حركة النهضة التونسية وبدايات التصدع من الداخل

الأربعاء 17/يونيو/2020 - 12:19 ص
طباعة حركة النهضة التونسية حسام الحداد
 
بعد تزايد حدة الصراع بين حركة النهضة - الذراع التونسي - للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية من جانب والشعب التونسي ممثلا في أحزابه السياسية من جانب أخر، وارتفاع الأصوات المعارضة للنهضة بحل البرلمان التونسي واقالة الغنوشي، تزايدت في المقابل الخلافات الداخلية في الحركة بعد إعلان أحد قياداتها استقالته، ووفقا لموقع العربية، فإن الانتقادات تتكاثر في وجه رئيس حركة النهضة بعد مطالبات بإقالته من رئاسة البرلمان التونسى وقيادة النهضة أيضاً، حيث أعلن القيادي في الحركة الإخوانية، عبد الرزاق حسين، استقالته من المكتب التنفيذي للحركة، احتجاجاً على سياسة الغنوشي، وتفرده بالقرار.
وأكد عبد الرزاق حسين، في بيان له، أن استقالته تعود إلى توجه حركة النهضة نحو ما وصفه بحزب الرئيس، وسعيه إلى التوريث، فضلاً عن تضخم الأنا لدى راشد الغنوشي وانفراده بالقرار، لافتا إلى أن انفراد رئيس الحركة بالمركز وبالقرارات تسبب في تهميش مؤسساتها وإرساء ديمقراطية صورية داخل الحركة، وإنتاج فئة من الأعضاء متماهية مع الرئيس، ومتخذة من التزلف والانتهازية أداة لعملها.
يأتي هذا بعد أسابيع على مطالبة أعضاء في الحركة الغنوشي بالتنحي قبل نهاية العام الحالي، في مؤشر على تصاعد حالة الغضب والاختناقات الناجمة عن طموحات رئيس حركة النهضة الذي عمّر طويلا في قيادتها، ودعا الأعضاء الموقّعون على بيان صادر عن جبهة تدعى "الوحدة والتجديد"، في مايو الماضي، إلى ضرورة عقد مؤتمر الحركة في آجاله القانونية، على ألاّ يتجاوز ذلك نهاية 2020، والحرص على ضمان التداول القيادي بما يسمح بتجديد نخبها وذلك في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجات البلاد، فيما دفع راشد الغنوشي باتجاه تأجيل المؤتمر الذي سينظر في خلافته على رأس الحزب، بدعوى أن الظروف في البلاد لا تسمح بذلك.
وواجه راشد الغنوشى قبل أيام حملة انتقادات نيابية عنيفة خلال الأسابيع الماضية أيضاً، وسط مطالبات بمحاسبته، إثر تصريحات أدلى بها في وقت سابق تتعلق بليبيا وحكومة الوفاق، وصفها نواب بأنها تعد على الصلاحيات الدستورية للرئاسة التونسية.
وفي نفس السياق فان مساندة النائب الأول لرئيس حركة النهضة الاسلامية علي العريض لدعوات استبعاد راشد الغنوشي من رئاسة الحركة تربك مساعي الأخير لتجديد ولايته، فيما تنامت الأصوات المطالبة بالتجديد في سلم قيادة الحركة الاسلامية التي يحتكر الغنوشي قيادتها منذ 5 عقود على الأقل.   
وقال العريض في حوار على قناة فرانس 24 الاثنين إنه "مع احترام القانون الأساسي للحركة الذي ينص على أنه لا يمكن لأي فرد تجاوز دورتين على رأس الحركة"، فيما تنتهي الولاية الثانية للغنوشي مع تحديد موعد المؤتمر الحادي عشر للحركة المزمع عقده  العام الجاري.
وأضاف رئيس الوزراء الأسبق والقيادي البارز في الحركة ان "راشد الغنوشي بإمكانه تقديم الإضافة للنهضة حتى وإن لم يمكن على رأسها ويجب تعويد الجيل الجديد الذي سيكون القيادات المستقبلية للحركة على احترام القانون".
وتكثف تصريحات العريض الضغوط على رئيس الحركة الذي يقود مساعي للالتفاف على القانون الداخلي عبر تنقيحه بما يسمح له بتجديد ولايته.
ويلقى هذا السيناريو مقاومة شديدة من قبل أبرز قيادات الحركة على غرار وزير الصحة عبداللطيف المكي ورئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني الذين يقودون تيارا في الحركة يطالب بالتغيير والتجديد.  
 ويعمق انضمام العريض، كونه ثاني شخصية قيادية في الحزب، إلى التيار المطالب بالتغيير في الحركة الضغوط على الغنوشي الذي قد يضطر إلى التنحي بعد معارضة أغلب القيادات التاريخية لبقائه على رأس الحركة.
وقالت أوساط من داخل الحركة الاسلامية أن التيار المناصر لبقاء الغنوشي على رئاسة الحركة يعمل على حشد الدعم لتنقيح النظام الداخلي الذي يحدد مدة الرئاسة بدورتين، ما يمكن الغنوشي من الترشح لولاية ثالثة أو حتى رابعة خلال المؤتمر القادم.  
وتداولت صفحات مقرّبة من الحركة مبادرة لعدد من القيادات حملت عنوان "مجموعة الوحدة والتجديد" قدمت خارطة طريق من سبع نقاط بشأن دور رئيس الحركة وموعد المؤتمر الذي تعطل عقده في موعده بسبب عدم تحمّس الغنوشي لعقده قبل ضمان تعديلات تتيح له الاستمرار كرجل رقم واحد في الحركة.
وتضمّ "مجموعة الوحدة والتجديد" كلا من الهاروني، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبدالسلام (صهر الغنوشي)، ومسؤول المكتب السياسي نورالدين العرباوي.
ودعت المبادرة إلى "ضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها"، وذلك وفق "مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات".
وتواجه الحركة عدّة مشاكل، خاصة في ما يسمي بـ"الانتقال القيادي"، في أجواء مشحونة بالتجاذب والمغالبة، بين نفوذ الغنوشي وتمسّكه بكرسي الرئاسة، وبين شق آخر يضم وجوها بارزة على رأسها وزير الصحة الحالي عبداللطيف المكي.
وتأتي مبادرة القيادات التاريخية المطالبة بالتغيير في وقت تفاقمت فيه الضغوط على الغنوشي الذي يترأس البرلمان التونسي أيضا ويواجه مساعي لعزله من منصبه تقودها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي تمكنت من استنهاض معارضة برلمانية واسعة لترؤس الغنوشي للبرلمان التونسي.
ولا يخفي عديد من القيادات المحسوبة على "تيار الصقور" امتعاضهم من طريقة تسيير الحركة واتخاذ القرار فيها، بعد أن استفحل تجاوز الغنوشي لمقررات مجلس الشورى وتوجيهاتها في العديد من المناسبات.
وتحمل هذه القيادات الغنوشي مسؤولية تراجع " شعبية" الحركة وتقلص أنصارها وذلك بعد اتباعه سياسات تخالف مقررات مجلس الشورى خاصة في علاقته بالتحالفات الحزبية والتوجهات الكبرى للحركة. 
وقال عبد الحميد الجلاصي، وهو من القيادات الوازنة المستقيلة من الحركة مؤخرا، إنه "يوجد فجوة بين النهضة وقاعدتها الانتخابية وبين القاعدة النضالية والقيادات الحزبية، المنظومة الحزبية بمجملها مريضة وأصبحت عبئا على تونس".
ولمح الجلاصي لمحاولات الغنوشي الالتفاف على القانون الداخلي واعتزامه الترشح لولاية أخرى بالقول "لو كان الغنوشي ينوي تمرير السلطة لبدأ في تفويضها تدريجيا لكنه لا ينوي المغادرة وسيبحثون عن اليات قانونية لتجديد عهدته."
وتضع الاستقالات من الوزن الثقيل الغنوشي أمام خيارين: إما الانسحاب من رئاسة الحركة أو المضي قدما في تجاهل الأصوات المطالبة بالتغيير، فيما لا يبدو انسحابه السيناريو الأكثر ترجيحا. 
ويمثل تجاهل الأصوات المطالبة بالتغيير السيناريو الأقرب الذي سينتهجه الغنوشي، ما لم يحصل طارئ، فهو منهمك الأن في المناورات السياسية وتحصين موقع الحركة في الحكم بعد دعوته الى توسيع الائتلاف الحكومي، ما لم يترك وقتا لتنظيم المؤتمر الحادي عشر وبالتالي امكانية تأجيله أصبحت في حكم المؤكد نظرا لضيق وقت الترتيبات.  
وليس مستبعدا أن يتم تأخير تاريخ عقد المؤتمر مرة أخرى بعد أن كان مقررا في شهر مايو الماضي بانتظار التوصل إلى صيغة من شأنها التحكم في الخلافات الداخلية في الحركة الاسلامية.

شارك