"الرفاه" أحفاد العثمانيين.. والعودة للمشهد التركي
الأحد 25/نوفمبر/2018 - 09:09 ص
طباعة
حسام الحداد
أعلن في 24 نوفمبر 2018، فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء التركي الأسبق الراحل نجم الدين أربكان، تأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم "الرفاه الجديد"، معتبرا أن الخطوة تعد نقطة تحول سيسطرها التاريخ.
وقال أربكان، في مسجد "الحاج بيرم ولي" بالعاصمة أنقرة: "لقد حان الوقت، وأنا أعطي من هنا بشارة تأسيس حزب الرفاه الجديد، بعد طول انتظار".
وأضاف: "نحن في الحزب الجديد لم نأت من أجل العراك أو الصراع أو معاقبة أحد أو تدمير شيء".
وأشار السياسي التركي، إلى أنهم اتخذوا خطوة تاريخية من أجل العالم الإسلامي والشعب التركي، مشيرا إلى أن "عبد الحميد قايي خان عثمان أوغلو" حفيد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، يقف إلى جانبهم في "حزب الرفاه الجديد".
ومن المعروف أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، جاء نتيجة تراكم تجارب وخبرات الحركات الإسلامية في تعاملها مع النظام السياسي التركي منذ عهد تأسيس الجمهورية (1923-2002)، فقد استطاع الحزب أن يحشد أنصار معظم الحركات الإسلامية وأتباعها، خلف رؤيته وبرنامجه السياسي، عبر إزالة العوائق والقيود المفروضة على ممارستهم وسلوكياتهم الدينية بالتدرج، ودون الدخول في مواجهات مباشرة مع مؤسسات الدولة العلمانية، وعلى وجه الخصوص المؤسسة العسكرية. وأشارت إلى انضمام أغلب أتباع الحركات المختلفة إلى الحزب، بل هم أعضاء فاعلون، ويعتبر انضمامهم نقلة نوعية في طبيعة العمل السياسي للحركات الإسلامية التركية، التي لم يسمح لها بمزاولة العمل السياسي بطريقة مباشرة منذ عقود خلت، حيث تمَّ تحويل الأتباع والمريدين إلى أعضاء ومؤيدين لحزب سياسي يتولى الحكم في الدولة التركية.
وفي ظل المشكلات الكبيرة التي يواجهها أردوغان خصوصا تلك المتعلقة بالأزمة الاقتصادية اللاحقة للأزمة السياسية يرى بعض الباحثين والمهتمين بالشأن التركي أهمية اتفاق النخب السياسية والقوى الفاعلة والمكوّنات المؤثّرة في المجتمع التركي على صهر كل من العثمانية والكمالية في بوتقة واحدة، لتشكيل هوية جديدة متماسكة تعبّر عن أطياف الشعب التركي كافة، قائمة على المواءمة بين الأصالة والحداثة، وكذلك مراجعة الحكم التركي تعاطيه مع الأحداث الداخلية عبر صياغة دستور جديد يتضمن حقوق المواطنة، ومبادئ الديمقراطية، ويعزز الفصل بين السلطات الثلاث وينظمه، وأيضاً، مراجعة شاملة لسياستها الخارجية، بما يتناسب مع الظروف والتطورات، وخاصة الظروف الإقليمية، لتغدو أكثر دينامية وبراغماتية، ربما هذا ما جعل فاتح أربكان يدعو إلى تأسيس "حزب جديد" خصوصا بعد التطورات السياسية في تركيا، وخاصة محاولة الانقلاب الفاشلة والاستفتاء الدستوري والاضطرابات السياسية الناجمة عن ذلك، والتي لم تترك مجالا كافيا للإصلاحات الاقتصادية اللازمة، كذلك فان هناك مشكلة أخرى متعلقة مباشرة برأس الدولة التركية إذ "يمارس الرئيس أردوغان سياسة المطالبة المستمرة لخفض الأسعار والفائدة، وهو نوع من (الشعبوية الاقتصادية) للحفاظ على شعبيته".
وحتى كتابة هذا الموضوع لم يكن هناك رد فعل من حزب "العدالة والتنمية ولا من الرئيس أردوغان، ويرى الكثير من الأتراك أن حزب "الرفاه الجديد"، ربما يكون لحد بعيد متسق مع توجهات ورؤى أردوغان الذي حاز صلاحيات دستورية واسعة النطاق، وأصبح أول "رئيس تنفيذي" يُنْتخب انتخابا مباشرا من الأتراك، فيما تلفت أوساط تركية إلى أن إضافة "نكهة السلطنة" إلى "الرفاه" عبر نجل السلطان عبدالحميد الثاني ربما يأتي لمغازلة واستمالة عشرات آلاف الأتراك الذين يحلمون بإعادة "أجواء السلطنة" التي لم تكن تصرفات أردوغان بعيدة عنها في السنوات القليلة الماضية، وسط مخاوف من أن يندلع "صراع مبكر" بين العدالة والتنمية من جهة والرفاه من جهة أخرى، خصوصا إذا ما تمكن "الرفاه" من استعادة كوادره السابقة، وبناء جبهة سياسية عريضة.
حزب الرفاه التركي القديم
هو حزب تركي إسلامي يعمل على إعادة بناء الحياة وصياغتها من جديد على أساس مبادئ الإسلام وفقاً لوجهة نظره، واضعاً كل طاقاته للوقوف أمام التيار العلماني الذي سيطر على تركيا إثر زوال الخلافة العثمانية، مؤسس الحزب هو نجم الدين أربكان الذي درس الهندسة الميكانيكية في استانبول وتخرج الأول على دفعته فأُوفد إلى ألمانيا حيث نال الدكتوراه عام 1953 م، وكان له نشاطات سياسية وعلمية ففي انتخابات عام 1969، رشح أربكان نفسه مستقلاً عن قونية وفاز بمعظم أصواتها وذلك بمؤازرة عشرة آلاف شاب من خريجي المعاهد الدينية، وعقد نجم الدين عدة مشاورات مع الشخصيات الإسلامية البارزة، وبعدها شكل مع مجموعة من أصدقائه حزب النظام الوطني في 26 يناير 1971 م الذي اتخذ رمزاً له قبضة يد منطلقة في الهواء وأصبع الشهادة موجهاً نحو الأمام، وفي أبريل 1971 م لفقت له بعض التهم، حيث قدم للمحكمة التي أصدرت أمراً بإلغاء حزبه الذي لم يستمر سوى (16) شهراً مع مصادرة ممتلكاته ومنع شخصياته من العمل من خلال أي حزب سياسي آخر ومنعهم من تأسيس أي حزب جديد كما أنه لا يجوز لهم ترشيح أنفسهم ولو كانوا مستقلين، وازدادت موجة العنف والاضطراب في تركيا من أوائل 1971 م وقد أيقنت الحكومة حينها أن عودة الإسلاميين إلى الساحة قد يوازن الأمور، ولم يكن بإمكان أربكان أن يتقدم للحصول على ترخيص للحزب الجديد حيث تقدم عنه كل من:
1 ـ عبد الكريم دوغر
2 ـ طوهان أكيول
وتم تأسيس حزب السلامة فعلاً، وبترخيص حكومي في 11/10/1972 م بعد انتخابات 14/10/1973 م شكل حزب السلامة مع حزب الشعب ائتلافاً وزارياً أحرز فيه أربكان منصب نائب رئيس الوزراء كما نال الحزب سبع وزارات هي وزارات الدولة والداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والتموين والصناعة وسقطت هذه الوزارة بعد تسعة أشهر ونصف، وانضم حزب السلامة إلى حزب الحركة وحزب العدالة لتشكيل الائتلاف الوزاري الجديد في 1/8/1977 م، وفي 5/12/1978 م طالب المدعي العام التركي فصل أربكان عن حزبه بدعوى أنه يستغل الدين في السياسة وهو أمر مخالف لمبادئ أتاتورك العلمانية وفي 12/9/1980 م قاد الجنرال (كنعان ايفرين) انقلاباً تسلم الجيش بموجبه زمام الأمور في البلاد واعتقل أربكان مع 33 من قادة حزبه وحدد يوم 24/4/1981 م موعداً لمحاكمته في محكمة عسكرية، وفي عام 1985 م خرج أربكان من السجن ووضع تحت الإقامة الجبرية التي استمرت حتى أواخر العام نفسه ثم ذهب إلى مكة معتمراً مع بداية عام 1986 م، وقد عاود نشاطه من جديد من خلال حزبه الجديد المسمى بحزب الرفاه، ومن كبار رجال حزب السلامة (حسن أقصاي) الذي شغل منصب وزير الشئون الدينية، وتتركز أهداف حزب السلامة على خمسة مبادئ:
1 ـ السلام والأمن في الداخل
2ـ امتزاج الأمة بالدولة
3 ـ تركيا الكبيرة من جديد
4 ـ النهضة الأخلاقية
5 ـ النهضة المادية
ومن أفكار الحزب، أن الحكم وسيلة لمرضاة الله وخدمة للأمة، وإصلاح التعليم ليكون أداة موجهة إلى الأخلاق الفاضلة، وافتتاح المعامل والمصانع في الأناضول، واستيعاب الشباب للعمل فيها بدلاً من هجرتهم للعمل في أوروبا مما يفقدهم دينهم وأخلاقهم، وضرورة مقاطعة السوق الأوربية المشتركة، وإصلاح أجهزة الإعلام لتخدم مصالح الأمة وتنمي ثقافتها، والمناداة بالصناعة الثقيلة والصناعة الحربية، وأثناء مشاركة الحزب في الحكم رفع شعار (مصنع لكل ولاية) ووضع الشعار موضع التنفيذ لكنه لم يمهل ليتم انجازه الذي بدأ به، وقد عمل الحزب على ايقاظ الشعور الديني في تركيا وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم الديني ودعا إلى إلغاء الربا بأشكاله، والدعوة إلى عودة الحروف العربية بدل اللاتينية وبناء المساجد ومناصرة القضية الفلسطينية، والتأكيد على أن (اليمين واليسار والوسط) هي أوجه لعملة واحدة هي العلمانية، وقد قال أربكان مرة: (إنهم قد اتهمونا بالرجعية والتخلف لكنهم يخجلون إذا علموا أن نواب حزب السلامة في البرلمان وهم خمسون نائباً يشكلون 95% من مثقفي المجلس) وتصدى الحزب للماسونية، وقد دعا الحزب إلى العمل من أجل تغيير الدستور التركي الكمالي، وهناك للحزب صحيفتان هما (مللي جازيت) و(يني دور) وقد استفاد الحزب من القاعدة الشعبية التي كونتها جماعة النور (النورسية) ويعد حزب السلامة امتداداً لحزب النظام الوطني وحزب الرفاه امتداد لهما.
البرنامج السياسي والاجتماعي للحزب
1- مناصرة القضية الفلسطينية واعتبارها قضية إسلامية.
2- الوقوف ضد التوجه الإسرائيلي في الحكومة التركية.
3- المطالبة بقطع علاقات تركيا مع إسرائيل إثر إطلاق دعوتها إلى نقل العاصمة إلى القدس.
4- السلام والأمن في الداخل.
5- امتزاج الأمة بالدولة.
6- تركيا الكبيرة من جديد.
7- النهضة الأخلاقية.
8- النهضة المادية.
9- الدعوة إلى أمم متحدة للأقطار الإسلامية.
10- الدعوة إلى سوق إسلامية مشتركة.
11- إنشاء عملة إسلامية واحدة "الدينار الإسلامي".
12- إنشاء قوة عسكرية تدافع عن العالم الإسلامي.
13- إنشاء مؤسسات ثقافية تبني الوحدة الثقافية والفكرية على أساس المبادئ الإسلامية.
14- ضرورة عودة المؤسسات المهمة التي تكرس العقيدة الإسلامية.
15- العمل على إرجاع الناس إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
16- الحكم وسيلة لمرضاة الله وخدمة للأمة.
17- إصلاح التعليم ليكون أداة موجهة إلى الأخلاق الفاضلة.
18- افتتاح المصانع في الأناضول واستيعاب الشباب للعمل فيها بدلاً من هجرتهم للعمل في أوروبا مما يفقدهم دينهم وأخلاقهم.
19- ضرورة مقاطعة السوق الأوروبية المشتركة.
20- إصلاح جهاز الإعلام ليخدم مصالح الأمة وينمي ثقافتها.
21- لا بد من قيام التصنيع الثقيل وكذلك التصنيع الحربي.
المكاسب التي حققها الحزب لتيار الإسلام السياسي:
1- الاعتراف بهذا التيار وأهميته في الساحة السياسية.
2- حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي.
3- حاول الإسلاميون ضرب بعض من مراكز النفوذ الداعمة للنهج العلماني.
4- تشكيل الحكومة بعدد قليل من العلمانيين.
5- طرح مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها.
6- حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين أركمان في ذلك الوقت؛ بسبب ما اعتبر من سياسته المؤيدة لإسرائيل.
الانتقادات الموجهة إلى الحزب
1- اهتمام الحزب- من وجهة نظر الإخوان- بالتجميع والكثرة العددية على حساب الاهتمام بنشر التوحيد الخالص والعقيدة السلفية، التربية والعمل الهادئ.
2- أن حزب الرفاه تبنى أيديولوجية إسلامية تعارضت في ذلك الوقت مع النظام التركي القائم، وهو ما أدى إلى انهياره.
3- لم يصمد الحزب أمام القضاء التركي والجيش التركي وهو ما أدى إلى صدامه مع مؤسسات الدولة بشكل مستمر، ومن ثَم إلى فشله.
حل الحزب
في 16 يناير،1998 أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بحل حزب الرفاه، ومصادرة أمواله لحساب الدولة، وإسقاط عضوية أربكان في البرلمان ومنعه من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات. وذلك، على أساس قيام الحزب بأنشطة معادية للدستور والنظام العلماني للدولة.
ولم يكن (الرفاه) هو أول الأحزاب السياسية التي حلت في تركيا بدعوى مخالفتها الدستور، كما أنها ليست أول مرة يواجه فيها أربكان قراراً بإقصائه عن الحياة السياسية. بل يمكن القول أن تاريخ تركيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد عودة التعددية الحزبية فيها، وبالأخص منذ السبعينات، هو ــ في أحد جوانبه ــ تاريخ الصراع بين (المؤسسة الكمالية) التي يجسدها الجيش، وبين الاتجاهات الاجتماعية والأحزاب السياسية المعبرة عن الشعور المتنامي بهوية اسلامية. ففي الخمسينات، وفي عهد رئيس الوزراء عدنان مندريس، تصاعدت التعبيرات الثقافية والفكرية لهوية تركيا الإسلامية. وفي مواجهة تدهور شعبيته، بسبب الكساد والأزمة الاقتصادية، سعى (مندريس) إلى توظيف الشعور الإسلامي، فسمحت حكومته بإصدار المطبوعات الإسلامية، وفتح مدارس الأئمة، والموافقة على الترخيص للعديد من الجمعيات الإسلامية والتي بلغ عددها أكثر من ألف في عام،1955 وبدء تدريس الدين الإسلامي في المدارس الابتدائية في،1956 وانشاء معهد البحوث الاسلامية بجامعة اسطنبول، وإعادة العمل بنظام الافتاء. وكانت هذه التغييرات من الأسباب التي مهدت للانقلاب العسكري في عام 1960. ومع أن الجيش أقام نظاماً عسكرياً وأوقف الحياة الدستورية لفترة تالية، إلا أنه لم يستطع وقف التيار الذي أطلقه (مندريس)، بحيث أصبح الإسلام والقضايا المتعلقة بالهوية الثقافية لتركيا عنصراً مطروحاً على جدول أعمال السياسة التركية. وفي هذا الإطار، ينبغي أن نفهم ما حدث مؤخراً لأربكان وحزبه، وأن نضع القرار بحل هذا الحزب في إطاره. لقد بدأ بروز أربكان في الحياة السياسية التركية من خلال عمله في (جبهة الشرق الأعظم) بقيادة نسيب فاضل. وفي،1969 فاز أربكان بمقعد في البرلمان التركي. وفي العام التالي، قام بتأسيس حزب (النظام الوطني)، الذي أكد على أن الإسلام أساس النظام الاجتماعي. وعلى أثر الانقلاب الثاني للجيش في عام 1971 صدر قرار بحـظر نشاط حزب (النظام الوطني) لمخالفته الدستور لكن أربكان لم ييأس، وفي أكتوبر،1972 أسس حزب (السلامة الوطني)، الذي كان امتداداً لحزب النظام الوطني في الأفكار والتوجيهات. وشارك أربكان، من خلال حزبه، في أغلب الانتخابات التي جرت في حقبة السبعينات، كما شارك في ثلاثة ائتلافات حكومية في أعوام،74 و،75 و،1977 تولى خلالها نيابة رئاسة الوزراء مرتين. ويعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، ففي أعقاب الانقلاب العسكري لعام،1980 تم حل كل الأحزاب، ومنها حزب السلامة الوطني. وبعد صدور دستور،1983 تم تأسيس حزب جديد باسم (الرفاه)، يدعو إلى إنشاء (النظام العادل)، وهي تسمية بديلة عن النظام الإسلامي الذي يحظره الدستور، ويركز برنامج الحزب على القيم والأخلاق التركية التقليدية، والعدل الاجتماعي، ومحاربة الفساد، ورفض التغريب، وتوثيق الروابط مع العالمين العربي والإسلامي، ومن الجدير بالذكر أن إنشاء هذا الحزب تم في وقت كان أربكان فيه محروماً من المشاركة في الحياة السياسية، حتى عاد ورأس الحزب في 1987. وخلال حقبة الثمانينات، ظل الحزب يلعب دوراً هامشياً، ولم يتمكن من احراز نسبة الـ 10% المطلوبة كحد أدنى للتمثيل في البرلمان. وشهدت التسعينات تبلور حزب الرفاه كقوة سياسية ذات شأن. ففي انتخابات،1991 دخل الحزب في ائتلاف مع الأحزاب اليمينية الوطنية، وحصل الائتلاف على نسبة 17% من الأصوات. وفي الانتخابات المحلية في،1994 حصل الحزب على 19.7% من اجمالي الأصوات، ليحتل الموقع الثالث على خريطة الأحزاب السياسية بعد حزبي (الوطن الأم) و(الطريق القويم) . كما فاز مرشحان عن الحزب بموقعي عمدة العاصمة أنقرة وعمدة مدينة اسطنبول. ثم جاء الانتصار الكبير في انتخابات،1995 بحصول (حزب الرفاه) على 158 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعداً، أي بنسبة 21.38%، ليصبح الحزب الأكبر في الحياة السياسية التركية. ومؤدى ما تقدم، أن القرار بحل حزب الرفاه ليس حدثاً بلا جذور. فهو حلقة في سلسلة الصراع السياسي والثقافي القائم في تركيا حول الهوية والمستقبل، ويضيف آخرون أسباباً أخرى لصعود الرفاه، مثل انهيار الاتحاد السوفييتي وانعكاس ذلك على الأحزاب اليسارية التركية، أو التناحرات التي تشهدها الأحزاب اليمينية الوطنية وما كشفت عنه من أوجه فساد فادحة، أو تصاعد التيارات والاتجاهات الإسلامية عموماً في المنطقة، أو الخبرة الناجحة لحزب الرفاه في إدارة عدد من المدن والبلديات، وأيًا كان الأمر أو السبب، فقد مثل الموقع السياسي الجديد لحزب الرفاه، ثم تولي أربكان رئاسة الحكومة، تطوراً بالغ الأهمية في تاريخ الجمهورية التركية. لقد استطاع أربكان وحزبه إدارة العملية السياسية، سواء في المعارضة أو في الحكم، بذكاء واقتدار. ولم يعط الفرصة لمعارضيه لاستخدام القوة ضده. فقد وصل إلى الحكم بالأساليب الديمقراطية، وسعى إلى التوصل لحل وسط مع الجيش خلال الفترة التي حكم فيها، وقدم وجهاً معتدلاً ومقبولاً لحكم يستند إلى الاسلام، وربما كان ذلك هو أهم الأسباب التي دعت الجيش والقوى المعادية للرفاه للتخلص من أربكان، بإقصائه عن الحكم أولا، ثم حل حزبه وإبعاده عن الحياة السياسية. ذلك، أنهم قد أدركوا أن استمرار الرفاه وأربكان يعني سحب بساط التأييد والشرعية من تحت الأحزاب العلمانية والجيش تدريجياً. ولأن أربكان وحزبه لم يخالفا الدستور، فقد كانت ردود الفعل الدولية غير مرحبة بقرار الحل، ومتهمة اياه بعدم الديمقراطية، بل لقد عبر مسعود يلماظ، رئيس الوزراء وقتها، عن أسفه لقرار المحكمة، قائلاً إن اجراءات من هذا النوع في دولة ديمقراطية لهو أمر يدعو للأسف، كما وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية حينها هذا القرار بأنه يدمر الثقة بالنظام الديمقراطي في تركيا. ومن الأرجح أن القوى الإسلامية سوف تلجأ إلى الاسلوب الذي انتهجته من قبل، وهو انشاء أحزاب جديدة تحت مسميات جديدة. وسوف تظهر قيادات أخرى تحل محل أربكان في فترة غيابه، وهذا ما حدث بالفعل فقد كان حزب العالة والتنمية بديلا طبيعيا عن حزب الرفاه بقيادة "أردوغان" تلميذ أربيكان.