السلفيون وتكفير الآخر..

الأربعاء 22/نوفمبر/2017 - 06:19 م
طباعة
 
يغضب بعض قيادات الدعوة السلفية حينما نقر حقيقة انهم تكفيرين أو أنهم المرجعية الأولى والحاضنة الأساسية للفكر المتطرف والإرهابي، ويستشيطون غضبا وغيظا حينما نؤكد على أنهم من بين الأسباب الرئيسية لإلحاد الشباب وبعدهم عن الدين، لأن السلفية انما تفكر بعقل متكلس تم تجميده عند لحظة تاريخية في الزمن الماضي حينما كان يعيش السلف، وبعيدا عن ردود أفعالهم العصبية والتعصبية والتي ربما تصل لحد تكفير كاتب المقال، نحاول هنا اثبات تكفيرهم للعقل والفكر، ولمن يخالفهم الرأي، ونستعين بمعركة كانت بين امامهم نصر الدين الألباني الذين يأخذون دينهم منه، وبين الشيخ محمد الغزالي، حيث عارض الشيخ الغزالي حديث في الصحاح من رواية أبي هريرة ينقلونها في كتبهم كحقائق مطلقة يبدعون جاحدها، ويتهمونه بالهرطة والزندقة. وحجتهم في هذه الروايات أنها وردت في الصحيحين أو في أحدهما أو في كتب السنن الأخرى.. أو أن فلانا من الناس صححها. وهم يقصرون نظرهم على تلك التصحيحات، وينسون المخاطر التي تحملها، والطريقة التي يتعامل بها السلفية مع المخالف لهذا النوع من الروايات هي تلك الطريقة التي استعملوها مع المنزهة من رميهم بالتجهم.. وهنا يرمونه بالعقلانية والبدعة والزندقة..
وقد رفض محمد الغزالي حديث لطم موسى  لملك الموت، والذي رواه أبوه هريرة، ونصه: (إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأه عينه، فعرج ملك الموت فقال: يا رب! إن عبدك موسى فعل بي كذا وكذا ولولا كرامته عليك لشققت عليه فقال الله: ايت عبدي موسى فخيره بين أن يضع يده على متن ثور - فله بكل شعرة وارتها كفه سنة - وبين أن يموت الآن، فخيره فقال موسى: فما بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: فالآن فشمه شمة فقبض روحه ورد الله عليه عينه، فكان بعد يأتي الناس في خفية) 
ولغرابة هذا الحديث، وتشويهه لصورة النبي موسى ، وتشويهه كذلك لصورة ملك الموت، بل تشويهه فوق ذلك للألوهية، وما يحمله من الدلالة على التجسيم، فقد وقف الشيخ محمد الغزالي موقف المنكر للحديث مثله مثل كل المنزهة والقائلين بعصمة الأنبياء، لكن هذا لم يعجب السلفية الذين أنكروا عليه إنكارا شديدا. 
قال محمد الغزالي: (وقع لي وأنا بالجزائر أن طالباً سألني: أصحيح أن موسى ، فقأ عين ملك الموت عندما جاء لقبض روحه بعدما استوفى أجله؟ فقلت للطالب وأنا ضائق الصدر: وماذا يفيد هذا الحديث؟ إنه لا يتصل بعقيدة، ولا يرتبط به عمل، والأمة الإسلامية اليوم تدور عليها الرحى وخصومها طامعون في إخماد أنفاسها! اشتغل بما هو أهم وأجدى! قال الطالب: أحببت أن أعرف هل الحديث صحيح أم لا؟ فقلت له متبرماً: الحديث مروي عن أبي هريرة وقد جادل البعض في صحته. وعدت لنفسي أفكر إن الحديث صحيح السند، ولكن متنه يثير الريبة إذ يفيد أن موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله بعدما انتهى أجله. وهذا المعنى مرفوض بالنسبة إلى الصالحين من عباد الله كما جاء في الحديث الآخر (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) فكيف بأنبياء الله؟ كيف بواحد من أولي العزم؟ إن كراهيته للموت بعدما جاءه ملكه مستغرب ثم هل الملائكة تعرض لها العاهات التي تعرض للبشر من عمى أو عور؟ ذاك بعيد.. قلت: لعل متن الحديث معلول، وأيا ما كان الأمر، فليس لدي ما يدفعني إلى إطالة الفكر فيه.. فلما رجعت إلى الحديث في أحد مصادره ساءني أن الشارح جعل رد الحديث إلحاداً وشرع يفند الشبهات الموجهة إليه فلم يزدها إلا قوة..)
ثم ذكر قول المازري: (وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكر تصوره، قالوا: كيف يجوز على موسى فقئ عين ملك الموت؟)، ودفاعه عن الحديث، ثم رد عليها بقوله: (نقول نحن: هذا الدفاع كله خفيف الوزن وهو دفاع تافه لا يساغ، ومن وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل في أعراض المسلمين والحق أن في متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة ورفضه أو قبوله خلاف فكري، وليس خلافاً عقائدياً والعلة في المتن يبصرها المحققون، وتخفى على أصحاب الفكر السطحي، وقد رفض الأئمة أحاديث صح سندها واعتل متنها فلم تستكمل بهذا الخلل شروط الصحة)
هذا هو موقف الشيخ محمد الغزالي، وهو موقف كل عاقل حكيم يرى تلك التشويهات التي يحملها الحديث حول كبرى القضايا العقدية.
وقد أنكر السلفيون رأي محمد الغزالي وبدأ الهجوم عليه واتهامه بإنكار السنة والجرأة عليها وكأن السنة حكر عليهم هم فقط من يتحدثون بها، وكان تعليق الألباني تعليقا على ما ذكره الغزالي: (هذا الحديث- أي حديث موسى المتقدم- من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان من طرق عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، وتلقته الأمة بالقبول، وقد جمعت ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى؛ لتأخذ القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها، الأمر الذي يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً، لا إشكال فيه ولا شبهة، فتسلِّم لقول رسول الله تسليماً)
ثم ساق طرق الحديث، والتي يوجد في أكثرها رجال من اليهود الذين أسلموا، وصاروا مباشرة بعد إسلامهم من الثقاة المعتبرين، ثم قال تعليقا على الغزالي: (واعلم أن هذا الحديث الصحيح جدّاً مما أنكره بعض ذوي القلوب المريضة من المبتدعة- فضلاً عن الزنادقة- قديماً وحديثاً، وقد رد عليهم العلماء- على مر العصور- بما يشفي ويكفي من كان راغباً السلامة في دينه وعقيدته؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي، والنووي، والعسقلاني، وغيرهم.. وممن أنكره من المعاصرين الشيخ الغزالي في كتابه (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث) المذكور في الحديث الذي قبله، بل وطعن في الذين دافعوا عن الحديث، فقال: (وهو دفاع تافه لا يساغ)، وهكذا؛ فالرجل ماضٍ في غيّه، والطعن في السنة والذابين عنها بمجرد عقله (الكبير!). ولست أدري- والله- كيف يعقل هذا الرجل- إذا افترضنا فيه الإيمان والعقل-! كيف يدخل في عقله أن يكون هؤلاء الأئمة الأجلة من محدِّثين وفقهاء من الإمام البخاري إلى الإمام العسقلاني على خطأ في تصحيحهم هذا الحديث، ويكون هو وحده- صاحب العقل الكبير! - مصيباً في تضعيفه إياه ورده عليهم؟!) 
ولا يكتفي الألباني بهذا، بل يشنع عليه ـ كعادة السلفية في انتقادهم لخصومهم ـ أنه يوافق في هذا الموقف المبتدعة من القائلين بالعصمة المطلقة للأنبياء، فيقول: (هل الخلاف الذي توهمه خلاف محترم أم هو خلاف ساقط الاعتبار، لأن المخالف ليس من العلماء المحترمين، ولذلك لم تتجرأ على تسميته، ولعله من الخوارج أو الشيعة الذين يطعنون في أصحاب النبي، وبخاصة راوي هذا الحديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه-. وثانياً: يحتمل أن يكون المجادِل الذي أشرتَ إليه هو أنت، وحينئذٍ فبالأولى، أن يكون خلافك ساقط الاعتبار، كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار!) 
وهكذا يستمر الألباني ـ بلغته السلفية ـ يرد على الغزالي، ويدافع عن الحديث، ويقول له كل حين: (يا له من مغرور أهلكه العجب! لقد جعل نفسه من المحققين، وعلماء الأمة من أصحاب الفكر السطحي، والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه) 
ويقول له: (بمثل هذا الفهم المنكوس يرد هذا الرجل أحاديث النبي ولا يكتفي بذلك، بل ويرد على العلماء كافة الذين فهموه وشرحوه شرحاً صحيحاً، وردوا على أمثاله من أهل الأهواء الذين يسيئون فهم الأحاديث ثم يردونها، وإنما هم في الواقع يردون جهلهم، وهي سالمة منه والحمد لله) وقد اقتصرنا هنا على موقف الألباني باعتبار مكانته العلمية لدى هؤلاء، ولنا أن نتخيل لو أن الرد على محمد الغزالي جاء ممن هم دونه في المنزلة العلمية لديهم.


شارك