أزمة المقاتلون الإرهابيون العائدون إلى مصر والمغرب وتونس في دراسة جديدة

الثلاثاء 16/فبراير/2021 - 05:50 م
طباعة أزمة المقاتلون الإرهابيون حسام الحداد
 

باتت عودة المقاتلين الأجانب تهديدًا خطِرًا في السنوات القليلة الماضية، فقد تعرَّضت كلٌّ من مصر وتونس لهجَمات إرهابية ارتكبها أو شارك فيها عائدون من سوريا وليبيا، وفي الوقت نفسه قام المغرب بتفكيك كثيرٍ من الشبكات الإرهابية التي

تضمُّ عائدين من مناطق الصراع. وهؤلاء المتطرفون العائدون إن لم يكونوا تهديدًا مباشِرًا فإنهم على الأقل يمكن أن يساعدوا في نقل المهارات العسكرية القتالية إلى إرهابيين محلِّيين.

ويُقدَّر عددُ المسافرين من أوروبا وشمال إفريقيا للقتال في سوريا والعراق بأكثرَ من

عشرة آلاف مقاتل على الأقل، وبلغ نصيب شمال إفريقيا من المقاتلين الإرهابيين

الأجانب المغادرين للقتال هناك أكثر من خمسة آلاف مقاتل، انضمُّوا إلى الجماعات

الإرهابية في سوريا والعراق منذ عام 2012 م، ويضاف إليهم قُرابة ألفي مقاتل

ذهبوا إلى ليبيا. (جاء معظمهم من تونس، ذهب قُرابة 3000 مقاتل إلى العراق

او سوريا، وقُرابة 1500 مقاتل إلى ليبيا. وذهب من المغرب 1664 مقاتلً إلى بلاد

الشام، ونحو 300 مقاتل إلى ليبيا، وذهب من مصر نحو 600 مقاتل)، وذلك وَفقًا

لتقديرات أجهزة المخابرات. هذه الأعدادُ من المجنَّدين قد لا تكون كبيرة، ولكنَّها

أكبر من أيِّ تجنيد سابق، بما في ذلك الأعدادُ التي واجهت السوفييت في أفغانستان

في الثمانينيات الميلادية.

وفي هذا السياق أصدرت مجموعة إيجمونت الدَّولية تقريرًا عن هذه الظاهرة، بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور الألمانية، بعنوان: «العائدون إلى المغرب: مقارنة سياسات إعادة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى مصر والمغرب وتونس » قام بترجمته وتقديم ملخص له التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وقد أعدَّ التقريرَ فريقٌ علميٌّ ضمَّ سبعة باحثين خبراءَ متخصِّصين في مكافحة الإرهاب، وحرَّره «توماس رينارد » زميلُ معهد إيغمونت، المعهد الملكيِّ للعَلاقات الدَّولية في بروكسل، المتخصِّص في مكافحة التطرُّف ومحاربة الإرهاب في بلجيكا وأوروبا.

أكدت الدراسةُ أن جميع البلدان على بينة من التحدي الذي يشكّله المقاتلون الإرهابيون العائدون، واتخذت تدابيرَ للتعامل معهم، على اختلاف نطاق التحدِّي بين بلدٍ وآخر، واختلاف القُدرة على التعامل معه بفاعلية. على سبيل المثال تتعامل

تونس مع قُرابة ألف عائد، في حين لدى المغرب ما يزيد قليلً على مئتي عائد فقط، والأرقام الخاصَّة بمصرَ غير معروفة، ولكن من المرجَّح أنها تراوح بين مئة وعدَّة مئات.

ومن جميع الدول التي شَمِلتَها الدراسةُ في هذا التقرير كان المغرب الأكثرَ تطوُّرًا في التعامل مع المقاتلين الإرهابيين العائدين؛ إذ اتخذ التدابيرَ القانونية المناسبة، ونفَّذ برامجَ نزع التطرف في السُّجون، ويعمل على مبادرات أخرى مع المتطرفين السابقين.

ولا تزال جميعُ بلدان المغرب العربي تطمح إلى بناء نهج شامل للتعامل مع العائدين، يشمل تدابيرَ من المقاضاة إلى الاحتجاز وإعادة الدمج. وفي انتظار تأسيس نهج شامل على المدى الطويل، يشمل برامجَ طموحةً للوقاية والدمج، يعود تحدِّي المقاتلين العائدين للظهور في ثوب جديد، كما فعل بانتظام منذ منتصف الثمانينيات. كما تشترك دولُ شمال إفريقيا في نهج يعتمد كثيرًا على الأمن لمحاربة الإرهاب، ومعالجة عودة المقاتلين، دون اتِّباع نهج شامل لإعادة التأهيل والدمج للعائدين، بالرغم من أنه قد جرى تطوير القليل من برامج منع التطرف العنيف ومحاربته، مما يعني أن البيئة للتطرف والتجنيد لا تزال موجودة محليًّا؛ لذلك قد يتراجع العائدون الذين يغادرون السِّجن عن الارتباط بالتنظيمات الإرهابية، لكنَّهم قد يؤدون دورًا في تطرف الآخرين.

مصر ومواجهة الإرهابيين:

تُظهر سجلَّاتُ المحاكم أن القضاء المصري على بيِّنة من تهديدِ عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب ( FTFS )، وعلى الرغم من ذلك تندُر القوانين والبرامج أو السياسات التي تتعامل مع هذه القضية؛ إذ تبرز الحاجة إلى إيجاد قانون مستقلٍّ لتجريم جماعات القتال الإرهابية الأجنبية. حيث تحدِّد المادَّة 86 من قانون العقوبات

المصري العقوباتِ التي تصل إلى القتل للأفراد الذين ثبَت عملهم مع منظمات أجنبية لارتكاب جرائمَ إرهابية في مصر، والأشغال الشاقَّة للمصريين الذين تعاونوا معهم، أو انضمُّوا إليهم.

وفي عام 2014 م شدَّدت مصرُ إجراءات السفر؛ لوقف تدفُّق الأفراد بغرض الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، وفرضَت على المواطنين الذين تُراوح أعمارُهم بين 18 و 40 سنة الحصولَ على موافقة السُّلطات قبل السفر إلى تركيا أو العراق أو سوريا. وفي فبراير 2018 م أعلن الجيش المصري حملةً عسكرية باسم «عملية

سَيناء 2018 م الشاملة »، سعَت بحسَب ما ذكره المتحدِّث الرسمي باسم الجيش، لمواجهة الإرهاب والأنشطة الإجرامية الأخرى.

وأفاد الجيشُ أنه قتل أكثر من 400 شخص، واعتقل أكثر من ألفين آخرين في هذه الحملة، وقد نُشر القليلُ من المعلومات عن هُويَّة هؤلاء القتلى أو المقبوض عليهم، والجرائم المنسوبة إليهم، سواء كانت لهم صِلاتٌ بمنظمات إرهابية، أو تدرَّبوا في الخارج.

يتطلَّب التصدِّي لتهديد عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب على نحو كافٍ ومناسب في مصر إصلاحَ التشريعات الحالية لمكافحة الإرهاب؛ لتوحيد القوانين والسماح باستخدامها لاستهداف أعلى التهديدات على وجه التحديد بعد التخلُّص من الصياغات غير الدقيقة.

تونس وملاحقة العائدين:

ترى السُّلطاتُ التونسية أن عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب تهديدٌ للأمن، ومن ذلك هجومان نفَّذهما أفرادٌ تدرَّبوا في المعسكرات الليبية، أولهما الهجومُ على المتحف الوطني في مارس 2015 م، وأدَّى إلى مقتل 20 سائحًا وتونسيَّين اثنين، وإصابة 50 آخرين. وثانيهما إطلاقُ النار على أحد الشواطئ في مدينة سوسة في يونيو 2015 م، وأدَّى إلى قتل 38 ، وجرح 39 شخصًا.

وفي 7 مارس 2016 م حاول مقاتلو داعش غزوَ بلدة بن غيردين الحدودية التونسية؛ بتنشيط الخلايا النائمة التي انضمَّ إليها عناصرُ التنظيم القادمون من ليبيا. وأظهر الهجوم تخطيطًا مُحكمًا يجمع بين الاعتداء على قوَّات الأمن والتواصل الإستراتيجي مع السكَّان المحلِّيين. وعلى الرغم من إخفاق الإرهابيين في الاستيلاء

على المدينة عزَّزَت الواقعةُ إدراكَ التونسيين أن أنشطة المقاتلين الأجانب أشدُّ خطرًا من الإرهابيين المحلِّيين، وأن الهجَمات التي ينفِّذها أشخاصٌ ذوو خبرات أجنبية تكون أكثر فتكًا من تلك التي ينفِّذها إرهابيون محلِّيون.

وقد قوبل برنامجُ وِزارة الداخلية للتعامل مع العائدين من المقاتلين التونسيين المُسمَّى «التوبة والمغفرة والقانون » بجدَل واسع، فوزارة الداخلية قالت: إن البرنامج سبقَ تطبيقُه في بلدان مثل الجزائر وإيطاليا، وأنه سيُطبَّق على الذين لم تتلوَّث أيديهم بالدماء. في حين قال وزيرُ الخارجية: إن الحكومة لن توافقَ على العفو عن العائدين. ووجد الرئيسُ نفسه في قلب هذا الجدال، فأعلن أن الدستور التونسيَّ يضمن حقَّ العودة لكل التونسيين، ثم أعلن أن قانون التوبة للعائدين لم يكن خِيارًا.

وفي يناير 2017 م أطلق مجموعةٌ من المواطنين التونسيين حملةً لرفض عودة الإرهابيين الذين قاتلوا في سوريا وليبيا والعراق، وأعلن الاتحاد العام للعمَّال التونسيين (UGTT) رفضَه قانونَ توبة الإرهابيين.

وكشفت هذه المواقفُ عدم ذهاب النقاش الاجتماعي بشأن دمج المقاتلين العائدين لأبعدَ من الملاحقة القضائية، وأن تونس ليست جاهزة بما فيه الكفاية من حيث المواردُ والاستخبارات لوضع تصنيف للمقاتلين الأجانب العائدين، ووضع سياسات

موجَّهة لمعالجة العائدين على أساس كلِّ حالة على حِدة.

ومع عودة المقاتلين التونسيين، تواجه تونسُ التحدِّيَ الصعب، ولذا فقد سنَّت قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب في يوليو عام 2015 م، بديلً عن قانون عام 2003 م، وفرضَت عقوبات أكثرَ صرامة على الإرهابيين المدُانين تصل إلى الإعدام، وتتراوح الأعمالُ الإرهابية التي يشملها هذا القانونُ بين الترويج للإرهاب في وسائل التواصل الاجتماعي وتسهيل العمليات الإرهابية أو تمويلها أو تنفيذها، أو تجنيد الإرهابيين في تونسَ وأماكن أخرى.

ودعا كثيرٌ من القادة السياسيين عَلانيةً إلى محاكمة العائدين بالحدِّ الأقصى من العقوبات الواردة في هذا القانون، وقد حُكم على كثير من الإرهابيين بالقتل منذ صدور القانون.

ونظرًا لخطَر ظاهرة المقاتلين الأجانب وكثرة أعدادهم فإن القبضَ عليهم جميعًا، أو إبقاءهم تحت المراقبة عند عودتهم، يعَدُّ استخدامًا غير فاعل للموارد، مع تذكُّر أن العائدين ليسوا جميعًا يمثلون تهديدًا.

وهناك حاجة إلى خطط بعيدة المدى أكثر شمولً، تتضمَّن تدابيرَ اجتماعيةً واقتصادية وسياسية ودينية وتعليمية وثقافية؛ لمعالجة تحدِّي المقاتلين الإرهابيين العائدين. ولهذا الغرض أعلنت الإستراتيجيةُ الوطنية لمكافحة الإرهاب التي اعتمدَها مجلسُ الأمن القومي التونسي عام 2016 م تغييرًا في الاتجاه اللازم لمعالجة المشكلة؛ لأنها تنصُّ على أن مكافحة التطرف والإرهاب تتطلَّب نهجًا متعدِّد الجوانب، ويبدو أن هناك إجماعًا على أن هذا التحدِّيَ يتطلَّب معالجةَ الأسباب

الجذرية للتطرف، وتعزيز قدرة قوَّات الأمن على توقُّع التهديد، والاستجابة له في آنٍ واحد.

المغرب مخاوفُ وعلاجٌ

لمكافحة الإرهاب أولويةٌ أمنية ظاهرة في الخطاب المغربي الرسمي، وقد تجلَّت في خطة إستراتيجية متعدِّدة الجوانب، تُديرها مؤسساتٌ أمنية واستخباراتية قوية. واكتسبت قضيةُ العائدين أهميةً أكبر في السنوات الأخيرة بالنظر إلى حجمها

غير المسبوق، ومع ذلك يُتعامَل معها في الإطار العام لمحاربة الإرهاب، وليس لها برنامجٌ محدَّد.

وتضمَّن النهجُ الأمني والقانوني في المغرب إنشاء خُطة جديدة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز الأجهزة الأمنية، والتفكيك النشِط والمستمر للخلايا الإرهابية المشتبَه بها. وأُنشئ المكتب المركزيُّ للتحقيق القضائي (BCIJ) عام 2015 م، الذي يُشار إليه غالبًا باسم «مكتب التحقيقات الفيدرالي المغربي »، وهو مسؤولٌ عن مكافحة الإرهاب، وتهريب الأسلحة والخطف.

وقد نُقل عن رئيسه عبد الحق الخيَّام قولُه: «إن المغرب لا يلينُ في حملته الصارمة على المقاتلين الأجانب العائدين الذين انضمُّوا إلى صفوف داعش، وإن السُّلطات المغربية اعتقلت أكثر من مئتين من المشتبَه بهم منهم، وقدَّمتهم إلى العدالة .»

وفي سياق المعركة على الإرهاب استثمر المغربُ في تعزيز أجهزة مخابراته، وكانت أجهزةُ الأمن المغربية تعمل في البداية بالاستعانة بشبكة من المخبرين ذوي الخبرة في الكشف عن التطرف، وحصلت على تقنيَّات مراقبة جماعية، وعمليات

البحث على الإنترنت.

وقد ساعدت المعلوماتُ التي قدَّمها المخبرون ومسؤولو الأمن على كشف الخلايا الإرهابية المشتبَه بها. وبحسَب السلطات المغربية فقد فُكِّكت 168 خلية إرهابية، واعتقُل 2963 شخصًا ما بين 2001 - 2017 م، منها 44 خلية ذات صلة مباشرة بداعش.

وكانت أجهزةُ المخابرات المغربية مصدرًا مهمًّا للمعلومات الاستخبارية المتعلِّقة بالشبكات الإرهابية العابرة لحدود كثير من الدول الغربية، ومنها إسبانيا وفرنسا. ووَفقًا لما ذكره جان ميشيل المدير العام السابق للشرطة الفرنسية لمكافحة الإرهاب

فإن للمعلومات التي قدَّمتها المخابراتُ المغربية أثرًا كبيرًا في القبض على منسِّق هجوم نوفمبر 2015 م في باريس. وتجدُر الإشارة إلى أن المغرب يتعاون مع عدد من البلدان الأوروبية في مكافحة الإرهاب.

قد يكون النهجُ المغربي لمحاربة الإرهاب ناجحًا؛ إذ لم تشهد البلادُ هجَمات إرهابية منذ عام 2011 م حتى ديسمبر 2018 م، إلا أنه لا يزال يحرِّكه الأمن، مع القليل من الوقاية. إذ إن برنامج المصالحة القائم بحاجة إلى برامج للتأهيل أو لإعادة

الدمج، وكذلك برامج لمعالجة قضيَّة العائدين، ولا سيَّما الذين يُتعامَل معهم مثل جميع الإرهابيين الآخرين، مع أنهم كانوا في حرب مناطقَ ساخنة، وتدرَّبوا على استخدام الأسلحة، وكانوا جزءًا من شبكات أكبر، وهذا ما يؤكِّد حاجتهم إلى برامج تأهيل مختلفة عن سائر الإرهابيين.

وقد دفعت الهجَماتُ الإرهابية في الدول الأوروبية إلى زيادة مخاطر عودة المقاتلين الإرهابيين؛ إذ لجأ عددٌ من أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى سحب الجنسيَّة من المتورِّطين في الجرائم الإرهابية، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، طُرد عددٌ من المغاربة من أوروبا، بعد اتهامهم بالأنشطة الإرهابية. وبالنظر إلى أعداد المقاتلين الإرهابيين أو الأفراد المتطرفين في أوروبا الذين يحملون الجنسية المغربية، يُتوقَّع أن يزدادَ حجم هذه الظاهرة، وهذا ما يؤكِّد الحاجة إلى تعاون قويٍّ بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

لقد نجح المغربُ نجاحًا ظاهرًا في منع هجَمات إرهابية، والحصول على معلومات استخبارية كانت مفيدةً محليًّا ودَوليًّا، ومع ذلك لا تزال جهودُه في مكافحة الإرهاب مقيَّدة في إطار النهج الأمني الذي يمكن أن يتعزز بمعالجة حقيقية للتحدِّيات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية. ويجب على الاتحاد الأوروبي والشركاء الدَّوليين الآخرين دعمُ الجهود الرامية إلى خفض التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، بوصف ذلك جزءًا من معالجة التطرف.

 

شارك