المؤسسات القطرية ودعم الجماعات المتشددة في أوروبا

الإثنين 09/مارس/2020 - 01:12 م
طباعة المؤسسات القطرية حسام الحداد
 
يعدّ التأثير والنفوذ داخل المجتمعات المسلمة في الغرب عنصرًا رئيسًا في القوة القطرية الناعمة. ويمكن للمرء أن يلاحظ كيف تستخدم الدوحة ذلك النفوذ من أجل مصالح سياسية مريبة مرتبطة بأيديولوجية الإخوان المسلمين؛ فعلى سبيل المثال، استخدمت قطر أموالها لحث أعضاء الإخوان على تنظيم تجمعات أمام السفارة القطرية في الولايات المتحدة، للاحتجاج على المقاطعة الخليجية للدوحة. وبما أن قطر ممولة داعمة للإخوان في أوروبا، يمكننا أن نتوقع المزيد من الوقفات الإسلاموية الغربية إلى جانب قطر في ظل المقاطعة. وعلى الطرف الآخر من الطيف، ستواصل قطر تمويل ودعم الأيديولوجيات الإسلامية العنيفة، وكذلك المجموعات الجهادية في سوريا وليبيا والصومال.
يعد هذا ملخص لما جاء في أخر تقارير رونالد ساندي حول الإرهاب والدول الداعمة له حيث يقدم اثباتات جديدة حول دعم قطر للجماعات المتشددة في أوروبا ورونالد ساندي كبير محللين سابق في الاستخبارات العسكرية الهولندية، عمل في قضايا تتعلق بالاتحاد السوفييتي السابق، وأفغانستان، بالإضافة إلى الجريمة المنظمة والإرهاب، مع التركيز على شبكة القاعدة في أفغانستان، وباكستان، وإفريقيا.
في عام 2006، انتقل إلى الولايات المتحدة ليصبح مدير الأبحاث في مؤسسة نيفا – مؤسسة غير ربحية تهدف إلى الكشف عن الحقائق المتعلقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وفي عام 2013، بدأ العمل كمستشار خاص وكبير محللي الجهاد العالمي في كرونوس الاستشارية.
كما أن ساندي مؤسس مشارك، والرئيس التنفيذي لشركة بلو ووتر إنتيليجانس (شركة تحقيق مقرها هولندا). غالبًا ما يطلب من رونالد إبداء رأيه حول الإرهاب والتطرف من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية، خصوصًا: سكاي نيوز، بي بي سي، سي إن إن، ونيويورك تايمز.
ويؤكد ساندي في هذا التقرير الحديث الذي نشر في اكثر من دورية أجنبية أنه من الملاحظ أن التملص لا يميز المسرحيات الجيوسياسية القطرية فحسب، بل يوجّه كذلك علاقات الدوحة ونفوذها مع الجاليات المسلمة في الخارج، ومع الحركات الإسلامية، والمجموعات الجهادية كذلك. وليس من الصعوبة بمكان إدراك الكيفية التي تتبنى فيها الدوحة أيديولوجية الإخوان المسلمين، وكذلك الكيفية التي يروج بها الإعلام القطري للإخوان المسلمين والحركات السلفية الأخرى في جميع أنحاء العالم. في الحقيقة، تستخدم الدوحة “مؤسسات خيرية” من أجل توفير رعاية شاملة للسلالات المختلفة من الإسلامية؛ فعلى سبيل المثال، يحصل الإخوان المسلمون على الدعم عبر مؤسسة “قطر الخيرية” التابعة للحكومة، بينما تحصل المجموعات السلفية الأخرى على مختلف أنواع الدعم من مؤسسة “عيد الخيرية”. 
ويمكن القول إن هاتين المؤسستين لا توفران الدعم المالي للشبكات الإسلامية فحسب، بل تعملان كذلك كغطاء لأنشطة الكثير من الفروع التابعة للجماعات الإسلامية. تشير المعلومات إلى أن “قطر الخيرية” و”عيد الخيرية” تنشطان في آسيا وإفريقيا وأوروبا بشكل لافت، وتنخرطان بشكل حصري مع المنظمات الإخوانية العلنية أو السرية. وفي إطار عملياتها في أوروبا، أنشأت “قطر الخيرية” مؤسستها الخاصة في لندن في مارس 2012 تحت اسم “قطر الخيرية – المملكة المتحدة” وحملت اختصار (QCUK). وقد مزجت المؤسسة أعضاء مجلس إدارتها في المملكة المتحدة بشخصيات إخوانية معروفة، من بينها يوسف الكواري، المدير التنفيذي لقطر الخيرية في الدوحة، وكذلك يوسف الحمادي، المدير التنفيذي لـ”الديار القطرية” التابعة لهيكل صندوق الثروة السيادية القطرية. 
وبعد إنشاء مكتبها في لندن، وسّعت “قطر الخيرية” أنشطتها في أجزاء أخرى من أوروبا بخطوات سريعة وثابتة، شملت فرنسا وبلجيكا وإيطاليا. وقد شرعت في دعم المنظمات الإخوانية المعروفة في الدول الأوروبية، التي تعمل تحت مظلة “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” وتحمل اختصار (FIOE)، وهي المنظمة المظلة التي تجمع كل شبكات الإخوان الأوروبية. وما يلفت الانتباه هو أن “قطر الخيرية” في المملكة المتحدة بدأت عملياتها في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة، وشرعت في تمويل بناء مركز إخواني في ولاية تينيسي، يحمل اسم “مركز ممفيس الإسلامي”، يقوده السلفي الإخواني الأمريكي البارز ياسر قاضي. كما احتضنت “قطر الخيرية – المملكة المتحدة” مشاريع أكبر، شملت تمويل بناء مراكز إخوانية تحت غطاء “مراكز إسلامية” في الدول الأوروبية، ما أدى إلى تنامي الرقابة الأوروبية حول أنشطتها. 
ونتيجة لذلك، جرى استبدال أعضاء مجلس إدارة المؤسسة القطريين بغرض إبعاد الطابع القطري بشكل أو بآخر. كما غيّرت المؤسسة اسمها الرسمي عام 2017 من “قطر الخيرية – المملكة المتحدة” إلى “نكتار ترست”. تعمل المنظمة الأم في الدوحة بشكل وثيق مع الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، ومع مؤسساته المختلفة القائمة في الدوحة. كما تتعاون “قطر الخيرية” مع كل من يستهدف الحكومة السعودية ويسعى إلى تشويه صورة المملكة؛ فعلى سبيل المثال، عملت المؤسسة على تجنيد رجل الدين السعودي سلمان العودة في إطار “الاتحاد العالمي” التابع للقرضاوي، وسلّمته إدارة مشروع بارز في إحدى عمليات “قطر الخيرية”، قبل أن تتنبه السلطات السعودية لذلك.   عيد الخيرية والسلفيون المتطرفون نشطت “عيد الخيرية” ذات العقلية السلفية في آسيا وإفريقيا على نطاق واسع، لكنها صعّدت من أنشطتها بشكل لافت في أوروبا في الآونة الأخيرة. 
جرى تأسيس “عيد الخيرية” على يد القطري عبد الرحمن النعيمي، المدرج على قائمة الإرهاب العالمية (SDGT) منذ عام 2013 بسبب تمويله القاعدة في العراق وسوريا. في أوروبا، تتعاون “عيد الخيرية” بشكل وثيق مع المنظمات السلفية في السويد وألمانيا وهولندا وكوسوفو، لكنها أطلقت مؤخرًا مشاريع خاصة بها في كوسوفو وألبانيا وألمانيا وهولندا، جميعها تعمل على نشر رسائل إسلاموية متطرفة موجهة إلى الأوروبيين بشكل رئيس. ومن الملاحظ أن النعيمي اعتاد على تنظيم اجتماعات متعددة ضمت جهاديين وسلفيين إلى جانب إسلاميين من الإخوان، استخدم خلالها شعارات رنانة مخادعة ترتكز إلى “مقاومة المعادين للإسلام”، بغرض الدعوة إلى “جمع الأموال لصالح المقاومين في وجه الغرب”. وتؤكد المعلومات أن حكومة قطر هي من تمول أنشطة “عيد الخيرية”، بينما توفر تركيا حاضنة جغرافية لجميع مؤتمراتها السنوية. وقد أصبح مستشار إردوغان الشخصي، ياسين أقطاي، هو من ينسق كل اجتماعات الإخوان والمنظمات الإسلامية الأخرى على الأراضي التركية. في فبراير 2016، نظمت المؤسسة القطرية مؤتمرًا دوليًا في إسطنبول، حمل اسم “الأقصى” كغطاء ساتر بغرض حشد الدعم الشعبي له وتبرير انعقاده. وبالفعل، جذب المؤتمر أعدادًا كبيرة من النشطاء السلفيين، والجهاديين، وكذلك إخوانيين معروفين. 
وتظهر صور المؤتمر أن من بين الشخصيات الرسمية المشاركة هما السلفيّان المرتبطان بالقاعدة، المقربان من أسامة بن لادن، أحمد رفاعي طه ومحمد الإسلامبولي. ومن بين المشاركين الموالين للجهاديين كذلك هم وجدي غنيم المقرب من ابن لادن، وحسن بن علي الشريف الكتاني، الزعيم في الحركة السلفية الجهادية المغربية. وما يلفت الانتباه هو ما كشفت عنه المعلومات الموثقة الحديثة حول تورّط أحمد رفاعي طه ومحمد الإسلامبولي بعمق في العمليات الجهادية في محافظة إدلب في سوريا، بعد وقت قصير من انعقاد مؤتمر 2016. وقد تولى الرجلان مناصب قيادية تنفيذية في مجموعات خراسان الجهادية، المرتبطة مباشرة بتنظيم القاعدة.
 وقبل وقت قصير من مقتل رفاعي في قصف جوي في 5 إبريل 2016، أفادت تقارير أنه سعى مع الإسلامبولي إلى توحيد الجماعتين الجهاديتين أحرار الشام والنصرة. وبحسب ما ورد، تتلقى “النصرة” و”أحرار الشام” والأفراد المرتبطون بهما تبرعات كبيرة من أفراد قطريين. كما تمتع عملاء القاعدة بدعم مباشر من شخصيات قطرية بارزة، وهنالك أدلة على أن وزير الداخلية القطري السابق دعا القيادي في القاعدة خالد شيخ محمد في منتصف التسعينيات للانتقال من البوسنة للعيش في قطر. وقد قبِل خالد شيخ بذلك العرض، وعاش في قطر لمدة سنتين، قبل أن ينتقل إلى باكستان بجواز قطري. 

شارك