إسلاميو الجزائر.. القفز على حراك الشارع

الأحد 05/يناير/2020 - 07:27 م
طباعة إسلاميو الجزائر.. أحمد نبوي
 
يغلُب على المعالجات النظرية لحركات الإسلام السياسي، حالة من الولع بالمعالجة الأيديولوجية لهذه الحركات، أعني حالة التركيز على البعد الأيديولوجي عند معالجة ماضي وراهن ومستقبل هذه الحركات، وكأننا نتعامل مع منتجات أيديولوجية نقية، إنما الواقع في الحقيقة على النقيض تمامًا من هذه الرؤية المبتسرة لتلك حركات.
وكما يشير الباحث «مارك لينش» المختص بسياسات العالم العربي بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أنه علينا كباحثين أن نُطل على الأحزاب الإسلامية ليس بوصفها أطرافًا أيديولوجية محضة، بل كحركات سياسية عقلانية تتفاعل مع فرص وتحديات سياسية في بلدانها.[1]
فمسار الحركات الإسلامية على امتداد القُطر الإسلامي كان يحمل دائمًا مزيجًا من النظرية والممارسة، فتارة تُصدر هذه الحركات خطابًا أيديولوجيًّا محضًا يُعلِي من تصورات هذه الحركات عن الإسلام وبرنامجه السياسي والاجتماعي كما تتصوره هذه الحركات، وتارة تتعامل مع الواقع الفعلي من خلال براجماتية محضة تُعلِي من المصلحة على أي اعتبار أيديولوجي.
ويفسر «أوليفييه روا» هذه البراجماتية في كتابه «تجربة الإسلام السياسي»[2] بأن الصنف الإسلاموي الذي مارس العمل السياسي، وسعى من خلاله لمنصات الحكم المختلفة، اضطر اضطرارًا أن يتلون وينصبغ بصبغات المفاهيم السياسية الحداثية، فتارة ينتحل لغة ومفاهيم ماركسية، وتارة أخرى يتبنى طروحًا رأسمالية اقتصادية، جاهدًا لأن يصبغها بنعوت ومفاهيم إسلامية، بينما هي من منظور علم الاجتماع السياسي المجرد، هي ذاتها الممارسة التي تمارسها تلك القوى الأيديولوجية في بلدان ليست مسلمة أصلا، بل ولا تمت هذه القوى للإسلام بصلة.
ويرى «روا» أن أحزاب الحركات الإسلامية في غير وعي منها وقعت فيما هي بصدد نقده، إذ رأى أنها أخذت ثلاثة نماذج:
- حزب من النمط اللينيني، يقدم نفسه على أنه طليعة تهدف إلى الاستيلاء على السلطة، وينكر شرعية كل الأحزاب الأخرى: ومثال هذا «حزب إسلامي» الأفغاني.
- حزب سياسي من النمط الغربي، يسعى داخل إطار انتخابي ومتعدد الأحزاب إلى تمرير الحد الأقصى من عناصر برنامجه، ومثال هذا حزب الرفعة في تركيا.
- جمعية دينية ناشطة، تسعى إلى ترويج القيم الإسلامية، وتغيير العقليات والمجتمع عبر استحداث حركات تشاركية، والتغلغل في أوساط النخب، (جماعت اسلامي) الباكستانية.
وهذه الملاحظة النظرية تأخذنا لتجارب الحركات الإسلامية المختلفة التي جمعت بين شعارات أخلاقية رنانة، وممارسات عملية منافية لهذه الشعارات.
ونركز هنا على حالة إسلاميي الجزائر كدراسة حالة، إذ نتتبع مواقف الحركة الإسلامية من العشرية السوداء، مرورًا بالحراك ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999 ـ 2019)، ونهايًة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.



الإسلاميون من العشرية السوداء إلى حراك 22 فبراير 2019
شهدت الجزائر بين العام 1992 و2002 واحدة من أسوأ موجات العنف التي شهدها العالم العربي والإسلامي في تاريخهما الحديث، وهو ما سُمي فيما بعد بالعشرية السوداء، تلك العشرية التي كان الإسلاميون طرفها الأول في مواجهة الجيش الجزائري، وذلك بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها الإسلاميون، وجبهة الإنقاذ على وجه التحديد.
ومع نهاية العشرية السوداء وانضواء جموع الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم تحت عباءة المصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أيقن الإسلاميون كارثية حمل السلاح، ومواجهة الدولة، ومن ثمً قبلوا الانخراط في العملية السياسية، والمشاركة الانتخابية بُغية الوصول للسلطة، وهو المسار الذي بُررت فيه الكثير من التحالفات مع نظام بوتفليقة للحصول على النصيب الأكبر من المقاعد البرلمانية.
أنتجت العشرية السوداء والحراك الأخير المناهض للرئيس السابق بوتفليقة، وجهًا آخر للحركة الإسلامية في الجزائر، إذ باتت الحركة أكثر ميلًا للسلمية في حراكها بعد أن جرّبت سوء المصير الذي يولده العنف والاقتتال، لكن وفي نفس الوقت فقد أنتج ذلك تشرذمًا واضحًا داخل الحركة، وانقسامها على نفسها مرات عديدة، لتنتج أحزابًا وحركات مختلفة، تختلف في بناها الأيديولوجية، ورؤاها الحزبية، لكن ما لم يتغير من بعد العشرية وإلى الآن هو تصيد إسلاميي الجزائر الفرصة لتحقيق أكبر المكاسب والوصول للسلطة.
ومع أن الحراك الأخير في الجزائر شأنه شأن حراكات أخرى كالحراك في لبنان والعراق، يهدف في الأصل إلى إحداث قطيعة نهائية مع النظام والمعارضة على حد سواء؛ خاصة في شقها الإسلامي الذي تكرر فشله في بلدان عربية عديدة، وأورد الجزائر موارد الهلاك في عشريتها السوداء، فإن الإسلاميين ومع تغيير خطابهم مع الأشهر الأولى للحراك حاولوا مسايرة الخطاب العام للحراك المناهض لبوتفليقة.
ومن الجدير بالذكر، أن إسلاميي الجزائر لم يشاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 22 فبراير، لكن ما إن استقال بوتفليقة في 2 أبريل تحت ضغط الحراك بعد عشرين سنة من الحكم، حتى تصدّر إخوان الجزائر الصفوف الأولى من المظاهرات؛ في خطوة تهدف لإعادة الترتيب والتموقع سياسيًّا في البلاد بعد مرور 7 سنوات على انسحابهم من تحالف داعم لبوتفليقة دام 10 سنوات.
ومع ذلك ففي بيان للحركة الإسلامية للإنقاذ أشادت الحركة بما أسمته «تحرير الحراك الشعبي للمجتمع ولقطاعات عريضة في مؤسسات الدولة، واستطاع الجمع بين جميع الجزائريين باختلاف ألوانهم السياسية والأيديولوجية والفكرية، ووحدتهم على مطلب واضح وصريح يتمثل في رحيل النظام ورموزه»[3]
وفي المقابل حافظ أكبر الأحزاب المنتمية للإخوان المسلمين (حمس)، على تقاليده في القفز بين مختلف المواقع، مقابل الاحتفاظ بتصوره في قراءة وبلورة حلول الأزمة، فرغم الحضور الدوري لحركة حمس في لقاءات تكتل قوى التغيير، إلا أنها انفردت بخارطة طريق جديدة، ضمنتها رؤيتها، ولو أنها تقاطعت في بعض التفاصيل مع مختلف الخرائط السياسية المعروضة، لكن يبقى تقلب حمس، مثار شك ومصداقية مهتزة لدى الشركاء السياسيين في المعارضة، بعدما دخلت في وقت سابق في اتصالات مع السلطة، لترويج سيناريو تمديد الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، مقابل القيام بإصلاحات عميقة. [4]

الإسلاميون والانتخابات الرئاسية الأخيرة
مع بداية التجهيز للانتخابات الرئاسية الجزائرية أعلنت حركة مجتمع السلم عدم المشاركة في السباق بمرشح أو دعم أي من المتنافسين، لكن وفي الوقت نفسه لم تدع الحركة إلى المقاطعة للانتخابات، وهو موقف شبيه لما انتهجته حركة النهضة التونسية في الانتخابات الرئاسية.
ومع أن حركة «حمس» كانت قد قدمت اعتراضات جوهرية على شروط تنظيم الانتخابات من قبيل الشفافية، واعتراضها على استمرار رموز نظام بوتفليقة في دواليب الحكم، وهي اعتراضات الحراك المناوئ للعملية الانتخابية في الحقيقة، وعلى هذا الأساس أعلنت الحركة مقاطعتها للانتخابات.
لكن مع ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها عبد المجيد تبون في الجولة الأولى من اقتراع الثاني عشر من ديسمبر 2019، وفور فوز «تبون» سارعت الحركة بدعمه في محاولته الإصلاحية، وهو ما عُد خيانة لمطالب الحراك الذي اعتَبر في قطاع كبير منه الانتخابات الرئاسية إعادة إنتاج لنظام بوتفليقة بوجوه أخرى، بل ومفارقة لتصريحات الحركة نفسها قبيل الانتخابات، لكن وكعادة الحركة الإسلامية سارعت للتحالف مع السلطة الجديدة لتضمن لنفسها كما تعتقد حصة من التورتة مع النظام الجديد.
وصرح عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، في ندوة صحفية أعقبت اجتماعًا رسميًّا للهيئة القيادية لحركة حمس، بأنه «من واجبنا إعطاء الرئيس الفرصة كاملة للإصلاح، وندعوه للحذر من الفاسدين والانتهازيين، وبخصوص تعاملنا معه فسيكون مثلما تعاملنا مع الرؤساء السابقين تماما».
ولفت إلى أن «حركة مجتمع السلم، مستعدة للمشاركة في الحوار مع السلطة، لأننا من دعاة التوافق، وتمنينا أن يكون التوافق خلال الانتخابات لكن من بيدهم الحكم يتحملون مسؤوليتهم، الرئيس إذا أحسن سندعمه، وإذا أخطأ سنقومه، وإذا ما دعينا للحوار فسنشارك فيه»، مضيفا «الموانع المعلنة لرفض الحوار مع النظام التي وضعها الحراك مثل رحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد زالت» [5]
وسار على نهج حركة «حمس» حركة إسلامية أخرى هي حركة البناء الوطني الذي أعلن مرشحها الخاسر في الانتخابات الرئاسية عبد القادر بن قرينة، عن قبوله المشاركة في الحكومة إذا توفرت مجموعة من الشروط، وذهبت بعض الأصوات من داخل الحركة الإسلامية إلى انتقاد ما أسمته براديكالية الحراك.

خلاصة:
نستقي مما تقدم خلاصة مفادها أن ثمة فرقًا شاسعًا بين الأيديولوجيا التي تنطلق منها الحركات الإسلامية في الجزائر وبين ممارسة هذه الحركات على أرض الواقع، فهذه الحركات لطالما رفعت شعارات تتعلق بالنزاهة وتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن في واقع الممارسة الفعلية، فالوصول للسلطة والمشاركة فيها ظل هو المحرك الأول لهذه الحركات، حتى إذا تجاوزت بذلك الكثير من الأطر الأيديولوجية التي تعتنقها وتدعو لها، وهو ما يدعو إلى ضرورة بحثية تُعنى بالتفريق بين أيديولوجيا هذه الحركات وبين ممارستها الفعلية.

قائمة المراجع:
1- آفاق مجهولة: الأحزاب الإسلامية ما بعد جماعة الإخوان، مارك لينش، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يمكن الاطلاع على الورقة البحثية على الرابط التالي: https://cutt.us/TNoDV
2- "تجربة الإسلام السياسي"، أوليفييه روا، دار الساقي للطباعة والنشر, 1996.
3- إسلاميو الجزائر في سباق مع الزمن للحاق بالحراك الشعبي، صابر بليدي، حفريات, 2019-03-27، يمكن قراءة المقال كاملًا على الرابط التالي: https://cutt.us/GXtZL
4- المصدر السابق.
5- صابر بليدي، إسلاميو الجزائر يغازلون السلطة الجديدة، حفريات, 31 -12 -2019، لقراءة المقال كاملًا يرجى زيارة الرابط التالي: https://cutt.us/hDDby

شارك