المرأة بين «الملالي» و«الإخوان».. مقارنة تاريخية وحقوق مسلوبة (1-3)

الأحد 05/يناير/2020 - 02:08 م
طباعة المرأة بين «الملالي» نورا بنداري
 
حاولت المرأة أن تكون عضوًا مؤثرًا في نظامي الملالي والإخوان؛ لإثبات حضورها والتأكيد على قدرتها في إحداث تغيير في المجتمع، أدى هذا إلى استغلالها أحيانًا وتحجيم دورها وممارسة العنف ضدها أحيانًا أخرى، فعلى  مدار السنوات الماضية، أطلق النظامان شعارات باسم الدين ودعاوى زائفة يبدو في ظاهرها الرحمة؛ إلا أن المكائد تكمن في باطنها.


إيرانيات بعد الثورة

فنجد أن المرأة الإيرانية التي شاركت في الثورة الإيرانية عام 1979 كي تحصل على حقوقها المسلوبة، مورس ضدها بعد الثورة أبشع الأساليب القمعية رغم دعوات نظام الملالي بأن المرأة ستحصل على كافة حقوقها؛ وعلى الجانب الآخر يتباين دور المرأة الإخوانية، فمنذ نشأة جماعة الإخوان عام 1928، كانت تفضل جلوس المرأة في البيت، لكن سرعان ما تحول الأمر واستخدمت المرأة الإخوانية لنشر أفكار الجماعة.

وفي السياق ذاته، تستعرض الدراسة من خلال ثلاثة أجزاء؛ الدور الذي لعبته المرأة في نظامي الملالي، وجماعة الإخوان، وذلك من خلال تسليط الضوء على الدور الاجتماعي والسياسي، بجانب عرض السياسة التعنتية التي تعرضت لها من كليهما مع وضع رؤية مستقبلية حول وضعها داخل النظامين.

الدور الاجتماعي للمرأة الإيرانية والإخوانية

يظهر الدور الاجتماعي للمرأة في عدد من الأمور منها تربية الأبناء مع مشاركتها في الحياة المجتمعية مثل حقها في التعليم  والتعيين وتقلدها مناصب قيادية فى المنظمات، والمؤسسات الحكومية.

1.      المرأة في نظام الملالي

تباينت الحقوق التي حصلت عليها المرأة في نظام الملالي من بينها الحق في الزواج، والطلاق، والتعليم، وارتداء الحجاب، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالمشاركة في الحياة  الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالعمل، كما ظهر دورها جليًا في الحياة السياسية إبان نظام الشاه وحتى اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، ونتج عن مشاركتها؛ سقوط الشاه، إلا أن إخلال النظام الجديد بوعوده بعد الثورة وهي تمكينها سياسيًّا واجتماعيًّا؛ أزاد من تمردها، ما دفع النظام إلى ممارسة أقصى أنواع التعذيب ضدها وهو الإعدام.

وتواجه النساء الإيرانيات وفقًا للدستور الإيراني التمييز في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال، الذي يعطي الرجل الحق في كل شيء، وفقًا للتقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2015، والذي نشره «المنتدى الاقتصادي العالمي»، يضع إيران بين آخر 5 بلدان (141 من أصل 145) من حيث المساواة بين الجنسين.

وفي إطار ذلك، عملت المرأة على إثبات وجودها في جميع مجالات الحياة الاجتماعية المختلفة دون الابتعاد عن الحياة الأسرية، لذا ناضلت من أجل حضورها بقوة على الساحة السياسية من خلال الحركة النسوية الإيرانية التي أسست عام 1910، والتي تعد واحدة من أقوى الحركات الحقوقية التي حققت انتصارات للمرأة منها الحق في التصويت، والترشح للمناصب القيادية فى الدولة، حيث دعت الحركة النسائية إلى «حملة المليون توقيع» عام 2006، للقضاء على التمييز ضد المرأة وزيادة المشاركة الاجتماعية لها (1).

ودشنت الحركة النسائية العديد من المنظمات غير الحكومية، في عام 2009 أنشأت 88 منظمة، ثم أخذت فى التزايد حتى وصلت إلى  989 منظمة، وفقًا لإحصائية الطاقة العاملة الإيرانية، إلا أنها واجهت تضيق من قبل نظام الملالي وقام بإغلاق عدد كبير منها.

لم تتغير أوضاع المرأة في ظل حكم الرئيس «محمود أحمدي نجاد» والذي استمر لنحو  ثمانية أعوام، حيث تعرضت إلى سياسات تمييزية تمثلت في نظام الحصص الجندرية في الجامعات وهى «التميز بحسب النوع» ما أدى إلى تراجع أعداد النساء فى الجامعات.

وفي عام 2012 وافقت الحكومة الإيرانية على إغلاق 77 مجالا علميًّا أكاديميًّا في 36 جامعة على مستوى الجمهورية أمام الفتيات، بزعم أن هذه التخصصات غير مناسبة لعمل النساء وأنهم بحاجة إلى ذكور، ولم يتوقف الأمر عند تهميشهم تعليميًّا؛ بل قام بعض أعضاء البرلمان من المحافظين بسن تشريعات من شأنها التضييق على المرأة فى سوق العمل(2)، ووفق الإحصاءات الإيرانية لعامي 2016 و 2017، توجد 14.9% من النساء الإيرانيات في القوى العاملة، مقارنة مع 64.1% من الرجال، و هذا المعدل أقل من متوسط 20% لجميع النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (3).

ويرجع انخفاض نسبة تمثيلها إلى السياسات الحكومية التي تعارض حق النساء الإيرانيات في العمل، وتحظر وصولها إلى بعض الوظائف، إضافة إلى غياب الحماية في النظام القانوني الإيراني التي تمثل عقبات أمام مساواتها بالرجل في سوق العمل.

ومع استمرار المضايقات من نظام الملالي، فإن «شهلا شركت» مديرة مجلة «زناني أمروز» الإلكترونية، نشرت أن المرأة من حقها قيادة السيارة، تم استدعاؤها من قبل السلطات واتهموها بأنها نسوية وتسببت في إهانة إيران، كما أصدرت السلطات الإيرانية مذكرة اعتقال بحق الملاكمة «صدف خادم» التي تمكنت من الفوز على نظيرتها الفرنسية «آن شوفين» في نزال أقيم بفرنسا عام 2017، بسبب عدم مراعاة الزي المحتشم، وخشيت الملاكمة أن تتعرض لمشاكل قضائية في بلدها، لذا قامت بإلغاء رحلة العودة إلى إيران.

وعملت المرأة الإيرانية على تجسيد المعاناة التي تتعرض لها من قبل النظام من خلال الفن، لذا سلط فيلم «الدور» للمخرجة الإيرانية «فرنوش صمدي»؛ على أزمة المرأة في المجتمع الإيراني وعن المأساة التي تعيشها في ظل حكم الملالي من قمع للحريات باسم الدين وجاء اسم الفيلم «الدور» ليعبر عن الدور المفقود والمأمول للمرأة.

أما عن قضية الحجاب فتعتبر هي الأكثر جدلًا داخل المجتمع الإيراني، حيث أصدر  المرشد الأسبق «الخميني» قرارًا يقضي بضرورة ارتداء النساء للحجاب في الدوائر الحكومية بعدما كان الحجاب محظور ارتدائه في الأماكن العامة في عهد «الشاه»، لذا تظاهرت النساء المعترضات ودعون إلى حرية ارتداء الحجاب(4).

وفى عام 1980 صدر أول تعميم حكومي بخصوص الالتزام بالحجاب، ما أدى إلى احتجاج النساء، مما ترتب عليه فصلهم من العمل، وفي أكتوبر عام 1981 صدق مجلس الشورى الإسلامي على قانون جعل الحجاب في أماكن العمل إلزاميًا، وفرض عقوبة لمن يخالف ذلك، وقامت الحكومة الإيرانية أيضًا بعمل دوريات في الشوارع للقبض على المرأة التي لا ترتدي الحجاب، واعتقل نحو 2000  امرأة (5).

رغم ذلك استمرت المرأة في نضالها، وخرجت في احتجاجات ديسمبر  2018، وحكمت المحاكم على العديد منهن بالسجن لمدة أقصاها 20 سنة، وقدمت السلطات دعوى ضد المحامية الحقوقية "نسرين ستوده" لدفاعها عن العديد من النساء، إلا أنها لم تنجو ، وحكم عليها  في مارس 2019 بالسجن 33 عامًا و148 جلدة، ووجه إليها تهم عديدة منها التحريض على الفجور، والتجسس، وعدم ارتداء الحجاب.

وطبقت السلطات الإيرانية أشد أنواع التعذيب ضد النساء في السجون وقتلت عشرات الآلاف منهم، واحتلت إيران المرتبة الخامسة والخمسين عالمياً في مؤشر احترام المرأة بعد أن كانت تمثل أبرز النماذج غير الغربية في احترام حقوق المرأة إبان حكم «الشاة» (6).

ورغم الممارسات العنيفة التي مازال يمارسها الملالي ضد النساء من اعتقال وسجن إلا أن استمرارية المرأة في الكفاح والنضال من أجل نيل حقوقها الاجتماعية يبرهن؛ أن الستار  لن يسدل حتي تنتصر  أو تظل تلك الممارسات إلى ما لا نهاية.

2.      الدور الاجتماعي للمرأة في الإخوان

أقر مؤسس جماعة الإخوان «حسن البنا» في الوثيقة التي وضعها وحملت عنوان «رسالة المرأة المسلمة» بحقوق المرأة وفقًا لما نص عليه تعاليم الدين الإسلامي، إلا أنه حصر  تعليم المرأة في المعارف والعلوم التي تحتاج إليها بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقت لها وهي تنظيم بيتها ورعاية أطفالها (7)، وفي 1933، أنشأ «البنا» فرقة الأخوات المسلمات، بهدف تثقيف نساء أعضاء الجماعة والقيام بالعمل الدعوي في سلسلة من الحلقات التي يرتب لها داخل مقر الجماعة أو بالمساجد.

واختار «البنا» السيدة «لبيبة أحمد» رئيسة تحرير «جمعية النهضة النسائية»، ليضمن تحقيق هدفين: اجتذاب شريحة من دعاة تحرير المرأة وإدخالهن في قفص الجماعة من جهة، وتوظيف طاقة النساء من جهة أخرى لخدمة مشروعه السياسي.

ورغم ذلك، أكد «البنا» في مقال له بمجلة «الإخوان المسلمين» ٥ يوليو ١٩٤٧، أن منح المرأة حق الانتخاب يعتبر ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وانتخاب المرأة سبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة(8).

ووقتها اقتصر دور المرأة الإخوانية على إقامة التجمعات الدعوية والملتقيات التثقيفية لاستقطاب الفتيات، ودعوتهن لقراءة كتب تخص المرأة المسلمة، من أهمها كتاب "الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية" من تأليف محمد عبدالحكيم ومحمود الجوهري، وتضمن الكتاب رؤية الجماعة لدور المرأة المسلمة وجاء فيه "المرأة المسلمة هي التي ستعيد الصبغة الإسلامية للمجتمع بحجابها وطاعتها لزوجها ومكوثها في المنزل وعدم تعمقها في التعليم"(9).

مما سبق، نجد أن الدور الاجتماعي للمرأة في الإخوان هو المنزل ثم الخروج الى العمل  بضوابط محددة عليها الالتزام بها  من أهمها الحجاب وعدم الاختلاط مع الرجال، و عملت أيضًا على توسيع قاعدة الأخوات من خلال مجالس العلم التي كانوا يداومون على عقدها بصورة مستمرة.

المصادر: 

(1)Valentine M. Moghadam, Women in the Islamic Republic of Iran: Legal Status, Social Positions, and Collective Action, April 2017,link .

(2)أمل شموني، إيران تمنع الفتيات من الالتحاق بعشرات الاختصاصات الجامعية، موقع الحرة،25 سبتمبر 2012، المصدر .


(3)Iran: Women Face Bias in the Workplace, 25 May 2017, link .

(4)عباس علي موسى، خط زمني: نضال المرأة في إيران ضد الحجاب الإلزامي، موقع إضاءات، 27 مارس 2019، المصدر .

(5)المرجع السابق.

(6)عبد القادر نعناع، المرأة الإيرانية: بين التمييز والاعتداء على الحقوق، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 12 مايو 2014، المصدر .

(7)هاني سليمان، دور المرأة الإخوانية: دراسة في المحددات والتحولات بعد عزل محمد مرسي، مجلة سياسيات عربية، العدد 9، يوليو 2014، المصدر .

(8)صلاح يوسف، إسلاميات، دورية الحوار المتمدن، العدد: 3715، 2 مايو 2012، المصدر .

(9)رباب كمال، الأخوات المسلمات.. ما سر ترويج الجماعة للنموذج النسوي الإيراني؟، موقع حفريات، 8 يوليو 2019، المصدر.

 

شارك