المصور تكشف أردوغان يتاجر بورقة اللاجئين للخروج من المستنقع السورى

الأربعاء 18/مارس/2020 - 10:31 ص
طباعة المصور تكشف أردوغان روبير الفارس
 
 
الاستغلال غير الإنسانى للاجئين لتهديد أوربا، واستجداء تأييد حلف شمال الأطلنطى، والتنازلات التى قدمت للدب الروسى كلها محاولات من أردوغان للهروب من المستنقع السورى. هو محور التقرير المهم الذى نشرته مجلة المصور للكاتبة عزة صبحي  وجاء فيه 

تداعيات الغزو التركى لشمال سوريا من خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية دفعت أردوغان للبحث عن وسائل لحفظ ماء الوجه بعد أن فشل حتى الآن فى تحقيق أهدافه.

فى مأساة إنسانية كبيرة من صنع الرئيس التركى أردوغان يقف عشرات الآلاف من اللاجئين من جنسيات مختلفة من سوريا، أفغانستان، باكستان، إيران، عالقين على الحدود التركية الإيرانية فى ظروف معيشية وجوية صعبة للغاية، من أمامهم السلطات والقوات اليونانية تدافع عن حدود الدولة وتمنعهم بكل الوسائل من اجتياز الحواجز السلكية على الحدود البرية أو عبور المياه، سواء فى البحر أو من النهر، مستخدمة فى ذلك كل الوسائل من غازات مسيلة للدموع وقنابل دخان وإطلاق رصاص فى الهواء ومطاردة عنيفة للبعض، الذين نجحوا فى التسلل وإعادتهم من حيث أتوا، ومن خلف اللاجئين تقف القوات التركية لتمنعهم من العودة إلى تركيا مستخدمة كذلك القنابل المسيلة للدموع والهراوات، وتناقلت الأخبار مقتل لاجئين بالرصاص وآخرين غرقًا أثناء محاولات عبور البحر للوصول إلى بعض الجزر اليونانية.

فى شهادات لبعض وسائل الإعلام الغربية أكد اللاجئون أن السلطات التركية وخدعتهم ونقلتهم فى حافلات مجانية إلى الحدود اليونانية، وأكدت لهم أن السلطات اليونانية فتحت الحدود وتسمح بعبورهم وأكدت لهم أن هناك الآلاف قد عبروا بالفعل، يعيش هؤلاء اللاجئون الآن فى ظروف صعبة، سواء فى العراء أو فى بعض الخيام المصنوعة من خامات متهالكة لا تحمى من البرد ولا يجدون الطعام أو الدواء فى انتظار انتهاء المفاوضات من شأنهم بين الاتحاد الأوربى وتاجر البشر ومهرب اللاجئين الأول فى العالم أردوغان.

الرئيس التركى الذى أطلق على اللاجئين السوريين الإخوة والضيوف الكرام فى بداية الأزمة السورية، كان يعد منذ البداية لاستثمارهم فى خدمة أهدافه السياسية وتوسعاته الاستعمارية، استخدمهم كسلاح ضد أوربا فى موجة الهجرة الأولى فى عام ٢٠١٥ عندما دفع هناك الآلاف عبر الحدود التركية إلى حدود الاتحاد الأوربى للضغط عليه للحصول على بعض المكاسب السياسية والمادية، حيث توصل فى عام ٢٠١٦ إلى اتفاق مع الاتحاد الأوربى حصل بمقتضاه على ستة مليارات دولار كإعانة مالية، بالإضافة إلى وعود بسرعة التدخل إلى اتفاق جمركى بين الطرفين، وتسهيلات لحصول الأتراك على تأشيرة دول الاتحاد الأوربى.

ويعود أردوغان الآن لاستخدام اللاجئين كورقة ضغط على أوربا للحصول على مزيد من الأموال بشروط جديدة منها أن تدخل الأموال مباشرة إلى الخزانة التركية، وليس من خلال المساعدات التى تقدمها منظمات الإغاثة الدولية، وذلك فى محاولة منه لتعويض الخسائر المالية، التى يتكبدها يوميًا بسبب تدخله العسكرى فى سوريا، وآثاره السيئة على الاقتصاد وانهيار الليرة التركية، أردوغان رفع تسعيرة اللاجئين فى بورصته الخاصة، وأكد أنه يريد ثلاثين مليار دولار ينفقها على اللاجئين فى تركيا، يسعى أردوغان أيضًا لاستخدام اللاجئين السوريين كجدار بشرى يحول بين بلاده ومناطق الأقلية الكردية فى سوريا لقطع الصلة بين أكراد تركيا وأكراد سوريا، وذلك من خلال إقامة ما يسميه مناطق آمنة على الحدود السورية الكردية، ويقوم بالفعل منذ فترة بنقل اللاجئين السوريين بشكل إجبارى إلى المناطق التى يسيطر عليها فى سوريا ويتعرض هؤلاء لقصف النيران من الجبهات هناك ويضغط أردوغان على أوربا لتؤيده فى ذلك وإلا تعرضت لموجات جديدة من اللاجئين.

الاتحاد الأوربى يبدو حازمًا هذه المرة فى مواجهة تدفق اللاجئين السوريين، كل تصريحات الأوروبيين سواء رؤساء أو كبار مسئولين فى الاتحاد الأوربى رفضت الابتزاز التركى وأدانت سلوك أردوغان بأشد العبارات والأوصاف، حتى ألمانيا التى فتحت أبوابها لمليون سورى فى عام ٢٠١٥ أكدت هى الأخرى أنها لن تستقبل أى لاجئين، حتى إن وزير الداخلية الألمانى كتب تدوينة باللغة العربية على صفحته الخاصة قال فيها أن حدود أوربا ليست مفتوحة أمام اللاجئين من تركيا.

لكن هذه التصريحات شديدة اللهجة، التى تدين ابتزاز أردوغان لأوربا مستخدما ورقة اللاجئين لا تمنع أن هناك مفاوضات مكثفة تدور الآن علنًا وسرًا بين تركيا والاتحاد الأوربى لمواجهة كابوس اللاجئين، أوربا فى موقع صعب فهى من ناحية ملتزمة بقوانين ومعاهدات دولية أوربية تتيح لطالبى اللجوء الدخول فى التحقق من طلبهم لكنها فى نفس الوقت ليست لديها لا القدرة ولا الرغبة فى استقبال مزيد من اللاجئين خاصة بعد تصاعد موجات اليمين المتطرف فى أوربا الرافضة لاستقبال اللاجئين، فضلًا عن المشاكل الاقتصادية، التى تواجه معظم الدول الحدودية المهددة بموجات من المهاجرين مثل اليونان، إيطاليا، إسبانيا، بلغاريا، كرواتيا، النمسا، مالطا، سلوفانيا، والمجر.

أوربا فشلت على مدى السنوات الأربع الماضية فى التوصل إلى اتفاق داخلى يحظى بدعم كامل من دول الاتحاد حول تقاسم وتوزيع اللاجئين وتحولت المعسكرات التى تؤويهم إلى مآسٍ إنسانية.

وكان النجاح الوحيد الذى حققه الاتحاد الأوربى هو الاتفاق على تقوية الحدود الأوربية، سواء بإقامة جدران أو حواجز مانعة.. كذلك زيادة قوات خفر السواحل وحرس الحدود فيما يعرف بقوات فرونتكس إلى عشرة آلاف فى حلول عام ٢٠٢٧، معظم قادة أوربا اضطروا رغم إدانة أردوغان إلى إظهار التعاطف معه فى خسائره البشرية فى الحرب فى سوريا، ورغم أنهم لم يرفضوا فكرة المنطقة الآمنة، لكنهم لم يتخذوا إجراءات فعلية للضغط لإنشائها.

أغلب الظن أن أوربا ستضطر لدفع مزيد من الأموال لتركيا على اعتبار أنه أقل الأضرار، التى يمكن تحملها، لكنها بذلك تكون قد خضعت لابتزاز أردوغان وتفتح الباب أمام مزيد من الابتزاز فى المستقبل.

تداعيات أزمة اللاجئين السوريين بين تركيا والاتحاد الأوربى تعود بشكل كبير إلى ورطة أردوغان فى المستنقع السورى، تركيا فشلت حتى الآن فى تحقيق أى من أهدافها العسكرية والجيوسياسية فى سوريا، بل وتتكبد خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية بشكل يومى لم تعد تستطيع تحمله، مما أدى إلى ارتباك فى المواقف التركية فى الآونة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بمدينة إدلب التى كانت حتى وقت قريب تحت سيطرة قوات المعارضة المدعومة من تركيا، لكن تقدم القوات الحكومية السورية ونجاحها فى السيطرة على ثلث مدينة إدلب تحت غطاء جوى ودعم عسكرى روسى أفقد تركيا توازنها فهى من ناحية لا تستطيع مواجهة روسيا عسكرياً فى ظل مصالحها الكثيرة معها ومن ناحية أخرى لا تستطيع هزيمة القوات السورية طالما حظيت بالدعم الروسى.

أردوغان حاول الاستنجاد بحلف شمال الأطلنطى بحكم عضويته فيه، كما طلب مساعدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى للضغط على روسيا وعلى الحكومة السورية لوقف العمليات العسكرية فى إدلب، لكنه لم يلقَ استجابة لعلاقته المتأزمة مع هذه الأطراف بسبب تحالفه مع روسيا فى السنوات الأخيرة والشكوك فى ولاء تركيا لحلفائها القدامى، خاصة بعد إصرارها على الحصول على منظومة صواريخ إس ٤٠٠ التى ترفضها واشنطن وحلف الأطلنطى.

وتعرض أردوغان لهجوم واضح من مسئولين روس اتهموه بخرق اتفاق سوتشى حول إدلب وتقديمه الدعم العسكرى للجماعات الإرهابية المسلحة التى تعمل ضد الحكومة السورية، ورفضت روسيا رفع الغطاء الجوى عن القوات السورية فى الشمال السورى كما رفضت إعطاء الإذن لتركيا باستخدام الطيران فى المواجهة مع سوريا، وباءت كل تهديدات أردوغان بهزيمة القوات السورية بالفشل، كذلك تهديدات بطرد القوات السورية من الأراضى التى أعادتها تحت سيطرتها، واضطر أردوغان فى النهاية إلى الرضوخ للشروط الروسية فى الاتفاق الأخير الذى تم توثيقه حول وقف إطلاق النار فى إدلب.

كل التحليلات السياسية لبنود الاتفاق أكدت التنازلات التى خضع لها أردوغان للحفاظ على سلامة قواته فى الشمال السورى، حيث فشلت تركيا فى الحصول على أحد أهم مطالبها وهو انسحاب قوات الحكومة السورية من المدن التى سيطرت عليها لما بعد حدود نقاط المراقبة التركية، كذلك اضطرت للموافقة على إعطاء روسيا السيطرة الكاملة على الطريق الدولى على الحدود الحالية، كذلك لم يحدد الاتفاق مصيرًا للمنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولى m٤ وتحدث الاتفاق فقط عن ممرات آمنة، وبالتالى اعتبر الاتفاق حدود هذا الطريق هو المد الفاصل، وبالتالى ضمنيًا سيطرت القوات الروسية على منطقة جبل الزاوية وأريحا وهو المطلب الروسى الأساسى الذى طالما عارضته تركيا، نص الاتفاق على دوريات روسية - تركية مشتركة على الحدود تبدأ فى الخامس عشر من مارس الحالى، مما يشير إلى رفض روسيا إعطاء تركيا أى استقلالية فى التحرك دون الإشراف الروسى.

معظم المحللين أكدوا أن هناك الكثير من النقاط الغامضة فى اتفاق وقف إطلاق النار، وأن روسيا والحكومة السورية لم يعربوا أو يشيروا إلى أنهم تخلوا عن فكرة استقلال مدينة إدلب بالكامل وهى آخر معاقل الجماعات الإرهابية وجماعات المعارضة المدعومة من تركيا، بل إن الاتفاق أكد على وحدة الأراضى السورية كاملة.

فى الوقت الذى تدور فيه الكثير من الأسئلة حول حسابات الربح والخسارة فى اتفاق وقف إطلاق النار فى إدلب، حيث فشل الاتفاق فى الفوز بتأييد مجلس الأمن الدولى بسبب عرقلة واشنطن تبنى المجلس لقرار حول روسيا أكد أن الرفض الأمريكى جاء بسبب رغبتها فى ضمان موافقة روسيا فى مجلس الأمن على اتفاق تم بين واشنطن وحركة طالبان على وقف إطلاق النار فى أفغانستان، وكان الروس قد أكدوا أنهم سيرفضونه فى مجلس الأمن.

كل التوقعات تشير إلى أن مصير هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار فى إدلب سيلقى مصير الاتفاقات السابقة من الفشل وذلك فى ظل استمرار تصارع المصالح للقوة الدولية والإقليمية المختلفة على حساب أمن واستقرار دول أخرى.

شارك