أردوغان وتشويه صورة السوريين وتحويلهم لمرتزقة

الثلاثاء 07/يوليو/2020 - 01:40 ص
طباعة أردوغان وتشويه صورة حسام الحداد
 
لا يكاد يمر يوم إلا وتتوافد دفعات جديدة من المقاتلين السوريين الذين ترعاهم تركيا وتغريهم بطرق عدة إلى ليبيا، كما كشفت تقارير خبرية وأمنية، حيث تعمل حكومة أردوغان على تشويه سمعة السوريين وصورتهم إعلامياً وعالمياً عبر تجنيدهم وإرسالهم لمناطق الصراع مثل ليبيا، وإظهارهم بصورة المرتزقة الذين لا يتوانون عن اقتراف أيّة جرائم من أجل المال، وتصويرهم كعصابات للجريمة المنظمة التي يمكن أن تساق للقتال في أيّة جبهة تُعرض عليها مقابل بعض المال.
ويوجّه أردوغان ابتزازه للسوريين نحو الداخل والخارج، بداية يحوّلهم إلى أسلحة وأدوات بيده من خلال تجميع بعضهم في ميليشيات موالية له للقتال إلى جانب، أو القتال بناء على أوامره في جبهات سورية، كما حصل في مناطق ما يسمى بدرع الفرات، ونبع السلام، بالإضافة إلى منطقة إدلب.
وبالتزامن مع تشويه صورة السوريين، يقوم أردوغان بابتزاز اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا وتخييرهم بين القتال في ليبيا أو إعادتهم إلى الأراضي السورية إما للقتال مع الميليشيات المتطرفة ضد الأكراد، أو ضد قوات الحكومة السورية، أو يقوم بإلقائهم على الجهة الأخرى من الحدود ليلاقوا مصيرهم بأنفسهم.
وأثار إرسال تركيا للمرتزقة السوريين إلى ليبيا حفيظة قادة غربيين، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهم تركيا قبل أيام بتوريد الجهاديين إلى ليبيا بكثافة واصفا تدخل أنقرة بأنه إجرامي. وقال ماكرون إن تركيا “تستورد” جهاديين من سوريا “بكثافة”. وجاء ذلك بعد تدخل تركيا بصورة حاسمة في ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث تقدم دعما جويا وأسلحة ومقاتلين متحالفين معها من سوريا لمساعدة ميليشيات الوفاق في طرابلس.
وفي سياق متّصل عملت السلطات التركية على غسل أدمغة بعض الأوروبيين بالأفكار المتطرفة وتحويلهم إلى مقاتلين في جماعات إرهابية مقاتلة في سوريا ومن ثم إعادة هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى اوروبا ليكونوا بمثابة خلايا نائمة تعمل لصالح تركيا.
وفي هذا الإطار يواصل أردوغان الضغط على الدول الغربية، وبشكل خاص فرنسا، وابتزازها بشتّى السبل الممكنة، ويأتي ترحيل أنقرة لعشرات من المقاتلين من جنسيات أوروبية كخطوة في هذا المجال، بعد أن كانت قد فتحت حدودها على مدى السنوات السابقة لعشرات الآلاف من الإرهابيين للتوجّه نحو سوريا والعراق.
ويدرك أردوغان أنّ مشكلة المقاتلين الدواعش الذين يحملون جنسيات أوروبية وغربية، ما تزال موضع نقاش محتدم لم يتمّ إيجاد حلّ له بعد، وتثير مخاوف الغرب من عودة أولئك الجهاديين الذين سيشكّلون خطورة على أمن الدول والمجتمعات الأوروبية وسلامتها.
وأثناء ذلك، يواصل أردوغان استخدام اللاجئين السوريين لابتزاز الغرب من خلال التهديد التركي بفتح الحدود أمامهم باتجاه أوروبا التي وجدت نفسها في مواجهة عملية ابتزاز سافرة تريد أنقرة من خلالها الحصول على مزيد من الأموال والتنازلات وإحداث الفوضى.
وتؤوي مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) والفصائل المعارضة في محافظة إدلب نحو ثلاثة ملايين شخص، نصفهم من النازحين. ودفع تصعيد عسكري لقوات النظام بدعم روسي في إدلب ومحيطها منذ مطلع ديسمبر واستمر نحو ثلاثة أشهر، بنحو مليون شخص إلى النزوح هرباً من المعارك والقصف، وفق الأمم المتحدة. وعشرات الآلاف منهم سبق أن نزحوا لمرات عدة.
ولجأ الجزء الأكبر من هؤلاء إلى المنطقة الحدودية مع تركيا حيث تنتشر مخيمات النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية سيئة ولا تتوافر لديهم أبسط الخدمات من مياه نظيفة وشبكات صرف صحي.
وأعاد قرار تركيا السماح للاجئين عبور الحدود باتجاه أوروبا، شبح أزمة اللجوء عام 2015، ووضع دول الاتحاد الأوروبي في موقف صعب لمعالجة هذه الأزمة. وبعد مرور خمسة أعوام على التدفق القياسي للاجئين، عزز الاتحاد الأوروبي الرقابة على حدوده لكنه لا يزال يفتقر إلى سياسة لجوء فعالة.
وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا في مارس عام 2016 منعت بموجبه أنقرة المهاجرين على أراضيها من محاولة الوصول إلى أوروبا وفي المقابل وعد الاتحاد بمساعدات قيمتها ستة مليارات يورو لأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا. لكن أردوغان يشكو منذ فترة طويلة من بطء وصول الأموال وضخها لمنظمات إغاثة وليس لموازنة الدولة. وبعد أن قتلت القوات السورية الحكومية المدعومة من روسيا جنودا أتراكا في ضربة جوية بسوريا الأسبوع الماضي أشارت أنقرة إلى أنها ستنسحب من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مقابل دعم مالي من الاتحاد الأوروبي، ينص الاتفاق على إعادة مهاجرين وصلوا إلى الجزر اليونانية من تركيا، علاوة على التزام أنقرة تأمين حدودها مع الاتحاد بشكل أكبر. وتراجع الرئيس رجب طيب أردوغان عن ذلك عبر قراره السماح بمرور المهاجرين واللاجئين الموجودين على أراضي بلاده، ما أدى إلى تدفق آلاف الأشخاص إلى الحدود اليونانية التركية. واعتبر العديد من المسؤولين الأوروبيين أن هذا الابتزاز "مرفوض".
وعام 2015، فوجئ الأوروبيون بالتدفق غير المسبوق لمليون مهاجر أغلبهم طالبو لجوء سوريون فروا من الحرب. منذ ذلك الحين، عزز الاتحاد وكالة فرونتكس المكلفة مراقبة حدوده الخارجية، بحيث يصبح عدد حرس الحدود الدائمين العاملين فيها 10 آلاف بحلول عام 2027، وذلك بهدف مساعدة الدول الأعضاء المعنية.
ويكيل الاتحاد الأوروبي أيضا كلمات الدعم لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الذي ينتمي إليه معظم أعضاء الاتحاد، فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا مما يزيد من الضغط السياسي على أردوغان للالتزام باتفاق 2016. وقال دبلوماسي أوروبي "هذا نكوص بالوعد من جانب أردوغان. لا يمكن أن نُخضع أنفسنا للابتزاز، لذا فإن أي مال جديد يجب ألا يأتي بسرعة شديدة. لكن ربما كان علينا أن ندفع في النهاية. هل بأيدينا شيء آخر؟".
تقارير وشهود عيان يرصدون الجهاديين القادمين من تركيا
نشرت صحيفة "غارديان" البريطانية مقالا ـ استنادا إلى مصادرها ـ يفيد أن حوالي ألفين من المقاتلين السوريين ينشطون حاليا داخل وحدات أبرزها وحدة أطلق عليها اسم زعيم المقاومة الليبية عمر المختار. أما مصادر أخرى فترى أن أعدادهم أكثر بكثير. وفي حديث لموقع DW عربية مع رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال إن "عدد المقاتلين وصل إلى أربعة آلاف مقاتل ينقسمون إلى جزئين؛ سوريون ومقاتلون مرتزقة من عشرة فصائل كانوا ضمن المقاتلين الجهاديين بسوريا". ويتم نقل المقاتلين "على متن الطائرات الليبية من الحدود السورية التركية إلى الأراضي الليبية"، يردف رامي عبد الرحمن.
بدوره يؤكد ميركو كايلبيرت الخبير الألماني في الشأن الليبي هذه المعلومات، وقال في حديث مع DW: "تم رصد طائرات تابعة للخطوط الجوية الليبية وطائرات ليبية خاصة حطت بليبيا والكثير من التقارير والأشخاص الذين تواصلت معهم في عين المكان يؤكدون أن الأمر يتعلق بمقاتلين سوريين".
وحسب صحيفة "غارديان" فإن المقاتلين وقعوا عقودًا مدتها ستة أشهر مباشرة مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، وليس مع الجيش التركي، مقابل 2000 دولار شهريًا. وفي نفس السياق أوضح رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن "تركيا تعد المقاتلين بالحصول على الجنسية التركية مقابل مشاركتهم في المعارك في ليبيا. ومن يلقى حتفه يصل عائلته مبلغ 500 دولار لمدة سنتين". وتقول الخبيرة الألمانية في شؤون شمال افريقيا فيكتوريا ريتيغ بأنه "من المألوف أن تمنح دولة ما جنسيتها كمكافأة لأشخاص أجانب أسدوا لها خدمات معينة من أجل حمايتهم عبر منحهم حق العيش على اراضيها مستقبلا بشكل قانوني".
في هذا السياق، أكد الناطق باسم "الجيش الوطني الليبي " أحمد المسماري، أن أردوغان يستهدف إرسال 18 ألف عنصر. وأتهم المسماري رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ب"دفع مليون دولار لكل قائد فصيل كي يرسل عناصره السورية للقتال في ليبيا". ونشرت عدة مواقع ليبية تغريدات وأشرطة توضح المسارات التي يدخل منها المقاتلون إلى الأراضي الليبية.

شارك