قطر وتكثيف اتصالاتها مع الجماعات الاسلامية المتشددة في موريتانيا

الأحد 09/فبراير/2020 - 12:44 م
طباعة قطر وتكثيف اتصالاتها حسام الحداد
 
يكاد لا يمر يوم إلا وتخسر قطر أرضا عربية جديدة، نتيجة تدخلاتها في الشؤون الداخلية لكثير من الدول ولتصميمها على دعم الجماعات المتطرفة فيها، كأداة للتأثير في التطورات المحلية، وضمان الحصول على نفوذ يمكنها من تحريك الأحداث نحو الجهة القاتمة التي تريدها، وتعتقد أنها تتحكم في الكثير من الأمور، ما يضفي عليها بريقا بالقوة الزائفة.
ومع إدراك النظام القطري انه بات يفقد اوراقه في موريتانيا، أخذ يكثف اتصالاته مع الجماعات الاسلامية المتشددة في هذا البلد الذي سبق وان وضع حدا لتدخلات الدوحة في شؤونه الداخلية.
فلجأت إمارة الإرهاب إلى زيادة المساعي لتمكين الإخوان في موريتانيا اجتماعيا عن طريق مساعدتهم في إنشاء مؤسسات تجارية ضخمة، على غرار المتاجر الغذائية والصيدليات ومحطات الوقود ووكالات تأجير السيارات وبيع العملات الأجنبية في السوق السوداء، بعدما أصبح إرسال التمويلات مباشرة إلى الجمعيات الخيرية تحت رقابة حكومية.
ومن اللافت للنظر أن جهود قطر لم تتوقف في استمالة عناصر تنظيم القاعدة والجهاديين في موريتانيا لخلخلة الاتفاق الموقع بينهم وبين الحكومة، بحيث يتم استقطابهم تحت لواء جهات تابعة لها لترميم تآكل جماعة الإخوان.
ولكن لم تنجح محاولات قطر في إبعاد موريتانيا عن محيطها العربي، حيث بدأت نواكشوط تعيد ترتيب علاقاتها، بما يجعلها عنصرا فاعلا في الحرب على الإرهاب ومواجهة المتطرفين، وهي إشارة كفيلة بوضعها في المعسكر المناهض للدوحة.
وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تخصيص مبلغ ملياري دولار مؤخرا، لإقامة مشاريع تنموية في موريتانيا، في أثناء الزيارة الأولى من نوعها للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى الإمارات، واتفق خلالها على زيادة التعاون بين البلدين، والتأكيد على الموقف الموحد في مواجهة الإرهاب، وتقويض أذرع الدول الداعمة له.
ولن تنسى قطر اللطمة التي وجهها لها ولد عبد العزيز، وجعلتها تدفع ثمنا سياسيا باهظا، يتجاوز حدود موريتانيا، ففي 21 يونيو 2019، قال الرجل، إنه ليس نادماً على قطع العلاقات مع قطر، وشن هجوماً لاذعا عليها، مؤكدا أن ما قامت به قطر تجاه بعض الدول العربية "يعادل ما فعلته ألمانيا النازية"، حيث أسهمت في خراب تونس وليبيا وسوريا واليمن، وتهديد أمن بعض الدول الأوروبية والغربية عبر دعمها الإرهاب ونشر التطرف.
وسخر أنذاك من تشدق قطر بالديمقراطية والحرية، وقال ساخراً "توجد ديمقراطية في نصف هكتار من هذه الدولة الصغيرة أسس فيه تلفزيون يتعرض لجميع الدول وله الحرية في الحديث عن كل شيء إلا ما يدور حول مقره.. قطر سجنت شاعراً لأنه انتقد حكامها، إنها تقمع الشعراء وتزعم نشر الديمقراطية".
ألقت هذه الكلمات بكثير من المياه الباردة التي ملأت أفواه الموريتانيين من التصرفات الخاطئة التي قامته بها الدوحة في حق بلدهم العربي الأصيل، ونكأت الكثير من الجروح التي لا تزال تعاني قطر من انعكاساتها، لأن كل خطوة سياسية أو اقتصادية تخطوها، أصبحت مريبة، وكل محاولات إصلاح العلاقات تظل محاطة بعلامات استفهام وشكوك.
ورفع اتساع دائرة التقارب بين موريتانيا وكثير من الدول العربية، سقف التوقعات بقيام قطر بزيادة تغذية التوترات في هذا البلد لتحجيم محاولات الحكومة دعم أواصر علاقاتها في المحيط العربي المعادي للسياسات القطرية. وبدلا من تصويب مسارات توجهاتها، زادت الدوحة من وتيرة تفاعلها مع حلفائها المتطرفين في موريتانيا، كنوع من العقاب أو محاولة تركيعها لإبعاد تركيزها عن أي نشاط قطري مباشر أو غير مباشر.
تنظر الدوحة إلى زيادة الحضور الخليجي، الإماراتي والسعودي، على المستوى التنموي في موريتانيا، على أنه هزيمة ساحقة لها، بعدما تحججت بأن دعمها لعناصر الإسلام السياسي في هذا البلد، يستهدف تحسين الأحوال المعيشية وضخ أموال لانتشال الاقتصاد من أزماته.
عكفت قطر على توجيه دعمها إلى المتشددين في موريتانيا، وزعمت أن جماعة الإخوان مجرد وسيط بينها وبين الشعب الموريتاني لتحسين مستوى معيشته، والترويج بأنها الجماعة الوحيدة القادرة على تغيير الواقع إلى الأفضل، حيث ألمحت الدوحة إلى أنها تمتلك مقومات مالية تؤهلها لتكون شريكا في مؤسسات الحكم مستقبلا.
وتُتهم الدوحة من قبل جهات عديدة بأنها تقوم بتوظيف إخوان موريتانيا في اختراق المكونات السياسية، وضرب النظام الرئاسي الجديد بزيادة استقطاب الشباب للإيمان بأفكار الجماعة وتوجهاتها الدينية المتطرفة من خلال مراكز وجمعيات تعمل بغطاء إنساني.
وما زال النفاذ إلى مفاصل الحكم في موريتانيا حلما، تدرك الدوحة أن الطريقة الوحيدة لتحقيقه، تنطلق من دعم الجماعات المتطرفة، كما تفعل في بلدان أفريقية قريبة منها.
وحسب تقارير صحفية فإن بعض المراقبين يربطون بين تركيز قطر على موريتانيا، وبين المشكلات التي يعاني منها تيار الإسلام السياسي في القارة الأفريقية، حيث تريد الدوحة الاستفادة من تجذره في هياكل الدولة، وتوفير الكثير من أوجه الدعم كي تتجنب التداعيات السلبية التي حدثت لحلفائها في السودان، عقب سقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير.
كما تسعى إلى إفشال محاولات فرنسا والولايات المتحدة في مسألة تكثيف ضرباتهم الأمنية ضد التنظيمات المتطرفة في دول الساحل الأفريقي، فقوة المتشددين في موريتانيا يمكن أن تمثل رافدا مهما "لإخوانهم" في هذه الدول، وتضاعف من صعوبة عمليات الاستهداف.
ترى القيادة القطرية أن تقوية أذرعها الإسلامية في موريتانيا تسهم في زعزعة استقرارها كمدخل لإحكام قبضتها على محور مهم في المنطقة، يضم بجانب موريتانيا مالي وغينيا، وتسعى الدوحة للاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز على المحيط الأطلسي في عمليات تسهيل نقل الإرهابيين من وإلى أفريقيا.
وانتبهت الحكومة الموريتانية إلى هذه المحاولات واتخذت سلسلة من الإجراءات التي ساهمت في محاصرة الجماعات الإرهابية وسد الكثير من المنافذ، وفي مقدمتها رقابة تمويل الجمعيات الأهلية والمراكز التعليمية والخيرية التي تعتمد على الدوحة، والتي دأبت على نشر الفكر الجهادي وتتلقى أموالا طائلة لدعم أنشطتها.
تتعامل الدوحة مع جماعة الإخوان في موريتانيا على أنها ظهير قوي لها، حيث تتحرك أذرعها السياسية وفق توجيهاتها وتنفذ أجندتها دون أدنى ممانعة. وبعد الضربات التي تلقتها بسبب الرفض المجتمعي للحضور القطري، بدأت استراتيجية جديدة تقوم على إنشاء مراكز تهتم بنشر الإيدولوجية المتشددة على غرار مركز تكوين العلماء، وأفرع جمعيات "يد بيد" الناشطة في المجال الثقافي، والإصلاح والتربية التي تهتم بالنواحي الاجتماعية.
وأخفقت الدوحة في تبرئة نفسها من تهم دعم الإرهاب والتطرف في موريتانيا، فاللقاء الذي جرى بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، والمصطفى ولد الإمام الشافعي، في رواندا خلال شهر أبريل الماضي، كان دليلا على عمق التواصل بين الجانبين. 
تُدرج موريتانيا ولد الإمام، ضمن قائمة المطلوبين في تهم ترتبط بتمويل الإرهاب والتعاون مع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية، وطالبت الحكومة جهاز الإنتربول باعتقاله، وسبق أن وصفه الرئيس الموريتاني السابق عبدالعزيز بأنه رجل المخدرات والإرهاب ومخرب القارات.
ويملك ولد الإمام علاقات قوية مع متطرفين داخل الأراضي الموريتانية، وتشير أصابع الاتهام إلى أنه أحد وسطاء الدوحة في التواصل مع هذه العناصر التي أصبح التقارب معها فرض عين، بعدما أضحت الأبواب مغلقة أمامها، ولا يوجد بديل عن التسلل نحو زيادة الحضور القطري سوى نوافذ التطرف.
كما دأبت قطر على توظيف أذرعها من المسؤولين القدامى والإخوان والمتطرفين المقيمين خارج البلاد، في توسيع الهوة بين الشارع والحكومة، مقابل توفير الدعم لهم، بحيث يتم تشكيل تحالف تستطيع من خلاله ضرب استقرار الحكم وتغذية التشدد نكاية في النظام الحالي الذي يدين الدول الراعية للإرهاب، ويدعم التصورات التي تتبناها الدول العربية المقاطعة للدوحة.
يعيش الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي الطايع في ضيافة الديوان الأميري القطري، وكان صاحب مقترح الدفع برجل الدوحة في موريتانيا سيدي محمد ولد بوبكر رئيس الوزراء الأسبق، في الانتخابات الرئاسية الماضية، ليمثل النظام القطري على رأس السلطة، لكنه خرج من السباق بهزيمة ثقيلة.
مدت قطر استثمارها السياسي في الصراعات الطائفية، وتحريض بعض الفئات على السلطة بذريعة التهميش، ليكونوا نواة لتسويق مفردات الثورة والحراك هناك، وتعويض خسائرها من وراء إخفاق الإخوان في المهمة الموكلة إليهم، ومن هؤلاء، "الحراطين"، الذين ينحدرون من الرق السابقين، حيث يتعمد حزب "تواصل" الإسلامي والمدعوم من الدوحة فتح قضيتهم كلما اشتد الخناق الحكومي على تمويله وتحركاته.
وتتجه السياسة الخارجية القطرية إلى تبني مسيرات احتجاجية لمشاركة "الحراطين" في التظاهر ضد السلطات. وتهدف الدوحة من وراء النفخ في الفتن الطائفية، إيجاد موطئ قدم لها في الوساطة بين الحكومة ومنظمي الاحتجاجات، إذا جرت مفاوضات مستقبلية.
ومن غير المتوقع أن يتوقف التحريض القطري ضد الحكومة الموريتانية في ظل استمرار تهميش الإسلاميين وعدم دعوتهم للحوار السياسي الذي يتم مع الأحزاب، ما وسع دائرة إقصائهم ونبذهم اجتماعيا، لذلك لجأت الدوحة إلى حضهم على مقايضة النظام تحت شعار، إما التشارك أو التخريب، في سيناريو مكرر لما فعله الإخوان في كل بلد يريدون اختراقه.

شارك