القس عيد صلاح :حسن حنفي قدم نفسه قائلا " انا لاهوتي "

الإثنين 25/أكتوبر/2021 - 01:59 م
طباعة القس عيد صلاح :حسن روبير الفارس
 

امتد الاثر الفكري للدكتور حسن حنفي الي ابعد من مناقشة الفكر والتراث الاسلامي .ليصل الي التلاقح مع الفكر المسيحي لدرجة انه كان يقدم نفسه كلاهوتي.كما روي ذلك الدكتور القس عيد صلاح راعي الكنيسة الانجيلية بعين شمس قائلا  سمعت عنه لأول مرة في بداية التسعينيات من القرن الماضي من القس صموئيل يوسف أستاذ العهد القديم في كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة.

وكان يحكي لنا عنه وعن مؤلفاته، بعد ذلك قرأت له الكثير، حيث حوت مكتبة الكلية معظم كتاباته، ولم أتوقع رؤيته والحوار معه يومًا ما، وقد تحقق ذلك حين جمعنا لقاء في مؤتمر مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية. ولا أنسى ذلك اليوم عندما جلسنا معًا على سفرة واحدة في الإفطار في فندق أزورا بالإسكندرية: دكتور حسن حنفي، وصديقي الدكتور وجيه يوسف، والعبد لله.

 أخذنا الحوار في أمور كثيرة، ولكني أتذكر كلامه بإعجاب شديد عن الدكتور القس إكرام لمعي والدكتور القس مكرم نجيب ومن قبلهما الدكتور القس صموئيل حبيب حين ذكرهم كمفكرين مستنيرين ورواد من رواد الفكر في الكنيسة ومصر. وقد بيَّن لي أنه واسع الاطلاع والمعرفة، ويعرف الشخصيات الهامة في الكنيسة.

واستطرد القس عيد صلاح قائلا كانت بداية اليوم جميلة بالإفطار والحديث معه والاستماع له، وبعد ذلك جاء لي محاضرتي والتي كانت تحت عنوان: التفاعل الإسلاميّ المسيحيّ في مصر من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلاديّ، وذلك في المؤتمر الدوليّ السابع لمركز المخطوطات مكتبة الإسكندريّة 25- 27 مايو 2010م التواصل التراثيّ: أصول ومُقدّمات التراث العَرَبيّ الإسلاميّ.

كان يجلس في الصف الأول وبجواره دكتور نصر حامد أبو زيد، ودكتور يوسف زيدان، وجلست على المنصة مع صديق العمر وجيه يوسف وبيننا رئيس الجلسة الأب الدكتور سمير خليل اليسوعيّ، وقتها كنت أشعر بقلق شديد. وبعد أن انتهيت من إلقاء محاضرتي وجاء وقت النقاش طلب دكتور حسن حنفي الكلمة للسؤال، وهو ما زاد قلقي أكثر، ولكنه كان كريمًا وأثنى على المحاضرة في البداية واتذكر سؤاله جيدًا حين قال: دكتور صلاح لقد أشرت في حديثك إلى الاندماج والانعزال وهذه ظاهرة عامة لكل الأقليات ما الذي يتميز به المسيحيون في مصر بعد الفتح العربي؟ ولقد شكرته أجبت بالقول: الذي يميز المسيحيين في مصر بعد الفتح العربي رغم كل أوقات التضييق عليهم هو الاندماج الثقافي مع التميز الديني، والقدرة على الكتابة باللغة العربية للتواصل مع المسلمين ليشتبك علم الكلام مع علم اللاهوت في محاولة للفهم والحوار المتبادل، الخصوصية الإيمانيّة والعبور الثقافيّ هما وجهان لعملة واحدة في الحضور المسيحيّ في مصر والشرق الأوسط.

وبعد انتهاء المحاضرة، واللقاء معه، قدم نفسه لنا بعبارة لا أنساها حين قال بالإنجليزية I am a theologian أنا لاهوتي، وبالفعل هو يفهم في اللاهوت الكثير. كنت أشعر بالفعل أنني أمام عملاق كبير.

واضاف القس عيد كنت قد تابعت قبل وبعد لقائه كتبه ومقالاته، وقرأت له الكثير، وأحببت طريقة تفكيره، وأتذكر في لقاء تليفزيونيّ معه كان يدعوا إلى الانتقال من فقه العبادات إلى فقه المعاملات. وقد شدَّد في كتاباته على ضرورة التجديد في مشروعه التاث والتجديد، وأهمية العقل في مشروعه من النقل إلى العقل. وقد اقترب من النص الديني المسيحيّ فنجد له عمل مهم وهو تفسير الإنجيل في كتابه المتميز: ظاهريات التأويل محاولة في تفسير وجودي للعهد الجديد.

دكتور حسن حنفي، فيلسوف ومفكر كبير، كان عميق الفكر، غزير الإنتاج، ليس منعزلاً عن الواقع لكنه مشتبكًا معه، فلم يجلس في برج عاج ولكن فهم الواقع واشتبك مع قضاياه وعبر عن ذلك في كتبه ودراساته ومقالاته ترك كتابات غنية وثرية، ويظل علامة من علامات التفكير المصريّ المعاصر. حزنت لرحيله لكني تذكرت مقولة أنَّ: من كتب لم يمت، وحسن حنفي حي بكتاباته وأفكاره.

لم يأخذ حقه من التقدير الذي يستحقه لأسباب كثيرة، ولكن التاريخ سينصفه كما أنصف من قبله كثيرين.

 

شارك