قطر واستخدام القوى الناعمة لتمويل الإرهاب في إفريقيا

الإثنين 02/مارس/2020 - 02:11 م
طباعة قطر واستخدام القوى حسام الحداد
 
اعتادت الدوحة أن يكون لديها عملاء وموالون وداعمون، وتغدق عليهم الأموال من أجل الدفاع عن أهدافها وتحقيق مصالحها الخفية. ويكون هؤلاء بمثابة قوة مضافة لها، تستند عليها لإبعاد الشبهات عنها قدر الإمكان في الملف المتشابك والذي تتولى فيه توفير الدعم للمتطرفين والجماعات الإرهابية، بحيث تتوارى عن الأنظار الخطط المشبوهة، فيما تكون التحركات الأكبر لشخصيات تلقى قبولاً دولياً وتستطيع أن تؤثر على صناعة القرار في أفريقيا وغيرها، وتدفع نحو تبني توجهات وأهداف تحتوي على الغايات التي تضمها أجندتها.
وحسب تقارير اخبارية نشر موقع ميدل ايست تقريرا مهما عن محاولات قطر أن تناور بين علاقاتها التي تنسجها مع عناصر متورطة في أعمال إرهابية وأخرى لديها سمعة دولية طيبة في افريقيا، وهو ما يفسر طبيعة التواجد القطري في القارة الذي يحمل أوجها تجارية واستثمارية عدة، لكنه ينطوي على دعم سخي للعناصر الإرهابية ومحاولة توحيدها بعد أن نجحت العديد من البلدان في تضييق الخناق عليها.
ومع تنامي حضور قطر عبر دعمها لكثير من التنظيمات المتشددة في أفريقيا، وجدت الدوحة نفسها مضطرة إلى نسج علاقات مع شخصيات في مجالات عدة تكون بمثابة الواجهة التي تمهد لتوغلها الناعم في كثير من المجتمعات الأفريقية، وتجسد شكلاً جمالياً تتوارى خلفه العديد من المخططات الشريرة التي تستهدف دعم التنظيمات المتطرفة التي تمولها، وما تتبناه من عنف وتخريب وهدم وتدمير لمقدرات دول.
وحسب ميدل ايست فقد بدأت قطر باحتضان عدد من الرجال في الصومال. منهم من رعتهم حتى كبروا في مواقعهم، ومن هم من تسلمتهم بعد أن وصلوا إلى السلطة، وعملت على دعم مواقفهم بالصورة التي تخدم مصالحها. اشترت ذمم البعض بالرشاوى والاغداق عليهم، والبعض الآخر تقربت منهم من منطلق عقائدي، يعتمد على تقارب في الأفكار والأغراض.
ولعل نموذج فهد ياسين رئيس الاستخبارات في الصومال، والذي عمل لفترة طويلة مراسلا لقناة الجزيرة هناك، يمثل نموذجا واضحا، كما أن تلقفها ورعايتها للرئيس محمد عبدالله فرماجو، بات هدية قدمت إليها بمساعدة أذرعها في الصومال، وأصبح الرجل قريبا من مربعها، ولا يتوانى في اتخاذ خطوات تخدم سياساتها بكل ما تنطوي عليه من مرامٍ معلنة وخفية.
وجدت في هذا النوع من الأذرع وسيلة جيدة للتسلل والتأثير في صناعة القرار. غير أنها مدت بصرها إلى ما هو أبعد في الآونة الأخيرة. فقد انكشفت حيل وألاعيب الدوحة في الصومال والسودان وليبيا، كما في مالي ورواندا ونيجيريا وتشاد والكاميرون، حيث كان الاعتماد على الأذرع السياسية والعسكرية التي تمثلها وهي في غالبيتها محسوبة على الجماعات المتشددة والإرهابية. ولذلك جاء تطوير الفكرة من خلال اختيار شخصيات بعيدة عن هذه وتلك. 
نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية مؤخراً تقريرا مهما لفت الانتباه لطبيعة الأدوار التي تقوم بها الدوحة، حيث أشار إلى اعتمادها على عدد من الشخصيات البارزة لتأمين مصالحها في أفريقيا، وعلى رأس هؤلاء الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وأصبح من أبرز العملاء الذين أوجدوا لقطر موطئ قدم في بعض الدول الأفريقية بحكم علاقاته الشخصية مع عدد من المسؤولين فيها، من السابقين والحاليين، وفتح لها أبوابا كانت شبه مغلقة.
يترأس ساركوزي ما يسمى بـ "اللجنة الإستراتيجية الدولية" التي تمثل قطر في مجموعة فنادق "أكور" الشهيرة، منذ عام 2017. وهو تقريبا التوقيت ذاته الذي بدأت فيه الدوحة تكثيف تحركاتها نحو اختراق العمق الأفريقي بعد أن تصدع مشروعها التخريبي في الشرق الأوسط، الأمر الذي انعكس على تزايد استثمارات المجموعة الفندقية في قارة أفريقيا، والتي تضح مليار دولار لإنشاء 40 منشأة سياحية في مختلف دول جنوب الصحراء الكبرى.
ووفقا للتقرير ذاته الذي نشر مطلع العام الجاري، فإن ساركوزي أفسح المجال أمام قطر نحو التوغل في ساحل العاج، بحكم علاقاته القوية مع الرئيس الحسن عبدالرحمن واتارا الذي استقبل بدوره الأمير تميم بن حمد، وقلده أعلى وسام في بلاده وفتح له أسواقها التجارية والاستثمارية على مصراعيها، وأسس اللقاء بشراكة اقتصادية.
حاولت الدوحة استغلال هذه الخطوة لتمتين علاقاتها ولتكون أبيدجان محطة أساسية لها في غرب أفريقيا، بعد أن مدت بصرها سابقا لشرق أفريقيا، واتخذت من الصومال قاعدة للانطلاق نحو الدول المجاورة عبر أدواتها الناعمة، أو التدخل في الصراعات والنزاعات التي تحفل بها، وكانت سببا لاستخدام أدواتها الخشنة هناك.
شهدت ساحل العاج واحدة من الحوادث المؤلمة عام 2016، بعد أن هاجم مسلحون مدججون بالسلاح شاطئا يبعد 40 كلم شرق أبيدجان، ما أدى إلى مقتل 22 شخصاً، في أول هجوم من نوعه تشهده البلاد، وبعدها تكررت حوادث متفرقة تختلف في درجة الحدة، لكن في مجملها كشفت عن نمو وزحف تدريجي للمتطرفين هناك. وهم الأداة التي تعتمد عليها الدوحة في تنفيذ أغراضها.
ربط العديد من المراقبين بين حادث الشاطئ الذي تبناه تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وبين الدوحة التي تربطها صلات قوية بالإرهابي الموريتاني الهارب مصطفى الشافعي، أحد المتهمين بالتخطيط للحادث، وصاحب التاريخ الطويل في تمويل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء، وكان في استقبال الأمير تميم بن حمد خلال زيارته رواندا في ديسمبر الماضي.
يأتي ضمن قائمة عملاء قطر أيضاَ، دونالد كابروكا الرئيس السابق لبنك التنمية الإفريقي، والذي توطدت علاقته بالدوحة بشكل كبير خلال العام المنقضي، ما كان دافعاً نحو إسناد مهمة إنشاء صندوق قطر الاستثماري في القارة المقرر تدشينه قريبا. وتسخر الدوحة نفوذه في الأمم المتحدة عقب تعيينه أحد أعضاء الفريق الأممي لمواجهة قضايا النزوح والتشرد الداخلي.
تدرك قطر أن مشروع العنف الذي تتبناه في أفريقيا يستلزم ضرورة غض الطرف الأوروبي عن الجرائم التي تتورط في تمويلها بما يضمن عدم توجيه اتهامات مباشرة قد تطالها، وهو ما يجعلها أكثر حرصاً في عملية نسج علاقات قوية مع شخصيات دبلوماسية نافذة على أمل ان تمهد لها الطريق، وتساعدها على توفير شبكة أمان ربما تعفيها من التورط مباشرة.
وأشار التقرير الذي نشرته "جون أفريك" إلى أن الدوحة استقطبت رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، وهو سوداني الأصل، والذي لعب دورا مهما في مساعدة الدبلوماسية القطرية داخل القارة، وارتكنت عليه أحيانا في بعض الأزمات التي نشبت بينها وبين دول عربية افريقية، ليقوم بتخفيف الضغوط الواقعة عليها، خاصة في مجال علاقاتها المعقدة مع الجماعات المتشددة، واستغل الرجل جنسيته الأصلية، وأسهم في ضبط بعض أوجه العلاقات مع السلطة الانتقالية في الخرطوم.
تكمن خطورة علاقة الدوحة بفكي، وكان أحد المتحدثين في منتدى الدوحة الذي عقد في ديسمبر الماضي، في أنه يقبض على زمام الأمور والخيوط العديدة في الصراعات المنتشرة في ربوع القارة، والتي تحاول الدوحة التدخل فيها لاشعالها أو السيطرة على مفاتيحها، حسب ما تحققه من مصالح، ويعد ذلك أحد الاختراقات الخطيرة على مستوى الاتحاد الأفريقي، فإذا توسع نفوذ قطر فمن الممكن أن تؤثر في تحركاته، فموسى فكي أحد الشخصيات النشطة في دوائر مفوضية الأمن والسلم الأفريقي. 
وحسب التقرير لم يقتصر عملاء قطر على السياسيين والاقتصاديين والإرهابيين، لكن توجهها نحو الرياضة أفرز علاقة من نوع خاص بينها وبين اللاعب الكاميروني السابق، صامويل إيتو، الذي اختتم مشواره الكروي في نادي قطر الرياضي ليتولى منصب سفير كأس العالم 2022، حيث تستضيف قطر هذه البطولة، بعد اتهامات كثيرة حول طرق الحصول عليها، وما شابها من رشاوى وفساد طالت شخصيات كبيرة في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
ويعد إيتو أحد رجال الأمير تميم بن حمد المهمين، وتربطه علاقات قوية مع كثير من رؤساء الدول الأفريقية، ويقيم حالياً في الدوحة.
 وأشارت "جون أفريك" إلى دوره في اتمام الاتفاق التجاري بين رواندا ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي، الذي يمتلكه القطري ناصر الخليفي، وتحول النادي إلى مطية لبعض الصفقات المشبوهة، والتي تهدف إلى تسليط الأدوار على أهمية اللعبة بالنسبة لقطر ودورها الحيوي في دعمها عالميا.

شارك