إشكالية الدولة والإسلام السياسي قبل وبعد ثورات الربيع العربي (2)

الأحد 07/أبريل/2019 - 01:23 ص
طباعة إشكالية الدولة والإسلام حسام الحداد
 
يتناول هذا الجزء المحور الثاني من الكتاب وعنوانه "قراءة في تجربة الإسلام السياسي بالدول المغاربية قبل وبعد الربيع العربي"، وفي هذا المحور كسابقه تركز الدراسات على محاولة تسويق حركات الإسلام السياسي في المراكز البحثية الأوروبية، ومحاولة هذه المراكز والباحثين المتخصصين والأكاديميين في تحسين صورة جماعات الإسلام السياسي على المستوى البحثي والأكاديمي، وكذلك على مستوى القارئ الأوروبي من خلال استراتيجية تلفيقية لقراءة واقع هذه الجماعات والحركات التي تتخذ من الاقصاء ورفض الأخر والتطرف وسيلة للوصول إلى الحكم.
فيتناول الدكتور محمد الصافي في هذه الدراسة التطور التاريخي لمسار تحديث الدولة بالمغرب حيث مثلت التحولات السياسية التي عرفها المغرب منذ العصور الوسطى وحتى السنوات التي أعقبت الاستعمار في ترسيخ التركيبة السياسية، بالصورة التي جعلت سلطة الدولة تتقدم والانقسام يخف، فالمعارضة التي كانت تعلنها القبائل الطرفية للحكم المركزي بدات تضعف وتقل نجاحاتها عن ذي قبل، لقد نجحت ملكيات القرن السادس عشر والسابع عشر في تثبيت نفسها في السلطة وهي التي ركزت الحدود الجغرافية للمجتمعات السياسية الحالية، حيث ساهمت القيادات المحلية في المغرب بتركيز سلطة المخزن وذلك بإزالة المؤسسات المحلية ذات الطابع الجماعي، واستبدالها بنوع من النفوذ الشخصي والمستبد، كما حاولت هذه الزعامات في كل مرة أن تحافظ على مجال من الحرية إزاء السلطان مما جعل تعاونها معه في الوقت نفسه مرغوبا ومشبوها، وقد أثرت هذه العوامل على طبيعة الحكم في المغرب، وظهرت السلطنة في مجتمع مبني على التعدد الإثني والقبلي، وواجهت أنماط مختلفة من النفوذ المجتمعي، سواء في صورة قبائل وزوايا أو قيادات وسطية، ولذلك أخذ الحكم طابع الباحث عن التوازن والوساطة، وذلك حتى يضمن وحدة السلطة، ولعب الإسلام دورا مهما في هذا المضمار عبر احتكار السلطان للسلطة الدينية، ويتضمن الإسلام تراثين من التأويل في التقليد السياسي، يمكن ان نعرفها بالشرعية الضمنية والشرعية التعاقدية، ويمثل المغرب البلد الإسلامي الوحيد تقريبا الذي نجح في الجمع بين هذين النمطين من التقليد السياسي في الوقت نفسه، فقد نجح العلويون في مشروعهم السياسي بإبراز انحدارهم من فرع نسبي واحد، ودعموا مواقفهم في المدن عبر بيعة العلماء لهم. 
يختتم البحث بالتأكيد على خصوصية الدولة بالمغرب من خلال الاهتمام بإظهار السيرورة الخاصة التي تتميز بها الدولة المغربية عن باقي الكيانات القطرية العربية والإسلامية الأخرى، وفي مسألة الشرعية فقد مثل نهاية عقد الثمانينيات وبداية عقد التسعينيات مرحلة جديدة من التأقلمات الصعبة في المغرب العربي والمنطقة العربية بل في العالم ككل من حيث إعادة صياغة دور الدولة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، والتوصل لنتيجة مفاداها أن الدولة لم تعد تستطيع أن تلعب الدور المحرك والمسيطر على كل الأمور بل يجب أن تتعامل بانفتاح مع كل الاتجاهات الموازية للمجتمع.
ثم يتناول الدكتور عبد القادر سوداني، جذور الإسلام السياسي في تونس خلال القرن 19، بعدما تولت الاحزاب ذات الخلفية الإسلامية الحكم بعد ما يطلق عليه الربيع العربي 2011، فحسب الكاتب فان هذه التجربة لم تعمر طويلا بأغلب الأقطار نتيجة الأزمات الداخلية ومحاصرة بعض القوى الخارجية لظاهرة الإسلام السياسي، ففي تونس وحسب الكاتب عرفت الأحزاب وخاصة حركة النهضة فترات شد وجذب وصدامات متكررة مع أنظمة الحكم حتى تمكنت من تولي الحكم 2011، لكنها اضطرت إلى الانسحاب من السلطة بعد مواجهتها لجملة من العوائق الداخلية والخارجية وفي ارتباط كذلك بكيفية تصريفها لشئون الحكم، ويؤكد الباحث إلى أن هذا ما دفعه إلى العودة إلى جذور نشأة الإسلام السياسي منذ القرن 19.
ثم يتناول الدكتور الكر محمد الإسلام السياسي في ظل الإيديولوجية التكفيرية للجماعات المسلحة، انطلاقا من ما يعيشه العالم العربي والإسلامي على حد سواء من حالة التأزم والانفلات الأمني قبل وبعد ما يطلق عليه الربيع العربي حيث يعود هذا لحالة الانسداد السياسي وغياب الاطر السلمية والديمقراطية للوصول إلى السلطة، ويضيف إلى ذلك جملة الأزمات الفكرية وهشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي التي جعلت مناخ الارهاب والتطرف اكثر خصوبة بأشكاله لا سيما مع تبني الكثير من جماعاته أطروحات التكفير مدعية بذلك رؤية الدفاع عن الاسلام وتطبيقه، مما أثار الجدل الواسع حول طبيعة الإسلام السياسي في العالم العربي في ظل الايديولوجية التكفيرية.
ويخلص الباحث الى ان ظاهرة التطرف والارهاب على تعقدها وتشابك عناصرها المختلفة وتباين مصادر ولاءاتها تدعونا الى الغوص في فهم جذورها، لا سيما ما يتعلق بالأيديولوجيات والعقائد المؤسسة لها لأنه الحلقة الاخطر في الظاهرة فالفعل الإجرامي من قتل وتخريب هو فعل يمكن ان يعدو ردة فعل اجتماعية تجاه جهة معينة أو ضمن سياقات معينة، ولكن الاعتقاد بضرورة الفعل ووجوبه مع التيقن بالثواب نظير عمله هو الاصعب في تحليل وتفكيك الظاهرة الاجتماعية والنفسية. 
هذا ما يحاول تقديمه المركز الديمقراطي العربي ببرلين اعادة تسويق الحركات والتنظيمات السياسية على ان ما ترتكبه هذه الحركات انما هو رد فعل لبعض ممارسات الحكومات تجاهها، في محاولة منه لتحسين الصورة الذهنية لهذه الحركات في أعين القارئ العربي، قبل القارئ الأوروبي.

شارك