛ لذا واصل التنظيم ارتكاب جرائم صُنِّفت جرائم حرب حسب المواثيق الدولية، وعمل كثير من المقابر الجماعية  لكل من خرج عن طوع التنظيم، وتم ابتكار مزيد من الأفكار للإعدام، سواء لصحفيين أجانب وقعوا في قبضة التنظيم أو للرجال الذين رفضوا الانضمام للتنظيم والقتال معه، وربما مع تحرير بعض المدن كالأنبار وبعض القرى القريبة من الموصل تم الكشف عن مقابر جماعية.
والسؤال الآن، مَن يحاسب التنظيم على هذه الجرائم، ولماذا صمت المجتمع الدولي طوال عامين عن التدخل العاجل في هذه الجرائم؟ فهناك ملايين من العراقيين والسوريين نزحوا وتركوا الديار بحثًا عن الأمان المفقود، واستقبلت أوروبا الكثيرين منهم، واستغلت تركيا الأزمة للحصول على أكبر مقابل مادي في تجارة مكشوفة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ساوم الأوروبيين للحصول على مساعادات مالية ضخمة على غرار المساعدات التي قدمت إلى اليونان لإنقاذ منطقة اليورو من السقوط.
أتذكر أنني استمعت إلى شهادة نادية مراد لأول مرة خلال حضوري لجلسات منتدى الأقليات بالأمم المتحدة بجينيف العام الماضي، ورغم أنها تحدثت في 3 دقائق فقط، إلا أنها قدمت رسالة بالغة الأهمية لما يتعرض له الإيزيديون وسط صمت المجتمع الدولي، وهو ما شجعني للتقدم إليها للتعرف عن قرب إلى شهادتها، بداية من السقوط في قبضة التنظيم مع أسرتها وحتى الفرار منه بمساعدة أسرة مسلمة تمكنت من نقلها إلى إقليم كردستان كي يتسلمها أخوها ومن ثم الفرار إلى ألمانيا.
ربما هذه الواقعة ليست الأولى في التعامل مع أزمة الإيزيديين، فقد سبق وأن قمتُ بنشر الكثير من التقارير والمآسي عن أوضاع الإيزيديين الصعبة بنهاية 2014، إلا أن حوار نادية مراد كان الأكثر تأثيرًا، خاصة وأنه بعد إجراء الحوار بأسابيع كانت نادية تقدم شهادة لها بمجلس الأمن بنيويورك، وحركت المياه الراكدة، وتعاطفت معها كثير من البلدان، ومن هنا أخذت قضية الإيزيديين مساحات واسعة في الإعلام العالمي والمحافل الدولية؛ مما دعا دولًا وحكوماتٍ إلى تبني همومهم والبحث عن استضافة الآلاف منهم، وتقديم مزيد من الدعم لحكومة إقليم كردستان التي احتوت مئات الآلاف منهم، وتم ترشيح نادية للحصول على جائزة نوبل للسلام وكثير من الجوائز الحقوقية لشجاعتها في الحديث عن قضيتها والمعاناة التي تعرضت لها مع أسرتها طوال فترة الخطف، وما ترتب على ذلك من فقدان الأب وبعض الأشقاء من الرجال وغموض حول مصير الأم!
 أعتقد أنه اتساقًا مع معايير حقوق الإنسان الدولية ولدعم قيم المواطنة ليس في عالمنا العربي فقط بل على المستوى الدولي، لا بد أن تتبنى مصر بصفتها عضوًا بمجلس الأمن قرارًا لملاحقة التنظيم على جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الإيزيديين وكل المواطنين العرب الذين استهدفهم التنظيم، والدفاع عن وحدة العراق في مواجهة التراشق الطائفي، فتحرير الموصل لن يكون النهاية للتنظيم، فهناك جولات أخرى مقبلة، وعلى الدول العربية رأب الصدع وإنهاء الخلافات الطائفية والمذهبية دفاعًا عن قيم المواطنة.
وحتى الآن هناك دول اعتبرت جرائم التنظيم إبادة جماعية وجرائم حرب، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا؛ لذا لا بد من التدخل المباشر في هذا الأمر، حتى يمكن مقاضاة وملاحقة، ليس فقط التنظيم وإنما كل من ساعده بالسلاح والمال؛ من أجل إعادة الحقوق لأصحابها، ومنع ظهور تنظيمات جديدة بمسميات مختلفة، إذا كنا نريد الانتصار للإنسان والمواطنة والوطن!  

شارك