بمنطق "الابتزاز"... حركة النهضة الإخوانية تنذر بإجهاض حكومة "الفخفاخ" قبل ولادتها

السبت 15/فبراير/2020 - 12:58 م
طباعة بمنطق الابتزاز... فاطمة عبدالغني
 
في كل مرة يقترب فيها رئيس الوزراء التونسي المكلّف إلياس الفخفاخ  من تحقيق توافق مستقر تظهر عراقيل جديدة تؤجل الحسم في حكومة الفرصة الأخيرة قبل الاضطرار إلى إعادة الانتخابات، فقبل ساعات من لقاء الفخفاخ مع رئيس الجمهورية قيس سعيد لعرض تشكيل الحكومة عليه، يخرج  رئيس مجلس شورى حركة النهضة الإخوانية عبدالكريم الهاروني بإعلان إجهاض حكومة الفخفاخ قبل ولادتها، وأن "الحزب لن يمنح الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ في حال تم تقديمها بصيغتها الحالية". 
تصريحات الهاروني، جاءت خلال مؤتمر صحفي، أمس الجمعة 14 فبراير، عقب اختتام أعمال الدورة 37 لمجلس شورى الحركة "54 مقعداً في البرلمان من أصل 217". 
وأضاف الهاروني : "نحن حريصون على أن تكون للحكومة حظوظ حتى تستمر، وأن تنجح في رفع التحدي الاقتصادي والاجتماعي، وأن يكون لها استقرار في البرلمان".
ونصح الهاروني الفخفاخ إلى التريث وعدم تقديم تركيبة حكومته مساء الجمعة إلى الرئيس قيس سعيد، ومواصلة التفاوض، حتى تحصل الحكومة على ثقة البرلمان، ملمحا في هذا السياق إلى إمكانية سقوط الحكومة، ويعني ذلك حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة، مؤكدا أن النهضة لا تخشى هذا السيناريو.
وأوضح الهاروني أن العرض الذي قدمه الفخفاخ لحكومته، "دون المطلوب ولا يحقق مقصد الوحدة الوطنية، وفيه عدم توازن بين الأطراف المشاركة".
وتابع أن "التمسك بحكومة وحدة وطنية يأتي لرغبة النهضة في إنهاء الإقصاء في تونس"، وأبدى رئيس شورى النهضة، تمسك حركته بالدفاع عن حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحداً.
تصريحات رئيس مجلس شورى النهضة أتت قبل ساعات من إعلان الرئاسة التونسية، مساء الجمعة، إرجاء الإعلان عن التشكيلة الحكومية، التي كُلِف إلياس الفخفاخ بتشكيلها، إلى يوم السبت.
وقالت الرئاسية التونسية، في بيان على صفحتها الرسمية على فيسبوك "استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء اليوم – الجمعة-  بقصر قرطاج إلياس الفخفاخ المكلف بتكوين الحكومة".
وأضافت "صرح إلياس الفخفاخ عقب اللقاء أنه حرصا على استكمال مسار تشكيل الحكومة في أفضل الظروف تقرر إرجاء الإعلان عن التركيبة إلى يوم غد السبت".
وبحسب مصادر صحفية برر الفخفاخ تأجيل الإعلان عن تشكيل الحكومة إلى مساء اليوم السبت 15 فبراير بهدف التدقيق بتركيبتها النهائية، إلا أن مصادر تحدثت عن أن التأجيل جاء إثر تلويح "حركة النهضة" برفض هذه التشكيلة.
وكانت "حركة النهضة" قد انتقدت في وقت سابق الأسماء التي رشحها الفخفاخ ودعته إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، في خطوة تستهدف الضغط على الفخفاخ لتوسيع تمثيلها الحكومي، وإشراك حزب "قلب تونس" في هذه الحكومة.
من جهته، طالب حزب "قلب تونس"، وهو القوة الثانية في البرلمان، قواعده الانتخابية الاستعداد لأي احتمال بإجراء انتخابات مبكرة.
يشار إلى أنه في حال عدم نيل حكومة الفخفاخ ثقة البرلمان فإن لرئيس البلاد إمكانية حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، كما يقرّ ذلك الدستور التونسي للعام 2014 في الفصل 89.
ويرى المراقبون أن تصعيد حركة النهضة ليس الهدف منه إدماج خصم الأمس - حزب قلب تونس- وإنما محاولة للضغط على الفخفاخ لإزاحة الأسماء المقترحة والمستقلة على رأس وزارتي الداخلية والعدل.
ووفق مصادر صحفية تؤكد مصادر مقربة من الفريق الاستشاري لحكومة الفخفاخ أنه تم تعيين شخصيات مستقلة على رأس وزارة الدفاع والداخلية والعدل لضمان تحييد الوزارات السيادية من كل التجاذبات الحادة.
وأضافت المصادر أنه "تم منح 3 حقائب لحزب التيار الديمقراطي (وزارة الإصلاح الإداري ووزارة التربية ووزارة أملاك الدولة) و3 وزارات لحركة تحيا تونس (وزارة الاستثمار والمالية والتشغيل) ووزارتين لحركة الشعب (وزارة الزراعة والشباب)".

وأوضحت المصادر أن الحكومة التي سيقترحها الفخفاخ تضم إجمالاً 28 وزيراً؛ 15 منهم ينتمون الى الأحزاب السياسية و13 وزيراً مستقلاً.
ومن جانبها أكدت الباحثة في العلوم السياسية نرجس بن قمرة أن "ذهاب الفخفاخ إلى البرلمان سيكون مغامرة مجهولة النتائج في ظل معادلة الكتل البرلمانية الحالية ومعارضة حركة النهضة وحزب قلب تونس والدستوري الحر".
وأشارت بن قمرة إلى أن "أفق المصادقة على الحكومة يبدو بلا مخارج موضوعية في ظل المعطيات الحالية، خاصة مع إصرار إلياس الفخفاخ على عدم الاستجابة لمطالب حركة النهضة وتشبثه بقيس سعيد كمرجعية سياسية له".
ولفتت بن قمرة إلى أن "المعركة الأصلية ليست بين النهضة والفخفاخ وإنما معركة بين قيس سعيد وراشد الغنوشي على احتكار السلطة وامتلاكها، فهي معركة على الوجاهة السياسية قد تدخل البلاد في أزمة دائمة"، على حد قولها.
وعلى الصعيد متصل، أشار الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المريحي إلى أن حركة النهضة في طريقها إلى الزوال تدريجيًا.
وأوضح المريحي في تصريح له "أنه في صورة سقوط حكومة الفخفاخ واللجوء إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها فإن المتضرر الأكبر سيكون حركة النهضة، وستتحصل على عدد قليل من البرلمان، لأنه حزب ليس لديه طرح فكري ولا بعد للبلاد، فالشعب التونسي بدأ يستفيق من أن هذا الحزب ليس لديه ما يقدمه للبلاد".
وأضاف المريحي أن حكومة رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ ستمر في البرلمان وستحظى بثقة النواب، وتابع "إن حركة النهضة تقوم بالابتزاز اليومي وتتلاعب بأعصاب الفخفاخ حول مشاركة قلب تونس في حكومته".
من ناحية أخرى يرى المحلل السياسي عبد الرحمن زغلامي، أن النهضة باعتبارها الكتلة الأولى في البرلمان، "لن تجازف بإسقاط حكومة الفخفاخ والذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة، خاصّة أن زعيمها راشد الغنوشي هو رئيس البرلمان"، معتبرا أن هذا المنصب "لن يخاطر الغنّوشي بالتفويت فيه ويسمح بإعادة الانتخابات، خاصة أن الحركة تراجعت شعبيتها وفق لآخر عمليات سبر الآراء بعد أن اتضح للتونسيين أنها لم تقدم شيئا منذ 9 سنوات".
وأضاف زغلامي أنّ النهضة ستضطر إلى تمرير الحكومة لمنع استمرار يوسف الشاهد في رئاسة الحكومة أشهرا أخرى"، مشيرا إلى أن النهضة تسعى من خلال العراقيل التي وضعتها أمام الفخفاخ إلى تقوية تموقعها في المشهد السياسي والحد من نفوذ الرئيس قيس سعيّد الذي تبدو بصمته واضحة في تشكيلة الحكومة، سواء من خلال تكليف إلياس الفخفاخ بهذه المهمّة، أو من خلال إقصاء حزب قلب تونس من المشاورات.

شارك