تركيا ومحاولات التوسع في آسيا الوسطى للسيطرة على خطوط نقل الغاز

الأربعاء 30/سبتمبر/2020 - 09:27 ص
طباعة تركيا ومحاولات التوسع حسام الحداد
 
تقول أرمينيا إن طائرة تركية أسقطت إحدى طائراتها المقاتلة في تصعيد كبير للصراع بشأن منطقة ناغورنو-كاراباخ المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان.
وقالت وزارة الخارجية الأرمينية إن قائد الطائرة "سو -25" سوفيتية الصنع توفي بعد أصابتها طائرة "إف -16" تركية في المجال الجوي الأرميني.
ونفت تركيا، التي تدعم أذربيجان في الصراع، صحة هذا الادعاء.
وقتل نحو مئة شخص بينهم مدنيون خلال ثلاثة أيام من القتال على المنطقة الجبلية المتنازع عليها.
وهذا الجيب معترف به دوليا كجزء من أذربيجان، لكن يديره الأرمن منذ حرب استمرت بين عامي 1988و 1994 بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين.
وفي وقت سابق طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أرمينيا بإنهاء "احتلال" منطقة ناغورنو كاراباخ التي تتنازع عليها مع أذربيجان.
جاء هذا مع احتدام القتال لليوم الثاني على التوالي حيث تجدد الصراع المستمر منذ عقود في منطقة القوقاز في جنوب شرق أوروبا.
وقال أردوغان إن إنهاء "احتلال" أرمينيا وانسحابها من المنطقة هو مسار العمل الوحيد الذي من شأنه إرساء السلام.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء عن أردوغان قوله إن "تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان الصديقة والشقيقة بكافة إمكانياتها".
وقال كبير مستشاري أردوغان، إلنور تشيفيك، إنّ تركيا قالت لحلفائها في أذربيجان أن يذهبوا إلى أبعد ما يريدون.
ومنذ الأحد الماضي، تشهد منطقة القوقاز توترا جديدا إثر تطور الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان، وتجدّد العمليات العسكرية في إقليم "ناغورنو كراباخ"، وسقوط قتلى في المعارك.
واعتبرت الأعمال العسكرية هذه أعنف اشتباكات بين البلدين منذ العام 2016، ما أثار من جديد مخاوف بشأن الاستقرار في جنوب القوقاز الذي يعد ممراً لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
سبب النزاع بين البلدين يرجع لنحو قرن مضى وتسبب فيه الرئيس الروسي الراحل جوزيف ستالين، وتحاول تركيا استثماره لتنفيذ مخطط وحلم قديم لها بالتواجد الفعال في الإقليم المتنازع عليه.
قنبلة موقوتة في القوقاز
ويكشف بيرج ترزيان، رئيس الجمعية الأرمينية السابق في مصر، تفاصيل النزاع لـ"العربية.نت"، قائلا إنه في العام عام 1805 أصبحت هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من روسيا، وخلال عهد الرئيس الراحل جوزيف ستالين قام بتطبيق سياسة إشعال العداء بين الإثنيات لتسهيل عملية السيطرة على كافة الأقاليم الخاضعة لبلاده، فقد كان الإقليم يسكنه نحو 95%من الأرمن، وكانوا يريدون الانضمام لأرمينيا ورفض ستالين ذلك، وأمر بضم الإقليم لأذربيجان مع منحه حق الحكم الذاتي، وهو ما كان بمثابة قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت.
ناغورنو كراباخ.. المعنى والمقصد
ويضيف قائلا لو نظرنا لاسم الإقليم مثلا سنجد أن كلمة "ناغورنو" تعني بالروسية مرتفعات، أما كلمة "كراباخ" فتعني الحديقة السوداء، ولذلك يمكن ترجمة الاسم إلى مرتفعات الحديقة السوداء، بينما يعرف الإقليم عند الأرمن باسم ارتساخ، وهي كلمة مكونة من جزأين، الأولى "أرا" وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء، والثانية تعني الكرمة، لذلك يعني الاسم الأرميني "كرمة الإله أرا"، أما الأذر فيعرفونها باسم كراباخ.
خلال السنوات التي كان الإقليم خاضعا فيها لسلطة الاتحاد السوفيتي القديم، حدثت تغييرات في التركيبة السكانية لكن ظلت الأغلبية للأرمن، وعقب تفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1991 ورغبة كل الدول الخاضعة له في إعلان استقلالها، أعلنت أرمينيا استقلالها وكذلك أذربيجان، فيما ظل الإقليم يمثل مشكلة حيث استقل ذاتيا دون اعتراف دولي.
ويضيف ترزيان أنه وفي بدايات العام 1992، أعلن الانفصاليون في الإقليم الاستقلال عن أذربيجان وتم إجراء استفتاء بالفعل انتهى بإعلان الاستقلال إلا أنه لم يلق الاعتراف الدولي، ما أدى لتدخل عسكري من أذربيجان لإخضاع الإقليم لسلطتها وولايتها، وقابلته أرمينيا بالتدخل لمساندة السكان الأرمن.
وفى مايو 1994، قبلت جميع الأطراف الاتفاق على هدنة عرفت باسم هدنة منسك بعد مفاوضات في عاصمة بيلاروسيا بمشاركة أميركا وفرنسا وروسيا، وحتى الآن كما يقول المسؤول الأرميني ظل إقليم ناغورنو كراباخ منطقة انفصالية تتمتع بالحكم الذاتي تعيش فيها أغلبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان، كما شهدت المنطقة بسببه نزاعات وتوترات وحروبا بين البلدين، مضيفا أنه في نوفمبر من العام 2008 وقع البلدان إعلانا يدعو إلى تسوية سلمية للنزاع، إلا أن المعارك تواصلت حيث شهد عاما 2014 و2016 اشتباكات وصدامات عسكرية، كان آخرها ما حدث خلال اليومين الماضيين.
لماذا تتدخل تركيا؟
لكن لماذا تتدخل تركيا وتمد أذربيجان بالسلاح والمرتزقة في نزاعها مع أرمينيا؟ يقول ترزيان إن ذلك يرجع لسببين: الأول هو نكاية في أرمينيا التي مازالت تؤرق تركيا بقضية الإبادة الشهيرة للأرمن، والثاني أن تركيا تراودها من جديد أحلام العودة للإمبراطورية العثمانية، وتريد السيطرة على الإقليم ليكون امتدادا لها نحو الصين ويصبح لها تواجد في أكثر مناطق العالم من حيث الأهمية الاستراتيجية لكونها مناطق نقل الغاز والنفط العالمية.
آلاف المرتزقة من سوريا الى اذربيجان:
وفي وقت سابق نقلت وكالة إنترفاكس عن سفير أرمينيا لدى روسيا قوله إن تركيا نقلت نحو أربعة آلاف مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان وسط قتال على إقليم ناغورني قرة باغ الانفصالي.
ونسبت وكالة الإعلام الروسية إلى السفير الارميني في موسكو قوله إن المقاتلين يشاركون في القتال بالإقليم الواقع داخل أذربيجان ويديره الأرمن.
وفيما لم تعلن أذربيجان عن خسائرها العسكرية، قد تكون الخسائر أكبر بكثير، حيث يؤكد كل طرف أنه ألحق مئات الخسائر بالطرف الآخر، ونشر الجانبان صورا لدبابات مدمرة.
وأكدت باكو أنها قتلت 550 مسلحا معاديا فيما أوردت يريفان أنها أودت بأكثر من 200 قتيلا.
وأكد هذه المعلومات الاحد رئيس اقليم ناغورنو كاراباخ أرايك هاروتيونيان الذي قال "لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية".
كما قالت وزارة الخارجية الأرمينية في بيان إن تركيا لها "وجود مباشر على الأرض". وأضافت أن خبراء عسكريين من تركيا "يقاتلون جنبا إلى جنب" مع أذربيجان التي قالت يريفان إنها تستخدم أيضا أسلحة تركية من بينها طائرات مسيرة وحربية. ونفت أذربيجان هذه الاتهامات، فيما لم تصدر تركيا تعليقا بعد.
استنساخ النموذج الليبي:
وتأتي اتهامات أرايك هاروتيونيان هذه بينما وجهت تركيا يوم الأحد انتقادات حادة لأرمينيا بعد اشتباكات بينها وبين أذربيجان وقالت إن يريفان عقبة أمام السلام وتعهدت بمواصلة دعم باكو، في ردّ فعل ابتعد عن العرف الدبلوماسي على خلاف دعوات دولية للتهدئة وضبط النفس وحل الأزمة بالحوار.
وسبق لتركيا أن تعهدت بتقديم كل الدعم لأذربيجان في مواجهة أرمينيا في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات الدولية منادية بعدم التصعيد وبالتوقف فورا عن إطلاق النار، لكن أنقرة اختارت طريق تأجيج الصراع وإذكاء التوتر في منطقة القوقاز، وهو ما ينذر في المقابل بتدخل روسي إذا تطور التصعيد بين يريفان وباكو إلى حرب.   
ولا تفوت أنقرة فرصة لمهاجمة أرمينيا على وقع عدائي تاريخي بين البلدين حيث تتهم الأخيرة تركيا بارتكاب ابادة جماعية بحق الأرمن إبان الحكم العثماني وهي الأحداث التي صنفتها عدة دول أوروبية كمجزرة تتحمل الدولة التركية مسؤوليتها.
ولتركيا سوابق في التدخلات في الصراعات الإقليمية والداخلية، فقد سبق أن تدخلت في سوريا بدعوى حماية أمنها القومي والقضاء على الخطر الذي يشكله الأكراد في شمال سوريا والتنظيمات الجهادية على أمنها.
وتدخلت كذلك في ليبيا نصرة لميليشيات متطرفة تدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس في مواجهة هجوم يشنه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لتطهير العاصمة من الإرهاب.

شارك