أردوغان ورحلة البحث عن حليف لميليشيات السراج وتوطيد الأزمة الليبية

الأحد 26/يناير/2020 - 01:37 م
طباعة أردوغان  ورحلة البحث حسام الحداد
 
محاولة جديدة للديكتاتور العثماني في رحلة السعي لتثبيت نفوذه في المنطقة، وإفشال أي محاولة لإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا كما فعل خلال مؤتمر برلين، دعا إلى "تحرك سريع لحل الأزمة الليبية" من إسطنبول قبيل توجهه إلى الجزائر في زيارة أظهرت أنه هو من يبحث عن "دعم سريع" مفقود كان يتوقعه من دول جوار ليبيا بعد أن تورط في التدخل عسكريا فيها.
وهاجم أردوغان الذي غادر بلاده بعد تعرضها لزلزال قوي أسفر عن مقتل حولي 30 شخص، قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر تمام مثلما فعل قبل توجهه إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر برلين الأحد الماضي.
وقالت الرئاسة الجزائرية إن أردوغان سيجري خلال زيارته التي تستمر يومين مباحثات مع الرئيس عبدالمجيد تبون حول سبل تدعيم الروابط القائمة بين البلدين الشقيقين وتوسيع مجالات التعاون بينهما.
 وقال أردوغان خلال مؤتمر صحفي في مدينة إسطنبول قبيل مغادرته إلى الجزائر "حفتر مازال يواصل هجماته في ليبيا، وليس من المتوقع التزامه بوقف إطلاق النار.. حفتر لم يلتزم بمسار السلام، لا في موسكو ولا في برلين".
وتأتي تصريحات الرئيس التركي بعد أن نسف مؤتمر برلين الذي عقد الأحد الماضي 19 يناير 2020، في ألمانيا حساباته السياسية الخاطئة بشأن الملف الليبي، وبعد أيام فقط من اجتماع دول جوار ليبيا في الجزائر الذي رفض أي تدخل أجنبي من شأنه أن يعقد الأمور" أكثر فأكثر" في ليبيا.
ويبحث الرئيس التركي حاليا عن حليف جديد يسانده في ليبيا بعد أن واجه رفضًا من تونس في السابق للاصطفاف معه لدعم حكومة السراج رغم محاولة حركة النهضة الإسلامية هناك لدعمه.
وفي الربع الأخير من شهر ديسمبر الماضي، زار أردوغان تونس، بحثا عن دعم لتدخله في ليبيا إلا أنه قوبل برفض واضح من الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، بعد تنديدات الرأي العام التونسي وأحزاب تونسية بزيارته "المفاجئة" التي سعى من خلالها لتحويل بلادهم إلى منصة لتدفق السلاح والمرتزقة على الجارة الشرقية.
ويرى مراقبون أن الحكومة الجزائرية التي لا تزال تتحسس الطريق نحو سياسة خارجية جديدة تلبي رغبات الشارع المنتفض الذي يواصل الخروج أسبوعيا إلى الشوارع للاحتجاج، لا يبدو أنها ستجازف بالانحياز إلى السراج وستبقى على "حياد" أكدت سعيها إليه لإنجاح مبادرتها لحل ليبي-ليبي يمنع خطر الانزلاق في حرب بالوكالة تهدد أمن واستقرار دول المنطقة.
وأكدت الجزائر في مناسبات سابقة حرصها على الحفاظ على مسافة واحدة من طرفي النزاع الليبي وعلى رفض التدخلات الخارجية في هذا البلد الذي تتشارك معه حدوداً بطول ألف كلم تقريباً.
ويبدو أن الرئيس عبد المجيد تبون الذي يسعى إلى تهدئة الشارع استعداد لاستفتاء على الدستور قبل منتصف العام الحالي، لن يجرؤ على استفزاز الجزائريين بدعم الشق التركي ودعم طرف ليبي ضد آخر، لاسيما أن أغلب الجزائريين لم يوافقوا على الانتخابات التي فاز فيها الرئيس الحالي في ديسمبر الماضي.
واستفز أردوغان الجزائريين منذ أيام عندما حاول استرجاع ملاحم أجداده العثمانيين ضد الإمبراطورية الرومانية قائلا "ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط. ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها خير الدين بربروس (أمير البحارة العثمانيين) وهم بالفعل سيواصلون كتابة تلك الملاحم".
ويدرك أردوغان الذي يبحث عن موطئ قدم له لتوسيع نفوذه في ليبيا أن الطريق إليها لن تكون معبدة دون تسهيلات من دول الجوار.
يذكر أن وكالة الأناضول للأنباء أكدت أن أردوغان سيلتقي نظيره تبون وكان لافتا اصطحاب عقيلته أمينة معه إلى الجزائر إلى جانب وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان.
وتعد زيارة أردوغان للجزائر الأولى لرئيس دولة منذ وصول تبون إلى السلطة في الجزائر.
وبعد زيارته للجزائر سيتوجه أردوغان والوفد المرافق له، إلى كل من غامبيا والسنغال.
في الشق الميداني، أعلن الناطق باسم قوات الوفاق محمد قنونو، مساء السبت، عن "تمكن قواتهم من استهداف مواقع تابعة للجيش الليبي، بعد محاولتها خرق وقف إطلاق النار في مثلث القيو بوادي الربيع بحسب وصفه".
وأوضحت عملية بركان الغضب، عبر صفحاتها على مواقع التواصل، أن "قوات الوفاق قامت بتدمير عدد من الآليات المسلحة التابعة للجيش الليبي"، مؤكدة أن "قوات الوفاق تلتزم بأوامر قيادتها العسكرية، وأنها على أهبة الاستعداد لخوض الاشتباكات حين تقع".
وفي بيان آخر، أعلن المكتب الإعلامي للغرفة مقتل مواطن مغربي، وإصابة ثلاثة مدنيين، في خرق للهدنة شرق طرابلس. وأوضح أن "ذلك جاء إثر إصابتهم بقذيفة غراد أطلقتها قوات الجيش الليبي".
وأكدت غرفة عمليات إجدابيا التابعة للجيش الوطني الليبي، صباح الأحد، "اندلاع اشتباكات عنيفة بالقرب من منطقتي الهضبة وأبو سليم"، مشيرة إلى "تواصل سماع أصوات دوي انفجارات عنيفة بالقرب من المنطقتين".
وأشارت مصادر تابعة للجيش إلى وقوع اشتباكات أخرى في منطقة القربولي شرق طرابلس، قائلةً إن "قوات الصاعقة التابعة للجيش تخوض في القربولي معارك عنيفة ضد قوات الوفاق".
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فرقة الطوارئ بفرع الهلال الأحمر في ترهونة، انتشال جثتين في منطقة الفراحيت، الواقعة خلف معسكر اليرموك جنوب طرابلس.
ودانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، القصف العشوائي الذي استهدف منطقتي سوق الجمعة وأبو سليم، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين.
وقال المتحدث باسم البعثة جان العلم إن "هذا التطور يعد خرقاً خطيراً للهدنة، في الوقت الذي يجري التحضير لعقد اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بغية توطيد الهدنة، وترجمتها إلى وقف دائم لإطلاق النار".
كما أعربت البعثة عن أسفها لـ "الانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح في ليبيا، وذلك حتى بعد الالتزامات، التي تعهدت بها البلدان المعنية في هذا الصدد"، خلال مؤتمر برلين.
وفي تصريح لافت اعتبر عبد المالك المدني، الناطق باسم المكتب الإعلامي باسم "بركان الغضب"، الحديث عن الهدنة في هذه اللحظات "عبارة عن هراء"، مشيراً إلى أن "قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، تنفذ العديد من الهجمات وتستهدف المدنيين".
وزعم المدني، في تصريح صحافي، أن "قوات الوفاق تدافع عن نفسها، وتحافظ على تمركزاتها وترد على اعتداءات هذه الميليشيات، وفقاً لقاعدة لكل فعل رد فعل"، مشيراً إلى أن "المدفعية الثقيلة كان لها دور كبير جداً في استهداف ميليشيات حفتر"، وتمكنت من تدمير ست آليات تابعة لها، كما استهدفت عدداً من تجمعاتها في محور صلاح الدين بالقرب من مثلث القيو في وادي الربيع.
وفي سياق ذي صلة، أثار تصريح للقيادي في ما يعرف بـ "الجيش السوري الحر"، الموالي لتركيا، أحمد الشهابي، الجدل مجدداً حول تواصل توافد المرتزقة الذين ترسلهم تركيا إلى ليبيا، والذين تقول تقارير دولية إن أعدادهم بالآلاف، حين وجه خطاباً إلى قادة مدينة مصراتة، الذين وصفهم بـ"إخوانه التركستان".
وقال الشهابي، في مقابلة تلفزيونية مع قناة تركية، إن "قواتنا بعد أن تنتهي من رفع ظلم الرئيس السوري بشار الأسد عن السوريين ستتوجه إلى رفع الظلم عن إخواننا التركستان في مصراتة".
واعترف الشهابي بإرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا، قائلاً إن "مقاتلينا سيذهبون إلى أي مكان يوجد فيه جهاد، وسنضحي بحياتنا وأطفالنا من أجل الخلافة العثمانية".
وتأتي هذه التطورات العسكرية اللافتة، في وقت قالت مصادر مأذونة لـ "اندبندنت عربية"، إن "المفاوضات الجانبية بين طرفي الصراع شهدت تقدماً وتقارباً في وجهات النظر، وموافقةً مبدئية على تشكيل حكومة وطنية، بالتنسيق بين الطرفين في ما يشبه المحاصصة بينهما، مع إضافة بعض الأسماء المستقلة في أقرب وقت".
وأضافت المصادر "الاتفاق الكامل حول تشكيل الحكومة من المتوقع أن يعلن عنه بعد لقاءات لجنتي 5+5 العسكريتين، المشكلة من الطرفين لتثبيت الهدنة في العاصمة طرابلس، التي من المتوقع أن تنطلق بداية الشهر المقبل".
وفي تصريحات اعتبرت تمهيداً لما أتفق عليه، لمح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى احتمال مغادرة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج المشهد قريباً، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها غيره. وقال في تصريحات تلفزيونية إن "العملية السياسية في ليبيا ليست مسألة أشخاص، ولا يعنينا أن يكون السراج رجل المرحلة الحالية من عدمه، ولكننا نعمل على تهيئة البلاد إلى مرحلة جديدة تحقق الاستقرار وتنهي الانقسام من طريق التحضير لانتخابات كاملة، تحسم الأزمة المستعصية في البلاد".
واعتبر سلامة أن "الليبيين جاءتهم فرصة في مؤتمر برلين من أجل توحيد صفوفهم، فإما يستغلون هذه الفرصة، ويسيرون في المسارات الثلاثة، (الاقتصادية والسياسية والعسكرية)، أو أُخلي مسؤوليتي من أي عواقب تحدث بعد ذلك في البلاد".
ويبقى هناك تساؤلات معلقة يطرحها مراقبون، مثل كيف ستتعامل تركيا، التي باتت جزءاً من الأزمة الليبية، مع مشروع التوافق الليبي القائم على تقاسم السلطة، لو نجحت الأطراف في التوصل إليه؟ وكيف ستقرأ تأثيره في مصالحها، هي التي باتت تملك ذراعاً عسكرية محلية وأجنبية قادرة على إشعال المشهد من جديد؟

شارك