دراسة: التحولات المستقبلية لجماعة الإخوان.. إشكالية الانسلاخ من التنظيم إلى “التيار”.. كيف؟

الثلاثاء 28/ديسمبر/2021 - 01:23 م
طباعة دراسة: التحولات المستقبلية حسام الحداد
 
تقود الأزمة الراهنة داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى عدد من السيناريوهات المحددة، نتيجة مخاض عسير وتحولات كبيرة، وليدة سنوات من الصعود والهبوط، التوغل السياسي ثم الانحسار لنشاط الجماعة التي يواجه مجموعة من الصراعات المركبة والتغييرات الجوهرية على مستوى الفكر والحركة، بالتزامن مع فقدان الأفرع الفاعلة في العملية السياسية على المستوي الإقليمي ومحاولات فصل السلطة المركزية لإخوان مصر، كما كانت منذ نشأة الإخوان في العام 1928، لصالح التنظيم الدولي الذي تنامى نفوذه ككرة الثلج بفضل الأزمات المتلاحقة التي ضربت الجماعة.
حول هذا الموضوع قدم مركز تريندز للدراسات، ورقة ناقش فيها روؤية لما  قد تكون عليه جماعة الإخوان المسلمين خلال السنوات المقبلة، ففي ظل ما تعانيه الجماعة من أزمات حقيقية وضعف احتمالات التلاشي وربما عدم منطقيتها فإن الطرح الذي يفرض نفسه على طاولة الباحثين في الوقت الراهن يتعلق بمسارات “التحول” التي قد تضمن للجماعة بقاء الأفكار دون الاحتفاظ بالهيكل المترهل، وهو أحد أسباب الصراع الداخلي أصلا.
وتقول الدراسة أنه بناء على دراسات وتقارير واستطلاعات تناولت وضع الجماعة الداخلي وحيز نشاطها العربي والدولي وموقف الحكومات منها، اعتمدت الجماعة منذ عدة أعوام على صياغة أيدولوجيا جديدة للإخوان تعتمد على الأفكار وأدوات تنفيذها دون الاهتمام بالهيكل التنظيمي أو البناء الهرمي التاريخي “المتحجر” على مدر نحو 90 عاماً ، ممثلا في مكتب الإرشاد، بأغلبيته الممثلة من مصر باعتبارها موطن “الجماعة الأم”، ومجلس الشورى العام، والمكاتب التنفيذية في الداخل، فضلاً عن مجلس الشوري الدولي والروابط الإقليمية والدولية الخاصة بالتنظيم الدولي. 
ويعد انهيار الجماعة الأم بمصر الصدمة الأضخم في تاريخها، إذ تبعه تغير كامل في الممارسة السياسية التي تحولت بشكل كلي إلى العمل المسلح لإجبار الدولة المصرية على إعادة التنظيم المحظور رسميا والمنبوذ شعبيا إلى المشهد السياسي، وأثرت انهيارات الجماعة الإرهابية المتتابعة في دول عدة كانت تمثل مراكز قوة لها وأهمها مصر بشكل كبير على التماسك الهيكلي داخل التنظيم الدولي ونسفت جميع الخطط والأهداف الاستراتيجية التي كان يسعى إلى تحقيقها بمساندة دول تتطابق مصالحها معه.
وحول دلائل تحول “الإخوان” من تنظيم إلى تيار تقول الدراسة: الصراع الأخير وطرفيه إبراهيم منير المقيم بلندن القائم بأعمال المرشد (المعزول من مجلس شورى الجماعة)، ومحمود حسين، المقيم بتركيا (والمفصول من منصبه بقرار من القائم بأعمال المرشد)، لا يمكن قراءته منفصلاً باعتباره أزمة بين قطبين تاريخيين يمكن الفصل فيها استناداً للوائح أو مجالس صلح، لكنه جزء من سياق كبير لتحولات تاريخية تشهدها الجماعة يمكن تلخيص الدلائل عليها في الآتي: 
ربما الدلالة الأكثر وضوحاً بشأن الاستراتيجية الخاصة بتحول الإخوان إلى تيار بديلاً عن التنظيم، جاءت على لسان الإخوان أنفسهم في البيان الذي صدر عن المكتب العام للجماعة في منتصف يوليو عام 2019، حيث كشفت الجماعة عن استراتيجيتها للعودة إلى المشهد العام في مصر عبر أدوات جديدة، مؤكدة التحول إلى تيار عام، قائلاً:” لذا فإننا نعلنُ أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تقفُ الآن على التفريق بين العمل السياسي العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة، ونؤمن بأن مساحة العمل السياسي العام على القضايا الوطنية والحقوق العامة للشعب المصري، والقيم الوطنية العامة وقضايا الأمة الكلية، هي مساحة أرحب للجماعة من العمل الحزبي الضيق والمنافسة على السلطة، وسنعمل كتيار وطني عام ذي خلفية إسلامية، داعمين للأمة، ونمارس الحياة السياسية في إطارها العام، وندعم كلّ الفصائل الوطنية التي تتقاطع مع رؤيتنا في نهضة هذا الوطن في تجاربها الحزبية، ونسمح لأعضاء الإخوان المسلمين والمتخصصين والعلماء من أبنائها بالانخراط في العمل السياسي من خلال الانتشار مع الأحزاب والحركات التي تتقاطع معنا في رؤيتنا لنهضة هذه الأم”. 
اعتماد الإخوان على مراكز التأثير الجديدة لم يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي والكتب ودوريات انشر والبرامج الإعلامية المكثفة عبر مواقع وقنوات متخصصة في بث الخطاب الإيديولوجي التنظيمي إلى جانب التحريض على الدول والنظم السياسية، لكنه امتد أيضاً لمراكز التدريب الشبابية والمؤسسات الخدمية والمجتمعية، ودور النشر والمؤسسات الثقافية، وفي مصر على سبيل المثال تؤكد معلومات أن عدد دور النش التي تعمل على ترويج كتب الإخوان قد تجاوز 700 دار من إجمالي 1400 واحدة في كل البلد، ما يعني محاولة إخوانية للسيطرة والنفاذ من خلال الأدب. 
وتقول الدراسة: تعتبر “وثيقة لندن” التي أُقرّت في مايو 2021، المحرك الأساسي وراء اشتعال الخلافات بين جبهة إبراهيم منير المتحصنة في الداخل البريطاني، وجبهة محمود حسين، المتمركزة في العمق التركي، والتي تم تصديرها للرأي العام الإقليمي والدولي على أنها صراعات حول الأموال والسلطة، لكنها في الحقيقة خلافات حول تمرير الاستراتيجيات الجديدة داخل التنظيم، إذ إن الخلافات الداخلية على الملفات المالية والإدارية حالة مستمرة وليست طارئة على الجماعة منذ تأسيسها على يد حسن البنا. 
يتمثل الصراع الحقيقي في تمرير استراتيجية الانتقال من خانة “الهيكل التنظيمي” التي وضعها حسن البنّا، إلى ساحة “التيار الفكري” الجارف، والتخلص نهائياً من عبء التنظيم الذي يعتبر حائلاً أمام التماهي مع قضايا المجتمع وإشكالياته من دون بناء جدار تنظيمي عازل، على غرار التيارات السلفية التي تتحرك بحرية تامة من دون خسائر بشرية أو مادية. 
وبناءاً على ما سبق تقديمه من معطيات حول استراتيجية الإخوان للتحول إلى تيار عام، بعيداً عن الهيكل التنظيمي التاريخي والدلائل وملامح الاستراتيجية وأدواتها، وأيضا المعوقات التي تقف حائلاً أمام هذا الطرح، يمكن القول إن أبرز ملامح خريطة العمل الراهن والمستقبلي للإخوان يمكن أن تتمثل في الآتي:
أولاً: سواء تم حسم الصراع الداخلي بين القيادات المتناحرة، أو لا، وبغض النظر عن الطرف الذي سيحسمه لصالحه، ستظل الجماعة أمام خيارات محدودة تتعلق بالمستقبل أبرزها؛ محدودية قدرات جماعة الإخوان المسلمين في الممارسة السياسية الداخلية، أو على مستوى التأثير في المجتمعات العربية، الأمر الذي يدفعها في لحظة معينة إلى اعتماد أدوات جديدة بعيداً عن الاطر التنظيمية التقليدية والأنشطة المعروفة.
ثانيا: قد لا تسمح الأزمة الراهنة للجماعة بخلق المزيد من مساحات الانتشار على المستوى التنظيمي، ومع ذلك ستحاول الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتها الراهنة، وتقليص خسائرها، وربما تبتعد عن أي إطار للتصادم مع الأنظمة السياسية في الوقت الراهن سواء من خلال العمليات أو الهجوم الإعلامي أو عبر بث الشائعات، وهذا يمكن ملاحظته في تكثيف المطالبات للمصالحة مع مصر من جانب قيادات الجماعة خلال الأشهر الماضية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى امتناع الإخوان عن التعليق على القرار البريطاني بوضع حماس وهي أحد أفرع الإخوان، على قوائم الإرهاب، وأيضاً التزام الصمت تجاه القرارات الأوروبية ضد الجماعة في إطار الاستراتيجية الشاملة التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 2020 لمواجهة التطرف.
ثالثاً: ستركز الجماعة خلال الفترة المقبلة، على مؤسسات التأثير الناعمة كأحد أدوات العودة للمشهد السياسي، دون صدام مباشر وواضح مع النظم.
رابعاً: صعود التنظيم الدولي كقوة بديلة عن الأفرع الهشة والمحاصرة في الدول العربية، وهو ما يعني تغير شامل في الهيكل التنظيمي للجماعة وخروج القيادة المركزية من يد إخوان مصر إلى قيادات أخرى، وتشير بعض التوقعات ألا يتجاوز نسبة تمثيلهم المستقبلية في الهرم التنظيمي 40%، على أقصى تقدير، وذلك بسبب الملاحقات الأمنية وسجن أغلبهم بقضايا إرهاب، وتعيين مصطفي طلبة قائم جديد بأعمال المرشد وهو يحمل الجنسية البريطانية، فضلا عن أن إبراهيم منير أيضاً يحمل الجنسية البريطانية، وبالتالي انحلت العقدة الخاصة بحتمية أن يكون المرشد مصرياً وبناء عليه يتوقع أن يسيطر قيادات التنظيم الدولي وهم من يحكمون مصادر التمويل على المناصب التنفيذية في الهيكل.
خامساً: انهيار فكرة المركزية التاريخية الحاكمة في الإخوان، مقابل العمل على توطين ونشر الأفكار، وبناء تحالفات جديدة تستهدف “غسيل سمعة” الجماعة من منهاج العنف والتطرف، وهو ما سيزيد أزمة انفصام الخطاب والفعل داخلها، لأن مسألة تحلل الجماعة من كافة أفكارها ستبقى مستحيلة ومرتبط ببقائها أو تلاشيها.
وعليه، ستركز تحولات الإخوان المستقبلية على صياغة قوالب جديدة لاستيعاب الأفكار القديمة وتطويعها لخدمة مصالح الجماعة، وهي صيغة “تبريرية” لتمرير موقف ما يختلف مع الثوابت التي تلقنها لقواعدها، منها على سبيل المثال اختلاف فكرة الإخوان عن الدولة الوطنية والممارسة السياسية وفق أطرها القانونية بل وتناقضها مع أدبياتهم حول “الخلافة الإسلامية.”

شارك