الإيزيدية والأقليات العراقية بعد داعش.. واقع مرير.. ومستقبل غامض

الجمعة 31/أكتوبر/2014 - 09:17 م
طباعة الإيزيدية والأقليات
 
نظّم مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط التابع لجامعة الروح القدس – المعروفة بجامعة (الكسليك) ندوة موسعة حول موضوعي: "الإيزيدية في التاريخ، وحملات الإبادة التي تعرّضوا لها"، تحدث فيها  أستاذ التاريخ في جامعة دهوك وعضو لجنة جمع وتوثيق النصوص الدينية للديانة الإيزيدية الدكتور سعيد خديده علو، و"الإيزيدية والأقليات الدينية العراقية بعد داعش، رؤيا مستقبلية"، حاضر فيها مدير إعلام جامعة دهوك والمختص في شؤون الأقليّات في العراق الأستاذ خضر دوملي، في حضور عدد من اباء الرهبنة المارونية وحشد من الأساتذة والطلاب.
الإيزيدية والأقليات
أدار الندوة نائب رئيس الجامعة للأبحاث الأب يوحنا عقيقي قائلا  "للسنة الثانية على تأسيس مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط، نلتقي وفي جعبتنا أكثر من سؤال، وأكثر من غصّة على وضع اجتماعي جيوسياسي بات يُنذر بالكارثة، وبتغيير جذريٍّ على خارطة التعايش بين الأديان والأعراق في منطقة أقلّ ما يقال عنها إنّها مهدُ الحضارات الأولى والديانات التوحيديّة".
وأضاف: "إذا كانت مهمّتنا الأساسيّة، في مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط، البحث في خصوصيّات إنسانيّة، إثنيّة، ثقافيّة، وتوثيق ما خلّفته من علامات مميّزة في هذا الجزء من القارة الآسيويّة، فللتأكيد على ديمومة التمايز في عصر العولمة الجارفة، وعلى أهميّة ضخّ الحياة باستمرار في الهويّات المتناثرة على رقعة المعمورة، مهما استبدّت بها القوى العظمى وآلمها طغيان خليفة الشرّ الباذر حقدًا، وعنفًا، وتكفيرًا، وموتًا، وتدميرًا لكلّ اختلاف" .
ثم وصف الأب عقيقي المحاضرَين بـ "صاحبي شهادة وعلم وتجربة إنسانيّة رائدة عمّقها حبّ الحياة، والاستمراريّة في العطاء، والتمسّك بالجذور والارث الآبائي والاجتماعي والجغرافي ".
وتساءل الأب عقيقي: "من هم الإيزيديّون؟ ما معتقداتهُم؟ نظامهم الاجتماعي والحياتي؟ ما التحديّات المصيريّة التي تعرّضوا ويتعرّضون لها؟" مقدّمًا قليلًا من التعريف العلمي عن الإيزيدية، ليعطي بعدها الكلام للمحاضرَين ليتوسعا أكثر في موضوع الندوة.

الديانة الإيزيدية

الديانة الإيزيدية
ثم حاضر خديده علو فعرّف أوّلاً بالديانة الإيزيدية: "هي ديانة كردية قديمة كُتب عنها في كثيرٍ من الكتب، التي نعمل على جمعها وحمايتها من التلف والتشويه، والإيزيدية ديانة طبيعية في كينونتها ولها فلسفة خاصة عن الله والخير والشر، تقول بأنّ الله واحد والإيزيديون هم من أتباع الله، من أهم المحرّمات في هذه الديانة البصق بوجه الإنسان وبالنار لأنّها إحدى عناصر الكون الأساسية الذي خلقه الله، أمّا المكان الأصلي للإيزيديين فهو كردستان العراق إلاّ أنّهم توّزعوا في مناطق عدة خصوصاً في ألمانيا وجورجيا وروسيا حيث يحظون بتمثيلٍ سياسي في البرلمان".

من الدولة العثمانية لداعش

من الدولة العثمانية
كما استعرض سياسة الدولة العثمانية تجاه الإيزيديين بين عاميْ 1809 و1876 "فكانت تُرسل الحملات العسكرية ضدهم، وتهجّرهم من بيوتهم، وترهبهم، وتبيع نساءهم وتستعبدهنّ، وتقتل شيوخهم، وتهدم قراهم، وتسلبهم وتنهبهم. أمّا أسباب تلك الحملات فهي سياسية-اقتصادية بهدف الاستيلاء على الثروات، أمنيّة لحماية الطرق التجارية ودينية".
واعتبر أنّ "التاريخ يعيد نفسه فأهل سنجار قُـتلوا بالرماح من قبل الدولة العثمانية، أمّا اليوم فهم يُقـتلون بأسلحة متطوّرة من قبل داعش، فهناك 3000 مختطف وآلاف الفتيات اللواتي اغتصبنّ على يد عناصر من داعش".
وأضاف: "تعرّض الإيزيديون للكثير من الإبادات الجماعية، خصوصاً في القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين، فنزحوا وتهجّروا من مساكنهم. واتّهمتهم الحكومات العراقية المتعاقبة بأنّهم عبّاد شيطان". 
وفي النهاية، سلّط الضوء على "النتائج التي ترتّبت عن تلك الحملات كتدمير المناطق اقتصادياً، قتل الكثيرين وسبي النساء والأطفال، العيش بدائرة منعزلة وعدم الثقة بالواقع، زرع الحقد والكراهية بين المسلمين والإيزيديين ناهيك عن التغيّر الديمجرافي".

أقليات العراق

أقليات العراق
وقدّم دوملي في مستهل محاضرته توطئة عن أقليات العراق، وأشار إلى أن العراق يعتبر واحدًا من البلدان المهمة في الشرق الأوسط التي تحتضن الكثير من الأقليّات الدينية والاثنية والقومية منذ آلاف السنين وهم يعدون من أبناء السكان الاصيلين لوادي الرافدين - ميزوبوتاميا مثل ( المسيحيين – كلدان – اشوريين – وارمن وسريان، الإيزيدية، الكاكائية أو يارسان، البهائية والصابئة المندائية، الشبك والتركمان، وأصحاب البشرة السوداء وسابقا اليهود) يمتدّ حضورهم في هذه البلاد لمئات السنين قبل انتشار الاسلام، وينتشرون في شمال ووسط وجنوب العراق، وغالبيتهم الآن على الشريط الممتد على الحدود الجنوبية لكردستان أو المحاذي حاليًّا لإقليم كردستان العراق حيث يعيش غالبيتهم هناك اليوم" .
واعتبر "أن حضور الأقليّات في المشهد العراقي شهد موجات كبيرة من الحملات والهجمات والتغيرات الجذريّة في الموقع الجغرافية، وفي الممارسة، ضدّهم بالدرجة الأساس، فيما يتعلّق بمحاولات أو حملات طمس الهويّة والتشويه المتعمّد وغير المتعمّد، أو الإهمال في الاهتمام بهم لأنهم كانوا في الغالب غير مقبولين من قبل الأغلبيّة، على عدّة مستويات، وفي عدّة مراحل تاريخيّة، ليصل بهم الوضع في الوقت الحالي ليشهد البلاد موجات نزوح مستمرّة بالآلاف، وموجات هجرة لترك البلاد دون توقّف منذ بدايات التسعينات من القرن الماضي لتشهد الآن موجات نزوح وهجرة جماعية ومستمرّة ألحقت ضررًا كبيرًا في وجودهم وموقعهم وتغير الطابع الديموجرافي لمناطقهم وخاصة بعد ربيع 2003".
كما أكد أن "الآن وبعد وصول الأوضاع إلى  أسوء ما هي عليه، تشهد مدن وبلدان محافظة نينوى – الموصل، منذ سيطرة داعش عليها،  تغيرًا مستمرًّا في خارطتها السياسية والدينية، تشهد نزوحًا مستمرًّا للأقليّات، وقتلًا مستمرًا للأيزيديّة وهجرة المسيحيين وتضاءل الأمل بالمستقبل في العراق الذي لخصها أحد نشطاء المجتمع المدني بالقول:" حتى لو وضعوا دبابة أمام بيتي لتحرسني لن أبقى في هذا البلد لأنهم لا يريدوننا بينهم".
ولفت إلى "أن هذا الواقع الجديد الذي أسفر عن سيطرة واحتلال داعش لمناطق شاسعة من العراق وأكثرها أهمية هي مواطن الإيزيدية والمسيحيين والشبك والكاكائية باتت في منظار العالم أكثر من أي وقت مضى، رغم أنها شهدت الكثير من المآسي والويلات منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن، باتت في صورة ما تشبه أنها البداية لتغير خارطة الأقليّات في العراق وفصلًا آخر من فصول التهميش والإقصاء ليلحق به فصل النزوح وسبي النساء والأطفال الإيزيدية الذين بلغوا سبعة آلاف شخص بين قتيل ومخطوف ومفقود".
بالأرقام
ثم عرض دوملي وقفة تاريخية، قدّم فيها بالأرقام شرحًا مفصّلًا عن الممارسات الهمجية التي انتهجتها الدولة العراقية منذ تأسيسها ضد الأقليات الدينية، وتوسّع في موضوع الأقليات في العراق بعد داعش، متخذًا الإيزيدية نموذجًا. وأشار إلى أنه "بسيطرة داعش على أكثر من 70% من مناطق الأقليّات في العراق تغيرت الخريطة السياسية والجغرافية للأقليّات وأصبحت الخسائر كبيرة، يصعب عودة الآلاف إلى مناطقهم دون توفر حماية ودون تنمية ودون العمل على بناء الثقة والمصالحة بين مكونات المنطقة المختلفة، تغير خارطة الأقليّات السياسية أصابه الضرر الكبير، وتغير خارطة العلاقة بين المواطنين الذين تركوا مناطق سكناهم وبين من بقي هناك، آلاف النساء والأطفال والرجال الإيزيدية لا يزالوا بيد داعش في الموصل وتلعفر وبعاج وربيعة."
وأكد "أن الممارسات التي ارتبكتها داعش ضد الإيزيدية التي فاقت كل التصوارت، اسفرت عن ممارسات بعيدة عن القيم الانسانية تمثلت بـالاغتصاب لفتيات قاصرات وسبي نساء وفتيات وبيعهن للمسلحين، وأسلمة  للمئات عنوة، وارتكاب مجازر جماعية كما حصل في قرية قنى مهركا بقتل واعدام اكثر من ثمانين شخص امام انظار ذويهم في الثالث من شهر اغسطس  2014، وارتكاب مجزرة قتل جماعية في قرية كوجو 15 اغسطس  بقتل واعدام أكثر من أربعمائة رجل وسبي اكثر من خمسمائة أمرأة منها في يوم واحد ".

لاخطط مستقبلية

لاخطط مستقبلية
وخلص إلى "أن الآفاق المستقبلية لواقع الأقليّات في العراق بشكل عام لا يشير إلى  تقدم ملموس وراسخ، فمنذ احدى عشر سنة كان ابناء الأقليّات يتصورون ان زمن التهميش والاقصاء والاساءة إلى مبادئهم الدينية سينتهي، ولكن اكتشفوا أن تلك المبادئ وذلك الاقصاء قد اخذ صورا أخرى تتمثل في الإقرار عن مصيرهم نيابة عنهم،  ولا توجد إلى  الآن اية خطط وسياسات واضحة في كيفية التعامل مع التعددية الدينية والقومية، كما ان الواقع المستقبلي للأقليّات في الجانب الآخر أو على ضوء افاق قريبة المدى يشوبه المخاطر على ضوء هجرة الآلاف من المسيحيين والإيزيدية تحديدًا".
واختتم "إن الرؤية المستقبلية الأبرز تكمن في كيفية مواجهة موضوع العودة بروح وطنية بعيدة عن الانتماءات الضيقة، وكيف سيتم البدء بمشاريع المصالحة  مع عدم وجود خطط استراتيجية بهذا الشأن، كما أن عدم وجود موازنة خاصة لتنمية مناطق الأقليّات يعني تدهور اقتصادي مستمر في ظل وجود عشائر عربية قوية وغنية وتملك كل مقومات القوة ورأس المال هناك، لا بل تملك الأسلحة أيضًا، ثم إن النظر إلى  البعد المستقبلي الابرز يتمثل باستعداد بغداد واربيل في منح الحكم الذاتي واسع النطاق للأقليّات محمي بالقوانين والتشريعات المدنية ودعم مالي مستمر، وألا فإن خارطة الأقليّات ستبقى مفتتة لفترة طويلة رغم أن الحماية والتحرك الدولي لمساعدة إقليم كوردستان وقوات البيشمركة يبعث على شيء من الاطمئنان، إلا أن الوقائع على الأرض يشوبها الكثير من المخاوف".

شارك