سقوط الديكتاتور.. أردوغان يحارب المعارضة داخليا ويغرق في سوريا خارجيا

الخميس 13/فبراير/2020 - 02:47 م
طباعة سقوط الديكتاتور.. علي رجب
 
 
أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات شديدة اللهجة أمس الأربعاء في المجموعة البرلمانية لحزبه العدالة والتنمية، موجهًا سهامه إلى سوريا في الخارج  وحزب الشعب الجمهوري في الداخل.
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، يحاول أردوغان الحفاظ على مقعده من خلال الحرب الوهمية التي يقودها ضد كل من "الانقلابيين" وحزب الشعب الجمهوري، لكنه نقل أمس هذه الحرب من البعد الوهمي إلى البعد الحقيقي.
هاجم أردوغان روسيا أيضًا في خطابه الموجه إلى سوريا واستخدم عبارات ليس من السهولة استساغتها، متحديًا أنه سيستهدف االنظام السوري ليس فقط في إدلب بل  في جميع أنحاء سوريا إذا لزم الأمر. وأضاف: "قوات النظام السوري والقوات الروسية المساندة لها والمقاتلون المدعومون من إيران يهاجمون السكان المدنيين في إدلب"، وفتح بذلك ثلاث جبهات في آن واحد؛ سوريا وروسيا وإيران. ثم تعالت نعرات الحرب كلما استمر أردوغان في خطابه: "نحن مصممون على إخراج النظام السوري إلى خارج حدود نقاط المراقبة التابعة لنا حتى نهاية شهر فبراير، وسنفعل كل ما يتطلبه الأمر في الجو وعلى الأرض. سنطلق النار على قوات النظام في كل مكان حتى خارج حدود اتفاقية سوتشي في حال الهجوم على جنودنا".
 
لم يشرح أردوغان طبعًا كيف سينفذ تهديداته على الأرض؛ لأنه حتى يتمكن من ضرب النظام السوري في كل مكان يتوجب عليه مواجهة روسيا في الوقت ذاته. سيتعين عليه إما محاربة روسيا أو الحصول على موافقة منها. ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى تلقيه الضوء الأخضر من روسيا في هذا الصدد. وقد بدا أن أردوغان لم يكن سعيدًا جدًا بالمكالمة الهاتفية التي أجراها مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين منتصف ليلة الثلاء المنصرم.
بعد انقلاب 15 يوليو 2016 انتزع أردوغان تركيا من المعسكر الغربي ووضعها تحت سيطرة روسيا، لكن تدل المؤشرات الحالية على أن علاقاته مع بوتين ليست على ما يرام أو أنه حصل على تعهدات من الولايات المتحدة، لذا يستطيع أن يرفع عقيرته ضد بوتين.
أردوغان كلما واجه ضغوطًا أو تضاءل دعمه الشعبي في الداخل عزز قوته ومكانته من خلال تنفيذ عملية في سوريا أو تحدي روسيا حينًا وأمريكا حينًا آخر على طاولة شطرنج سوريا.
والآن بات وضع أردوغان صعبًا للغاية؛ فالاقتصاد يتدهور بسرعة، وليس له أي صديق بين الدول الغربية تقريبًا، ولم يبق هناك أي مجال لتقديم مزيد من التنازلات لروسيا.. احترقت كل أوراقه ولم يبق لديه للخروج من هذه المآزق سوى الخوض في غمار حرب أو الابتزاز بتهديد الحرب.
لا بد أن يكون أردوغان قلقًا للغاية من زيادة التهديدات الموجهة لنظامه، لذلك أقبل على إدراج حزب الشعب الجمهوري ضمن خانة أعدائه أيضًا. فأردوغان الذي يمارس الضغوط أو يعتقل الجميع بتهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن استشاط غضبًا عندما اتهمه زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو بكونه "الذراع السياسية لمنظمة فتح الله كولن". وفي حملة مضادة، حاول أردوغان أن يثبت من خلال فيلم وثائقي أمر بإعداده، أن كمال كليجدار أوغلو هو "الذراع السياسية لمنظمة فتح الله كولن".
الواقع أنه يمكننا أن نفهم من اتهامات "الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن" المتبادلة بين الطرفين، كيف دخلت السياسة التركية، بشقيها الحاكم والمعارض، في دوامة خانقة أو حلقة مفرغة بحيث تعجز عن تطوير أي حلول لمشاكل البلاد الحقيقية، كما تكشفت أن عقلية الحزب الحاكم والمعارضة سواء وتعاني من المرض نفسه.
لقد فتح أردوغان جبهة حرب ثانية بعد سوريا بالعبارات التي استخدمها في خطابه أمس: "إن كليجدار أوغلو وفريقه ليس عندهم أي مبدأ. عليهم دين لحركة كولن. همّهم الوحيد هو الإضرار بشخصي وحزبي العدالة والتنمية".
بعد خطابه هذا مباشرة، أعطى أردوغان إشارة البدء لنقل أسهم حزب الشعب الجمهوري في بنك إيش (العمل)، أكبر بنوك تركيا، إلى الخزانة العامة، كاشفًا بذلك عن جميع الأوراق التي يحوزها بحق هذا الحزب، بعد أن احتفظه في يده كورقة احتياطية لفترة طويلة.    
إعلان أردوغان الحرب على كل من حزب الشعب الجمهوري وتنظيم أرجنكون / الدولة العميقة في آن واحد يدل على أن الأيام القادمة ستشهد حربًا ضروسًا بين هذه الأطراف الثلاثة.
كان أردوغان قد طالب مؤخرًا نواب حزب العدالة والتنمية برفع دعوى قضائية عن رئيس الأركان العامة الأسبق إيلكر باسبوغ من أجل اعتقاله بعد أن وجه إليه التهمة ذاتها "الجناح السياسي لمنظمة فتح الله كولن!".
جدير بالذكر أن باشبوغ يعتبر من أبرز الشخصيات والقيادات في تنظيم أرجنكون وسبق أن مكث في السجن أكثر من عامين، لكنه خرج من السجن مع أعضاء التنظيم الآخرين بعد التحالف الذي عقده كل من أرجنكون وأردوغان من أجل شنّ حرب مشتركة على حركة كولن.  
إذن ما الذي يحاول أردوغان فعله من خلال بدء حرب خطيرة على جبهتين في نفس الوقت؟ هل يمكنه الحصول على النتيجة المرجوة؟
بالنظر إلى الماضي، يمكننا أن نعتقد أن أردوغان وضع خططًا أخرى وراء الكواليس، وإلا لا يمكنه النجاح والانتصار في مثل هذه الحرب واسعة النطاق.
تركيا قد تشهد تطورات خطيرة في الأيام القليلة المقبلة. لأن قلق أردوغان يدل على أن سلطنته تواجه خطرا حقيقيا. ومن المفيد أن نعلم أن أردوغان لن يتردد في شنّ حرب على أحد، ولو كان روسيا، إذا كانت سلطنته في خطر.

شارك