“مفهوم الإجماع” دراسة فلسفية لجذوره الثقافية وأسسه المعرفية

الأحد 12/يناير/2020 - 11:23 م
طباعة “مفهوم الإجماع” دراسة حسام الحداد
 
 “مفهوم الإجماع” دراسة فلسفية لجذوره الثقافية وأسسه المعرفية، رسالة بحثية لنيل درجة الماجستير مقدمة من الباحثة  هبة مصطفى محمد طنطاوي وإشراف أ.د رجاء أحمد علي (أستاذة الفلسفة الإسلامية بقسم الفلسفة-كلية الآداب- جامعة القاهرة) تعقد المناقشة يوم الخميس القادم الموافق 1/16/ 2020 بقاعة المؤتمرات الرئيسية بكلية الآداب- جامعة القاهرة.
  وتقول الباحثة في مقدمة رسالتها: تسود مجتمعاتنا الإسلامية والعربية حتى اليوم ثقافة “الجماعة”، وهي ثقافة ضد الفردية  ولا نبالغ إن قلنا أنها ثقافة “اللافردية” أو “اللاذاتية”، فالخطاب الديني إلى اليوم يخاطب الناس كجماعة ولا يخاطبهم كأفراد، وكأنه ليس لكل فرد حياة وظروف وفكر وعقيدة مختلفة عن الآخر، ويجد المرء صعوبة شديدة في الخروج عن قالب الجماعة، ويكون حينها عرضة للسخرية وأحيانا عرضة للعقاب  لمخالفته السائد أو ما اتفقت عليه الجماعة.
     بينما جاء القرآن مؤكدًا على الفردية ومسئولية الفرد عن أفعاله، وأنه المسئول الأول أمام الله في الدنيا والآخرة عما اقترف أي أن الله لن يسأل أولي الأمر عنا ولكن سنحاسب كأفراد، فيقول تعالى: “فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ”  (الأنعام:104)، “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” (فاطر:18)، “مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا” (فصلت:46).
     بل ويؤكد القرآن على عدم احتياج الفرد للوصاية بل على العكس فقد كشف القرآن أن الوصاية وإتباع الفرد للجماعة أو الأوصياء يكون في بعض الأوقات طريق للهلاك، فيقول تعالى “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا” (الأحزاب:67)، “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ” (البقرة:166)، “إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا” (الجاثية:19).
     ويلفت القرآن نظرنا إلى أهمية إعمال الفرد لعقله ليعرف الطريق القويم وغير القويم بنفسه، حينما تحدث عن احتكار فرعون للسلطة بحجة المعرفة قال فرعون لقومه “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” فاعتقدوا أنه يرشدهم إلى الطريق القويم.
     ولكن المنظومة الفقهية على طرف النقيض من الرؤية القرآنية، فالمنظومة الفقهية لا تعترف إلا بالجماعة والتي يكون الفقهاء على رأسها يشكلون سلطة على العامة تأبى الخلاف من ناحية وتريد تعميم أحكامها على المجتمع والناس من ناحية أخرى.
     وسلطة الفقهاء تستند إلى مفهوم إشكالي إلى أبعد الحدود وهو مفهوم الإجماع وهو محل الدراسة هنا، فالإجماع هو سلطة جماعة الفقهاء، سلطة تتجاهل الفردية والفرد ولا تراه إلا جزءًا من الجماعة، ولا يقف الأمر عند حد التجاهل بل يتم سلب الفرد حقه في المشاركة في العملية التشريعية استنادا إلى تلك السلطة. لذلك كان الإجماع كأصل وكسلطة للفقيه جديرًا بالدراسة والبحث للوقوف على أسسه الثقافية والمعرفية، ومعرفة الأدوات التي استخدمها الفقهاء في تثبيت حجيته؛ لفهم حجم السلطة التي حظى بها الفقهاء استنادًا إلى ذلك الأصل.
وترجع أهمية الموضوع لأن الإجماع من مصادر التشريع الهامة في المنظومة الأصولية السنية خاصة، وذلك بالرغم من كل اختلاف الأصوليين والفقهاء حوله، بل لعل هذه الخلافات هي ما جعله محل بحث ودراسة إلى اليوم، لأنه من المفترض أن تكون مصادر التشريع ثابتة ومتفق على قطعيتها ومصدرها، ويكون لها أسانيد ثابتة وقوية، ويكون لها ما يدعم كونها أصولًا يستفاد أو يستنبط منها أحكام للشرع والفقه، ولكن ذلك لم يتحقق في الإجماع.
    ولكن على العكس تمامًا ظل الإجماع إلى يومنا محل خلاف بين العلماء والفقهاء والمتكلمين أيضًا، ولم تقف الخلافات عند حدود تعريفه وكيفية وقوعه أو الاختلافات حول الأدلة المؤسسة لحجيته، بل الاختلافات كانت حول إثبات كونه أصل من أصول الفقه أم لا، فانقسموا بين مؤيد ومعارض لحجيته كأصل يُستنبط منه أحكام أو تُبنى عليه مسائل الدين، ولكنه  حظى في المنظومة السنية بمكانة هامة لا يمكن إغفالها برغم إشكالية تأسيسه. وهو ما يثير سؤال لماذا ومن أين يستمد الإجماع هذه المكانة؟ 
      فجيل بعد جيل يأخذ بالإجماع وكأنه مُسلمة، دون أسس واضحة أو قواعد منضبطة وثابتة للعمل به كأصل تشريعي، فلا نبالغ إن قلنا أن الآلاف من المسائل والأمور الفقهية تسبقها فقط جملة “واجتمعت الأمة على قبول كذا”…، أو “أجمع الفقهاء على”([1])…، دون ذكر من هم المجمعون تحديدًا وكم عددهم وهل هم فقهاء فقط أم فقهاء ومتكلمين ومفسرين، وهل هم أهل السنة فقط أم داخل فيه إجماع الفرق الأخرى، فنلاحظ أن ما انتشر العمل به وعلى قبوله بين الأمة أصبح سلطة وسلطة مقدسة غير قابلة للجدال والاختلاف وصار العُرف مصدر تشريع.
     فنجد جوزيف شاخت –ورغم كونه مستشرق- يتحدث عن مكانة الإجماع في كتابه أصول الفقه فيقول: “هناك أبواب هامة في التشريع الإسلامي تقوم على الإجماع وحده، مثل الخلافة، واعتبار سنة النبي مُلزمة للمسلمين، والأخذ بالقياس…، وجملة القول في هذا الموضوع أن التشريع الإسلامي كله يستمد سنده من الإجماع المُنزّه عن الخطأ الذي يضمن صحة التشريع واتفاقه مع المعنى الصحيح المقصود من الكتاب والسنة”.([2])
     فمفهوم الإجماع يتمتع بسلطة قوية سواء من الناحية النظرية أو العملية، ولكن من الناحية النظرية تثار حول المفهوم اختلافات لا حصر لها.
     ومن الناحية العملية والتطبيقية نجد المفهوم ينفصل عن تعريفه والقواعد النظرية المؤسسة له، ويبدأ الفقهاء أثناء استخدامه وتطبيقه أن يخلطوا بينه وبين التواتر والشائع بين أمة المسلمين حينًا، وحينًا أخر نجدهم يخلطوا بينه وبين ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد ظهر هذا الخلط أول ما ظهر عند الشافعي؛ وإن لم يكن أول من وقع في هذا، ولكن لكونه المؤسس لأصول الفقه فهذا جعله مرجع لكل الفقهاء بعده وظل هذا الاضطراب والخلط مستمرين في التعامل مع المفهوم سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية.
[1] ) يمكن مراجعة كتب وموسوعات الإجماع  لمراجعة آلاف المسائل الفقهية التي تم استنباطها بالإجماع دون إشارة واضحة للمجمعين أو كيف تم بالتفصيل  استنباط هذه المسائل بالإجماع –وهذا ضروري جدا.
[2]) جوزيف شاخت: “أصول الفقه”، ترجمة: لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية، الناشر: دار الكتاب اللبناني-بيروت، 1981م، ص89.

شارك