«سيفين لاو».. من الكاثوليكية إلى السلفية الجهادية

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 10:20 ص
طباعة «سيفين لاو».. من محمد الدابولي
 
خلال السنوات الماضية عانت الدول الأوروبية من خطر تنامي الفكر المتطرف والإرهابي؛ فالجماعات الإرهابية أوجدت براثن قوية لها في المجتمعات الأوروبية؛ حيث تسربت خلال العقود الأخيرة الأفكار المتطرفة إلى مسلمي أوروبا، وعملت على تشكيل أجيال جديدة من الإرهابيين والمتطرفين الأوروبيين.

حرصت الجماعات المتطرفة على إيجاد مراكز ومناطق تموضع لها في ألمانيا، نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية في القارة العجوز، فهي أكبر وأقوى دولة أوروبية على الإطلاق، كما أنها بوابة للانطلاق نحو دول شرقي وغربي القارة.

استغلت الجماعات الإرهابية حالة القبضة الرخوة التي واجهت بها الحكومات الألمانية المتعاقبة التيارات الإرهابية والمتطرفة في البلاد، وهو ما اكتشفته السلطات الأمنية الألمانية في مرحلة متأخرة بعدما تعاظم الخطر الإرهابي في البلاد، ما أدى إلى القيام بالعديد من الإجراءات القانونية وتشديدها من أجل مواجهة خطر الفكر والجماعات المتطرفة، فمثلًا في ديسمبر 2015 اعتقلت الشرطة الألمانية الداعية السلفي «سيفين لاو» المسؤول عن إرسال المتطرفين الألمان للقتال ضمن صفوف جبهة النصرة، وحُكِم عليه بالسجن خمس سنوات في يوليو 2017، نظرًا لاتهامه بدعم تنظيم «جيش المهاجرين والأنصار» في سوريا الذي غَيَّر ولاءه من تنظيم «داعش» إلى «جبهة النصرة».

تحولات دراماتيكية
«لاو» البالغ من العمر 37 عامًا لم يكن من ذوي الأصول العربية أو الإسلامية المهاجرة إلى ألمانيا في فترات سابقة، إنما ولِد لأسرة ألمانية كاثوليكية، واشتهر عنه الانفلات الخلقي، وعدم التزامه بتعاليم الدين المسيحية وارتكابه للمخالفات الدينية المتمثلة في شرب الكحوليات وتدخين الأعشاب المخدرة.

شهدت مراهقة «لاو» تحولًا دراماتيكيًّا، فبعدما كان كاثوليكيًّا منفلتًا خلقيًّا أصبح مسلمًا متطرفًا وهو في سن الخامسة عشرة من عمره، وهو ما يلقي الضوء على دور الجماعات المتطرفة في تجنيد المراهقين في الدول الأوروبية وعوامل اجتذابهم نحو هذا الفكر.

تكشف قصة تجنيد «لاو» بُعدًا آخر في عملية التجنيد، ألا وهو أن عملية تجنيد المراهقين في أوروبا في الجماعات المتطرفة لم تكن وليدة السنوات الأخيرة، نظرًا لاستغلال «داعش» للمراهقين الأوروبيين في تنفيذه عملياته الإرهابية إنما كانت قديمة نسبية لم يكشف عنها النقاب حينها، فـ«لاو» تم تجنيده في عمر 15، أي في عام 1995 تقريبًا، فهو من مواليد أكتوبر 1980.

رحلة التطرف
أسفرت أحداث ما عُرف بالربيع العربي عن تصاعد التيارات المتطرفة في دول الربيع العربي، خاصةً مصر وسوريا، وهو ما وجده «لاو» فرصة لتعزيز انتمائه للجماعات المتطرفة، ففي عام 2012 ارتحل إلى مصر، والتقى حينها العديد من أنصار التيار السلفي المتشدد، ما أثار ريبة الأجهزة الأمنية المصرية، وترحيله خارج البلاد ومنعه من دخول مصر.

في عام 2014 سافر إلى سوريا ثلاث مرات، بحجة تقديم المساعدات الإنسانية، إلا أنه كان على تواصل مع تنظيم «جيش المهاجرين والأنصار» وعمل على تقديم التبرعات والتسهيلات للتنظيم، وهو ما دفع أجهزة الأمن الألمانية لتعقبه واعتقاله في نهاية 2015 بتهمة دعم الجماعات الإرهابية في سوريا، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات في منتصف 2017 بتهمة تسهيل انضمام عناصر ألمانية في مدينة «دوسلدورف» إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا.

نشر السلفية الجهادية
عمل «لاو» على نشر الفكر السلفي، خاصة المتطرف منه، ليس في ألمانيا فحسب بل أيضًا في أوروبا عمومًا؛ حيث تشير التقارير البولندية إلى أن «لاو» كان رأس حربة لنشر السلفية في «وارسو» وبعض المدن البولندية، كما أن مكتب «حماية الدستور» في ألمانيا أشار إلى ارتفاع تعداد السلفيين في ألمانيا من 2000 إلى 7000، وهو ما يُشير بوضوح إلى نجاح الدعاة السلفيين في الترويج لمذهبهم، وعلى رأسهم «سيفين لاو – أبي آدم»، «بير فوغل – أبو حمزة».

الحسبة في ألمانيا
ما يدل على تعاظم دور «لاو» في نشر أفكاره المتطرفة هو إقدامه في صيف عام 2014 على إنشاء شرطة دينية سماها «شرطة الشريعة» لمعاقبة الخارجين على مبادئ الشريعة الإسلامية، مثل شرب الكحوليات ولعب القمار والاستماع للموسيقى في مدينة «فوبرتال»، ويري «لاو» أن الهدف من شرطة الشريعة هو تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة المسلمين إلى الالتزام، وعودتهم مرة أخرى إلى المساجد، في تجربة أشبه بدعوة «حسن البنا» لمرتادي المقاهي في مصر بالانضمام إلى جماعة الإخوان.

وأخيرًا.. يظل «سيفين لاو» صداعًا في رأس الأجهزة الأمنية الألمانية، فـ«لاو» يقضي حاليًّا عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، ما يعني إمكانية عودته لنشاطه الإرهابي والمتطرف فور خروجه من السجن في المستقبل غير البعيد، وهو ما يكشف عن إشكالية معالجة الفكر المتطرف في المجتمعات الأوروبية، فهل تنجح ألمانيا في تقليل خطر الجماعات الإرهابية والتكفيرية؟

شارك