الأزمة «القبرصية التركية».. صراع على الموارد وترسيم الحدود

الإثنين 13/يناير/2020 - 08:16 م
طباعة الأزمة «القبرصية شيماء يحيى
 
أثارت التدخلات العسكرية التركية في المياه القبرصية توترات بين البلدين، وخلقت صراعات جديدة على الموارد؛ ما تسبب في زيادة حدة الصراعات الموجودة في المنطقة.
وفي لقاء جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء جمهورية شمال قبرص التركية أرسين تتار، الجمعة 10 يناير 2020، بمدينة إسطنبول، للحديث حول مستجدات الأوضاع في جزيرة قبرص وشرق المتوسط، والاتفاقات القائمة بين تركيا وليبيا؛ حيث وقع أردوغان ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، في 27 نوفمبر 2019، مذكرتي تفاهم واحدة، تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والأخرى بترسيم الحدود البحرية.

وكان رئيس جمهورية شمال قبرص التركية مصطفى أقبنجي، قال الخميس 9 يناير 2020: إن المشكلات التي تعيشها منطقة شرق البحر المتوسط في مجال الغاز الطبيعي جعلت حل مشكلة جزيرة قبرص أكثر إلحاحًا، وذلك خلال استقباله للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إليزابيث سبهار، بالعاصمة لفكوشا.

الخلافات بين قبرص وتركيا
كان الاهتمام بجزيرة قبرص من الجانب التركي من أولويات «سليم الثاني»، منذ صعوده للحكم عقب وفاة والده السلطان «سليمان القانوني» عام 1566م، وبعد صراعات عانتها الجزيرة، ورغم قِدم تاريخ الإسلام في قبرص، منذ عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، الذي أمر معاوية بن سفيان بفتح الجزيرة، إلا أن أوضاع المسلمين هناك لم تهدأ أبدًا.
وأصبحت جزيرة قبرص هدفًا سهلًا للعثمانيين بعد اكتمال سيطرتهم على كل حوض شرق المتوسط؛ حيث بدأ الغزو في يونيو 1570م، وظلت تحارب لأكثر من عام، وبعد محاولات البابا «بيوس الخامس» من نجدة الجزيرة، نجح في حشد تحالف جديد أسماه التحالف المقدس، وقامت معركة «ليبانتو» في أكتوبر 1571م، أكبر معركة بحرية في المتوسط منذ معركة «بروزة» التي انتصر فيها العثمانيون، واشتبك التحالف مع العثمانيين وقام بهزيمته، ولكن لم تؤت المعركة ثمارها، وظلت جزيرة قبرص تحت سيطرة العثمانيين، ولأول مرة في تاريخ المسلمين تستقر الأوضاع هناك، وتصبح تحت الولاية العثمانية، ودخل الجنس التركي المسلم للجزيرة لأول مرة.
وأسفرت هزيمة العثمانيين في الحرب الروسية العثمانية عام 1877م عن إعطاء جزيرة قبرص لبريطانيا عام 1878م، الذي تمت بناءً على ضغط بعض الدول الأوروبية في مؤتمر برلين، واستمرت قبرص تحت الحكم البريطاني، وبعد سلسلة طويلة من المفاوضات أعلنت قبرص استقلالها في أغسطس 1960م.
وبدأت الخلافات بعد الانقلاب العسكري الذي قام به القبارصة اليونانيون في عام 1963م، الذي طالب بضم جزيرة قبرص إلى اليونان بالكامل، وكان دافعًا لتركيا لغزو جزيرة قبرص في عام 1964م؛ للتصدي لأعمال القمع والنهب تجاه القبارصة الأتراك، وأدى ذلك إلى انقسام الجزيرة التي تبلغ مساحتها 9.250 كم2 إلى قبرص اليونانية، المعترف بها دوليًّا، وبين قبرص التركية «الشمالية».
ومنذ عام 2004 وهناك سلسلة من المحاولات والمفاوضات لحل الأزمة المتفاقمة، وتوحيد الجزيرة، حتى بدأت جولة جديدة من المفاوضات في عام 2017 بجنيف، تضم تركيا واليونان وبريطانيا؛ حيث طالب القبارصة الأتراك بالحصول على 29.2% من مساحة الجزيرة، وتسميتها بالدولة التركية الفيدرالية، ولم يتم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة أو أي دولة في العالم، سوى تركيا.

غاز المتوسط يحرك أوروبا
هنالك جملة من الاختلافات بين الجانبين، خاصةً فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية المتفق عليها في معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923؛ وذلك على خلفية الاحتلال التركي لجزيرة قبرص الشمالية، والتي لم تعترف بها أي دولة سوى تركيا، وتحاول أنقرة الاستفادة من ذلك لترسيم جديد لمنطقة شرق المتوسط، فيما يتعلق بحدود الاستفادة من المقدرات الاقتصادية للمنطقة، وهذا الأمر تجلى بصورة واضحة بعدما أعلنت قبرص من قبل موافقتها على التعاون مع تركيا في مجال الطاقة شريطة الانسحاب من الجزيرة المحتلة.
وشهدت منطقة شرق المتوسط اكتشافات ضخمة للغاز؛ ما أدى لنشوب التحالفات والصراعات في المنطقة على مصادر الطاقة ومنها قبرص؛ إذ تم اكتشاف حقل أفروديت عام 2011، واستغلت تركيا الجزيرة في سد عجزها عن الطاقة، وتستغلها أيضًا كورقة للمساومة في دخول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب موقع قبرص لتوصيل الغاز إلى أوروبا، واستثمار تركيا لقبرص على المدى البعيد، فأنشأت أنقرة في عام 2015 مشروع نقل المياه من تركيا إلى قبرص الشمالية، عبر بحر المتوسط حتى عام 2050.

شارك