هل تشهد 2020 حربا بين اليونان وتركيا؟

الأحد 21/يونيو/2020 - 02:51 ص
طباعة هل تشهد 2020 حربا حسام الحداد
 
سؤال مهم تفرضه حالة التوتر الدائم بين البلدين، في ظل أطماع أردوغان التوسعية للسيطرة على غاز المتوسط، وتشهد العلاقات بين تركيا واليونان توترا شديدا في أعقاب اتفاق أنقرة على ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني بطرابلس، وإرسالها سفنا للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق التي تعتبرها اليونان جزءا من منطقتها الاقتصادية الخالصة.
 وتأتي الإجابة على سؤال العنوان من رئيس هيئة أركان الجيش اليوناني قسطنطينوس فلوروس، وقد هدد تركيا من الإقدام على اجتياح بلاده، مؤكدا استعداد لـ"حرق من يضع قدمه" على الأراضي اليونانية. 
وقال رئيس الأركان اليوناني، في تصريحات نقلتها قناة "أوبن" التلفزيونية اليونانية: "سنحرق من يضع قدمه على الأرض اليونانية قبل أن نتأكد من هو".
وأكد فلوروس أن احتمال وقوع نزاع عسكري مع تركيا قائم في حال أقدمت أنقرة على تخطي "الخطوط الحمراء".
ولفت إلى أن "النزاع العسكري محتمل، وليس بوسع أحد أن يستبعد هذا الاحتمال، وفي حال حدث أي شيء من هذا القبيل، فهذا لن يقتصر على نقطة واحدة، بل ستتسع رقعته فورا".
وأضاف أن "من سيهاجم القوات المسلحة اليونانية سيدفع ثمنا باهظا، والجيران يعرفون ذلك".
وأكد أن أثينا تعرف ماذا ستفعل في حال تعرض اليونان لأي اعتداء.
بداية التصعيد
كانت بداية التصعيد بين البلدين في أبريل الماضي 2020، حيث تتعدد الملفات الملتهبة بين البلدين خصوصا، السيادة على جزر إيميا، والنفوذ في قبرص وبحر إيجه، بالإضافة إلى التنافس على غاز المتوسط بين البلدين الجارين.
السيادة على جزر إيميا
كانت الخارجية التركية قد أصدرت بيانا زعمت فيه سيادتها على "إيميا"، وقالت إنها "لن تقبل بأي أمر واقع من الجانب اليوناني نحو التكوينات الجغرافية في بحر إيجه".
من جانبها، ردّت الخارجية اليونانية بتحذير أنقرة من المساس بجزر إيميا، مؤكدة أن سيادتها عليها "أمر مسلّم به ولا شك فيه".
ويبرز الخلاف حول سيادة جزر "إيميا" بين البلدين من الحين والآخر؛ ففي 29 يناير 2017، قالت وزارة الدفاع اليونانية إن بارجة تركية قاذفة للصواريخ دخلت المياه الإقليمية اليونانية قرب جزر "إيميا".
وبناء عليه، راقبت قوات خفر السواحل اليونانية تحركات البوارج التركية، محذرة إياها من الانتهاك الذي ارتكبته. مما أدى إلى مغادرة البوارج التركية بعد 7 دقائق.
الأمر نفسه تكرر في فبراير الماضي 2018، حيث اصطدمت سفينة دورية تركية بأخرى لشرطة المرافئ اليونانية، وألحقت بها أضرارا، بحسب ما ذكر بيان للشرطة اليونانية آنذاك.
وأدان رئيس الوزراء اليوناني الحادث، داعيا أنقرة لاحترام القواعد الأساسية للقانون الدولي، مهددا بأن "الاستفزازات ضد الحقوق السيادية لبلد عضو في الاتحاد الأوروبي تستهدف أيضا كل دول الاتحاد".
وأوشك الخلاف بين البلدين أن يصل عام 1996 إلى اندلاع حرب، لولا ضغط كبير من الولايات المتحدة، وذلك بعدما أسقطت تركيا مروحية يونانية وقتلت 3 ضباط كانوا على متنها فوق إيميا.
بحر إيجه وتقسيم قبرص
تتنازع كل من أنقرة وأثينا السيادة على بحر إيجه، لكن اليونان انتزعت الحق بجزر بحر إيجه منذ عام 1913 (حرب البلقان). وذلك رغبة في الاستفادة من مزايا إيجه العسكرية والاقتصادية خاصة النفط.
ويطل على إيجه، الذي توجد به جزر كثيرة تعرف بالأرخبيل اليوناني، كل من تركيا واليونان.
أما أزمة قبرص فتتلخص في تدخل القوات التركية عسكريا منذ عام 1974، وهو ما أدى إلى انقسام الجزيرة إلى شقين: قبرص الشمالية ذات الأغلبية التركية، وهي تابعة في تسيير أمورها لأنقرة، وقبرص اليونانية (في الوسط والجنوب).
ومع مرور أكثر من 40 عاما على إعلان استقلاها، لا تحظى قبرص الشمالية باعتراف دولي إلا من تركيا.
غاز المتوسط
لطالما رغبت تركيا في السيطرة على موارد الغاز القريبة من قبرص في البحر المتوسط، وما أتبع ذلك من رفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص الموقعة عام 2013.
وردا على ذلك الرفض، أعلنت كل من مصر وقبرص، في فبراير 2018 ، تمسكهما بالاتفاقية. كما حذرت القاهرة أنقرة من أي محاولة للمساس بسيادتها على المنطقة الاقتصادية الخالصة في المتوسط.
وتوّج التفاهم المصري القبرصي حول الاستفادة من غاز المتوسط، بإبرام البلدين نهاية فبراير 2018، اتفاقا مبدئيا لإقامة خط أنابيب غاز من قبرص إلى مصر.
وقال وزير البترول المصري طارق الملا، حينها، إن ذلك الاتفاق يسهم في تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول ليكون بمثابة مركز إقليمي للطاقة.
وعلى الجانب التركي، قال مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركية: "لا يمكن لأي جهة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أي أبحاث علمية غير قانونية أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق المتداخلة فيه.
ورغم المحاولات التركية في منع التنقيب بالقرب من قبرص، إلا أن قبرص فوتت الفرصة على الأتراك عبر السماح لشركة إيني الإيطالية بالتنقيب عن الغاز في 6 مناطق، وهو ما عده البعض صفعة كبيرة لأنقرة.
العسكريون الفارون لليونان
اكتسب الخلاف بين أنقرة وأثينا شكلا جديدا بفرار ثمانية عسكريين أتراك، شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة على نظام أردوغان في يوليو 2016، إلى اليونان.
وفي يناير 2018، أعلنت الحكومة اليونانية أنها لن تسلم الضباط الأتراك سواء تم منحهم حق اللجوء أو لا، مشددة على أن التأكيد على استقلالية القضاء اليوناني والتزام الحكومة بقرارته. الأمر الذي أثار استياء ورفضا تركيا للقرار اليوناني.
ورقة اللاجئين
في مارس 2020، استدعت وزارة الخارجية التركية، السفير اليوناني لدى أنقرة للاحتجاج على "انتهاكات" للمياه التركية ولتحذير اليونان بشأن وحداتها المنتشرة على الحدود، وفق ما أعلن مصدر دبلوماسي تركي.
وأفاد المصدر طالبا عدم كشف هويته بأن وزارة الخارجية استدعت السفير اليوناني مايكل-خريستوس دياميسيس.
وذكر لوكالة "فرانس برس" أن الوزارة طالبت بـ"وضع حد للانتهاكات للمياه الإقليمية التركية وأن تحذر اليونان وحداتها المنتشرة حول الحدود البرية"، مؤكدا بذلك تقريرا كانت قد نشرته في وقت سابق وكالة أنباء "الأناضول".
وتابع المصدر أن المسؤولين الأتراك طالبوا بوضع حد لاعتقال الصحفيين في جزيرتي رودوس وليسبوس "خلال تغطيتهم الأوضاع الإنسانية لطالبي اللجوء"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وكان حرس الحدود اليونانيون قد أعلنوا، حينها أن سفينة تابعة لخفر السواحل الأتراك صدمت أحد زوارقهم، وأن أضرارا طفيفة أصابت الزورق.
والعلاقات متوترة بين اليونان وتركيا منذ إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أواخر فبراير 2020، فتح الأبواب أمام اللاجئين لمغادرة تركيا.
وتوجّه الآلاف منهم هذا الشهر إلى الحدود البرية مع اليونان، حيث استخدمت السلطات اليونانية الغاز المسيل للدموع لمنعهم من العبور إلى الأراضي اليونانية، وقد سجّلت أعمال عنف وتجريد للمهاجرين الذين يحاولون اختراق السياج الفاصل من مقتنياتهم.
وصعد أردوغان انتقاداته لليونان قائلا إن "لا فرق بين ما فعله النازيون وتلك الصور من الحدود اليونانية".
ونفت اليونان اللجوء إلى العنف واتهمت تركيا بدفع الناس اليائسين للقيام بمحاولات خطيرة للدخول إلى أوروبا.
حرب كلامية:
وفي مايو الماضي 2020، اشتعل التراشق الإعلامي والدبلوماسي بين الحكومتين، عبّرت الخارجية التركية عن انزعاجها من تصريحات وصفتها بأنها مسيئة وصدرت عن وزير الخارجية اليوناني، حيث انتقد الناطق باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، بشدة، وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، لوصفه تركيا بـ"الدولة البربرية".
وقال أقصوي في بيان حينها: "وصف اليونان التي تمارس شتى أنواع الظلم بحق طالبي اللجوء الأبرياء المتواجدين على حدودها، تركيا بالدولة البربرية، مدعاة للخجل، وعلى اليونان أن تتخلص أولا من بربريتها"، وتناسى الوزير التركي أن من يرشق هؤلاء "الأبرياء" هم بلاده.
كما أضاف أن تصريح دندياس، يشير إلى أن اليونان ترجّح تصعيد التوتر بين البلدين، بدلا من الحوار، موضحا أن السلطات اليونانية تعمل على تحريف الحقائق بشكل يتناسب مع تطلعات السياسة الداخلية لحكومة أثينا.
وتابع قائلا: "ندعو القيادة اليونانية التي تتبنى عقلية "عدو عدوي صديقي"، إلى التعقّل".
كما ادعى الوزير التركي أن اليونان تنتهك بشكل صريح، حقوق طالبي اللجوء وحريتهم، وأن تلك الانتهاكات موثقة من قِبل منظمات حقوق الإنسان، بحسب زعمه، دون أن يشير إلى من رمى اللاجئين عند الحدود اليونانية.
إلا أن كلام الوزير التركي لم يثن اليونانيين عن الرد، فقد ذكّرت أثينا أنقرة بأن أردوغان كان وصف اليونان بدولة ذات ممارسات نازية.
وشرح وزير خارجية اليونان تفاصيل العلاقة مع تركيا، كاشفا المصاعب التي تكتنفها في حوار أجرته معه إحدى المحطّات الإذاعية اليونانية مؤخرا، حين قال إن هنالك مشاكل مزمنة ومتكررة مع تركيا تواجهها اليونان.
وأضاف قائلا إنه من المحزن أن تركيا، وفي خضم أزمتها والأزمة العالمية الحالية بسبب فيروس كورونا، تنبش في مشكلات لا وجود لها ولا مبرر لها، وذلك بدلاً من إيجاد حلول للمشكلات القائمة والعالقة بين البلدين.
وأشار الوزير اليوناني إلى أن مشاكل تركيا ليست فقط مع اليونان، وقال: "انظروا إلى الطريقة التي يعبر بها العديد من المسؤولين الأتراك والمسؤولين الحكوميين عن أفكارهم ووجهات نظرهم، والتي غالبا ما تذكرنا بعمل عسكري وشيك"، بحسب تعبيره.
وتابع: "يجب أن تفهم الحكومة التركية أن عليها العمل في إطار القانون الدولي".
وختم الوزير منوها بأن طريقة تركيا بإدارة الأمور لا تخدمها، وقال: "لا يمكننا حل المشكلات إذا افتعلنا باستمرار مشاكل جديدة، نزاعات خيالية غير موجودة، لمجرد توسيع نطاق الخلافات. الأمور لا تؤخذ بهذه الطريقة"، بحسب قوله.
كل هذه المؤشرات وغيرها تزيد من احتمالية قيام حرب عسكرية بين تركيا واليونان في 2020، إذا أضيف لها أطماع أردوغان في غاز المتوسط والحالة الاقتصادية التي تمر بها تركيا.

شارك